الولايات المتحدة تدشن “الأنموذج” العربي والآسيوي لحلف شمال الأطلسي
“البعث الأسبوعية” تقارير
كثفت الولايات المتحدة مؤخرا أنشطتهاً العسكرية والسياسية في عدة مجالات. وعلاوة على تركيز البنتاغون على الشرق الأوسط وأفغانستان تحت ستار “مكافحة الارهاب”، وعلى أوروبا لـ “السيطرة على روسيا”، شهد العامان الماضيان تحركات كثيرة في منطقة الهند والمحيط الهادي، بذريعة مواجهة الصعود الصيني.
ففي أوائل تشرين الأول الماضي، ودون سابق إنذار، أسست الولايات المتحدة لوجودها في شمال أفريقيا. وبين 29 أيلول إلى 4 تشرين الأول، زار وزير الدفاع الأمريكي، مارك إسبر، أربعة بلدان في شمال أفريقيا ومنطقة البحر الأبيض المتوسط (المغرب والجزائر وتونس ومالطة)، حيث جرى التوقيع على وثائق مهمة لـ “التعاون الثنائي” في تونس والمغرب: “خرائط طريق” للتعاون العسكري والأمني. وقد وعدت الولايات المتحدة بمساعدة تونس في حماية حدودها، التي قد تتعرض للتهديد من قبل ليبيا المجاورة، وتم تقديم عرض مماثل للمغرب لمنطقة الساحل ينص على التعاون على امتداد السنوات العشر المقبلة.
وتشمل المجالات ذات الأولوية أيضاً “تعزيز القدرات العسكرية، وتحسين إمكانية التشغيل المتبادل، وزيادة جاهزية القوات، ودعم دور البلدين في الحفاظ على الأمن الإقليمي”، ويولي أهمية كبيرة لمناورات “الأسد الأفريقي” التي ينبغي أن تكون – وفقاً للولايات المتحدة – حدثاً مغرياً لمشاركين جدد من جميع أنحاء القارة الأفريقية.
في كلمة ألقاها خلال زيارته للرباط، قال مارك إسبر إن “المملكة المغربية والولايات المتحدة “تعملان معاً لتعزيز الأمن والاستقرار وازدهار شعبينا وأهدافنا المشتركة”، مشيرا ًإلى أن بلاده مدفوعة بالرغبة في “مواصلة تعزيز التزامها القوي والطويل الأمد تجاه أفريقيا، وخاصة تجاه المغرب، الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة خارج حلف شمال الأطلسي، وبوابة القارة الأفريقية”. وأعرب الوزير الأمريكي عن “ثقته” بأن البلدين “سيبقيان حليفين وشريكين استراتيجيين لأجيال قادمة”.
وفي غضون ذلك، وبينما لا يعترف المغرب بالاتفاق الذي تم التوصل إليه بين إسرائيل والإمارات المتحدة، بوساطة أمريكية، وقال جلالة الملك محمد السادس ملك المغرب إن “جميع المحاولات الرامية إلى تقويض وضع القدس غير مقبولة”، حاول مبعوثو واشنطن تجاهل “سوء الفهم” هذا للتركيز على ما قد يكون مهماً لمحاورهم.
وفي كلمته في تونس، قال إسبر صراحة إن “منافسينا الاستراتيجيين، الصين وروسيا، يواصلان تخويف جيرانهما، وإجبارهم على ذلك، مع توسيع نفوذهما الاستبدادي – على حد تعبيره – في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك في هذه القارة”. وبالطبع، ما كان إسبر ليشير إطلاقاً إلى الاستبداد خلال خطابه في الرباط، كون المغرب مملكة حليفة.
وفي الجزائر، اقتصرت الزيارة على المفاوضات، ولم يتم توقيع أي وثيقة. وبالنظر إلى أن الجزائر تعاونت منذ فترة طويلة مع روسيا من أجل الحصول على أنواع مختلفة من الأسلحة، فإن رؤية مسؤول أمريكي رفيع المستوى “يختبر المياه”، على هذا النحو، تعني أن هناك محاولة جدية للتدخل في قضايا الأمن الإقليمي. وبالنظر إلى تصريح الرئيس الجزائري الجديد، عبد المجيد تبون، بأن النظام السابق لم يعد موجوداً، فإن الولايات المتحدة تعتبر ذلك فرصة لإعادة العلاقات وترسيخ نفوذها في الجزائر.
وبالمناسبة، فقد زار مارك إسبر “إسرائيل” بالفعل، حيث التقى بوزير الحرب، بيني غانتس، ووعد بالحفاظ على جميع الأولويات التي حافظت عليها الولايات المتحدة تقليدياً تجاه تل أبيب فيما يتعلق ببلدان المنطقة.
بالتوازي، وفي منطقة المحيط الهندي والهادي، مباشرة بعد هجوم إسبر (من 4 إلى 6 تشرين الأول)، عقدت مجموعة الحوار الأمني الرباعي، والتي تضم كلاً من الولايات المتحدة والهند وأستراليا واليابان، اجتماعاً مشتركاً في طوكيو. وكان هذا الحوار قد بدأ في العام 2007، بمبادرة من رئيس الوزراء الياباني السابق شينزو آبي، في خضم أزمة العلاقة بين طوكيو وبكين. لقد عادت الأجندة المعادية للصين إلى الطاولة، ولكن الولايات المتحدة هي التي تروج لها اليوم، وليس اليابان.
قال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، الذي حضر الاجتماع، إن النشاط المتنامي للصين في المنطقة جعلها أكثر أهمية من أي وقت مضى بالنسبة للدول الأربع في منطقة المحيط الهادئ. وقال أيضاً إن “من المهم أكثر من أي وقت مضى أن نعمل معاً لحماية شعوبنا وشركائنا من استغلال وقهر الحزب الشيوعي الصيني”، حسب تعبيره!!
ويعتقد الكسندر نيل المحلل الامنى لمنطقة اسيا المحيط الهادي، ومقره سنغافورة، أن انضمام الهند يمثل “العامل الحاسم الحقيقي” في قوة الدفع الجديدة لـ “الرباعية”. ويضيف: “في السنوات الأخيرة، كان هناك الكثير من التكهنات بأن الرباعية أصبحت منظمة ذات طابع رسمي. ولكن الهند، على وجه الخصوص، هي إحدى الركائز التقليدية لحركة عدم الانحياز، وقد دأبت على ذلك”، ولكن من ناحية أخرى – يتابع الكسندر نيل – كانت الولايات المتحدة منسجمة للغاية مع رسالتها طوال عهد الرئيس دونالد ترامب: “إن الإجراءات القسرية التي تتخذها الصين لن تؤدي إلى العزلة الذاتية فحسب، بل وسوف تشجع أصدقاءنا وحلفاءنا ذوي التفكير المماثل على إعادة تجميع صفوفهم. و”الرباعية” أحد مظاهر ذلك”. واتهم نيل “الولايات المتحدة بتأجيج مناخات الحرب الباردة وعقليتها، وتشكيل تحالفات لـ “احتواء صعود الصين”.
وقد وصفت الصين الـرباعية بأنها “زمرة حصرية” تستهدف أفعالها أطرافاً ثالثة.
ونظراً لأن أستراليا تستلهم الولايات المتحدة عموماً، فإن التعاون الوثيق مع الهند سيكون تحدياً لكل من جيرانها الإقليميين وروسيا، والتي ظلت لفترة طويلة – بالنسبة لها – شريكاً في توريد مختلف منظومات التسلح. ومع زيادة التعاون بين الهند والولايات المتحدة، ستركز نيودلهي بشكل أكبر على الموردين الأمريكيين؛ كما أن مشاركة الهند في “رباعية العمل”، أو غيرها من المبادرات الأميركية، ستكون من أعراض انهيار حركة عدم الانحياز.
وسوف يواجه رئيس الوزراء الياباني الجديد توازناً أكثر حساسية. وترى طوكيو تحسناً في العلاقات مع بكين، لكنها تقيم ايضاً علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة والهند وأستراليا. وفي 5 تشرين الأول، قال يوشيهيدي سوغا للصحفيين إنه سيسعى دائماً إلى تعزيز “رؤية منطقة المحيطين الهندي والهادي الحرة، والمفتوحة”، وأنه يريد “بناء علاقات مستقرة مع البلدان المجاورة، بما في ذلك الصين وروسيا”.
إذا أضفنا منطقة عبر الأطلسي – الممثلة في كتلة حلف شمال الأطلسي – إلى هذا الإطار من التعاون مع الدول العربية، ودول شمال أفريقيا، وإلى منتدى الرباعية، يمكننا أن نتأكد أن الولايات المتحدة تحاول بناء شبكة من التحالفات التي تبدأ في غرب المحيط الأطلسي، وتمر عبر آسيا وأفريقيا، إلى الشرق الأقصى؛ وهذا المحور يقطع العالم إلى عالمين (أوراسيا وأفريقيا)، ويتطرق إلى “ريملاند” – وهي منطقة ساحلية لطالما اجتذبت الاستراتيجيين الأميركيين.