مجلة البعث الأسبوعية

مؤتمر المهجرين فضح أكاذيب الغرب وتهويل الجوار المتآمر السوريون في الدول المضيفة محرك لعجلة النمو وليسوا عبئاً اقتصادياً أو بشرياً!!

“البعث الأسبوعية” ـ علي عبود

الرسالة الأكثر أهمية التي خرج بها المؤتمر الدولي حول عودة المهجرين هي تلك الموجهة للسوريين في الخارج: أبواب الوطن مفتوحة لعودتكم وسنؤمن لكم المسكن والغذاء والمدارس والاستشفاء.. هذا ما خبره السوريون الذين عادوا إلى وطنهم، وتحديدا من لبنان والأردن، خلافا لأكاذيب الغرب التي تآمرت دوله على الشعب السوري وسفكت دماءه ودمرت مؤسساته الخدمية والاقتصادية وشردت الملايين منه في أصقاع الأرض.

ولم نتفاجأ بعدم حضور الدول التي تآمرت – ولا تزال – على سورية، على الرغم من أنها ملزمة – حسب “الشرعية الدولية” – بالتعويض المالي عما ارتكبته من جرائم حرب ضد الشعب السوري، على مدى عشرة أعوام. ولم نتفاجأ بعدم حضور دول تستضيف النازحين السوريين لأنها رهينة سيدها الأمريكي على الرغم من أنها تعلن ليل نهار أنها حريصة على عودة السوريين إلى وطنهم. ولكن السؤال: هل حقا يشكل المهجرون عبئا بشريا على الدول المضيفة أم كانوا ولا يزالون محركا لاقتصاداتها؟

 

استثمار بالمهجرين السوريين في لبنان

ليس وجود السوريين في لبنان مستجدا، وقد ساهموا في حركة البناء والإعمار والزراعة، كما أن رجال المال منهم كانوا مؤسسين لمشاريع كبيرة مثل النسيج والمطاحن، بل إن مؤسسي أبرز المصارف اللبنانية، منذ ستينيات القرن الماضي، هم سوريون وفلسطينيون.

ويمكن الاستنتاج بأن السوريين في لبنان ثلاث شرائح: مستثمرون كبار، ومستثمرون في مشاريع صغيرة “عائلية”، وعمال مؤقتون في الزراعة والبناء والمصانع، وما تبقى نسبة صغيرة تعيش على المساعدات الأممية معظمها بدأ منذ أشهر يعود إلى سورية.

ومنذ عام 2011، رحب فريق لبناني موال للغرب حتى النخاع بالنازحين السوريين، مراهنا أن أيام “النظام” معدودة، وبعدها يسهل “تصفية” المقاومة اللبنانية بالتعاون مع “النظام” الجديد الذي وعد أركانه من تركيا وقطر والسعودية ومصر وفرنسا وأمريكا أن الدور القادم لـ “الربيع السوري” سيكون القضاء على حزب الله. ولم يكتف هذا الفريق بالدعم المادي والمعنوي، بل أرسل الإرهابيين للقتال في سورية، جنبا إلى جنب مع إرهابيي “القاعدة” و”النصرة” و”الأخوان المسلمين”.

ولن ننسى كيف حمى هذا الفريق مدينة عرسال الحدودية التي تمردت على الدولة، وتحولت إلى قاعدة آمنة للإرهابيين على مدى سنوات، قبل أن يحررها الجيش اللبناني بعدما أصبحت خطرة على لبنان. ولن ننسى كيف حمى هذا الفريق فضيحة باخرة “لطف الله 2” المحملة بالسلاح المستورد لصالح الإرهابيين، أيام الرئيس السابق ميشال سليمان الذي حرض مع “الحريرية السياسية” ضد المقاومة اللبنانية.

وبعدما تبيّن أن”النظام” لن يسقط، ولن يضعف، أو ينهار، بدأ هذا الفريق الأمريكي الاستثمار في المهجرين السوريين من خلال تضخيم أعدادهم، وبأنهم يشكلون ضغطا على اقتصاد لبنان وينافسون اللبنانيين في العمل ولقمة العيش.

ولم يكن الهدف من الاستثمار في المهجرين الضغط على “الغرب” للعمل على عودتهم إلى سورية، وإنما زيادة المساعدات المادية، سواء عبر الأمم المتحدة أو الحكومات الغربية، بذريعة مساعدة لبنان على تحمل “مشكلة” المهجرين بانتظار عودتهم الطوعية والآمنة إلى سورية.

ولا يعرف أحد حجم الفساد الذي مارسته قيادات الفريق اللبناني الأمريكي من خلال الاستثمار بالمهجرين السوريين، إذ لا تصل كل المساعدات إلى مخيمات اللجوء. وهذا الفريق لا يزال متناغما مع الغرب، فهو يقوم بترهيب السوريين من خلال “التأكيد” لهم بأنهم سيعتقلون ويسجنون ويعذبون فور وصولهم إلى الحدود. نعم، لبنان يواجه مأساة إنسانية منذ بدء الحرب على سورية، ولكن ليس بفعل الأعداد الكبيرة للنازحين، وإنما بفعل الأمريكان الذين حولوه إلى ضحية لم يترددوا بذبحها لتمرير مؤمراتهم على سورية. واللبنانيون يرددون، منذ عشر سنوات، أن تواجد نحو 1.5 مليون “نازح” ساهم بزيادة الأعباء الاقتصادية على بلادهم.. ترى هل هذا صحيح؟

 

تحريك المهجرين للاقتصاد اللبناني

حسنا.. لو أن السوريين يشكلون عبئا اقتصاديا، لماذا تمنع الحريرية “الأمريكية – السعودية” الحكومة اللبنانية من التنسيق مع سورية لعودة المهجرين إلى وطنهم؟

وعندما أعلن وزير الخارجية اللبنانية السابق جبران باسيل أنه سيزور سورية للتنسيق مع حكومتها حول عودة المهجرين، فجّر الأمريكان بعدها بأيام “ثورة ضد الفساد والطبقة السياسية” سرعان ما تبين أنها تستهدف المقاومة والرئيس عون. وحتى بعد انفجار الأزمة المالية والمصرفية في لبنان، والتي وصلت إلى ذروتها بانفجار مرفأ بيروت، لم تتصل الحكومة اللبنانية مع نظيرتها السورية للتنسيق حول العودة الآمنة والطوعية للمهجرين لتحرير لبنان من أعبائهم الاقتصادية.. فلماذا؟

الحكومة اللبنانية تنتظر “إرادة دولية” – أي أمريكية – لحل ملف المهجرين، وتعرف أن هذه الإرادة لن تأتي في الأمد المنظور، ولا البعيد!

وحسب تقرير لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن أكثر من80% من المهجرين السوريين في لبنان يستأجرون مساكنهم، وتدفع الأسرة، أو الفرد الواحد الأعزب، 200 دولار أميركي في الشهر كمعدل وسطي.. ترى، هل هذا عبء على الاقتصاد، أم إفادة لمالكي الشقق السكنية؟

نعم، هناك آلاف من العائلات السورية تعيش في بيوت بلاستيكية، أو في مخيمات لم توفر لها الحكومات اللبنانية المتعاقبة الحد الأدنى من الخدمات، إلا حسب المساعدات الأممية، وهي مساعدات لا توجد بيانات فيما إذا كانت تصرف كاملة لتحسين أوضاع المهجرين.

وقد أشارت المفوضية الأممية إلى أن “أكثر من نصف المهجرين السوريين يعيشون في مآوٍ دون المستوى، وبخاصة في الشتاء، مع الإشارة إلى أن المساعدات الشهرية للعائلات الأكثر ضعفا تنفق لشراء وقود التدفئة، وتوفير المواقد، والبطانيات، وحزم المواد العازلة من عناصر الطقس وغيرها من الاحتياجات الضرورية لحماية الناس من البرد والأمطار..”، وجميع هذه المواد تشترى من الأسواق اللبنانية وتقدر سنويا بأكثر من75 مليون دولار.

.. كل ذلك يعني أن المهجرين محرك للأسواق، وليسوا عالة على الاقتصاد اللبناني.

 

الأردن أيضا يستثمر!!

على غرار لبنان، راهن الأردن على سقوط “النظام” خلال أسابيع، وسارع إلى الانخراط بالتآمر على سورية، وسمح للإرهابيين بالسيطرة على حدوده مع سورية، ومنحهم حرية التنقل بأمان، وزاد على ذلك بتشجيع السوريين على النزوح إلى المخيمات التي نصبها قرب الحدود، كي يشكلوا ورقة ضغط دولية على سورية لتسريع سقوطها أمام التحالف الغربي.

وبعدما اكتشف أن سورية عصية على السقوط والانهيار، بدأ يستثمر في المهجرين السوريين لدفع الغرب لمنحه مساعدات بالمليارات، لأنه “غير قادر على تحمل العبء الاقتصادي للمهجرين”؛ فهل السوريون في الأردن عبء، أم محفز لدوران عجلة الاقتصاد، وساعدوا الأردن بمليارات الدولارات؟

يختلف النظام الأردني كثيرا عن لبنان، فهو “حرّيف” في الابتزاز المالي والاقتصادي، تساعده في ذلك علاقاته المتجذرة مع “إسرائيل”، وتآمره الدائم ضد سورية. وتجارب الأردن بالاستفادة اقتصاديا من الأزمات والحروب التي انفجرت في المنطقة كثيرة، إلى حد تحول فيها منذ عقود إلى رهينة أمريكية تعيش على المساعدات الغربية والخليجية. ولهذه الأسباب، رأينا النظام الأردني – بما قدمه من خدمات لوجستية للإرهابيين – يحصد المليارات بذريعة تأمين الخدمات للمهجرين السوريين.

يقول النظام الأردني أنه يعاني من وجود 1.4 مليون لاجئ سوري يتواجدون في خمسة مخيمات: ثلاثة منها رسمية وإثنان مؤقتان، فهل هذا الرقم صحيح؟ أم هو مضخم بهدف ابتزاز المنظمات الأممية ودول الغرب؟

المسجلون في الأمم المتحدة لا يتجاوز عددهم 652 ألف لاجئ، أي أقل من 50% من رقم النظام الأردني،

والفضيجة الكبرى للتضليل الإعلامي الرسمي الأردني أن المهجرين السوريين المسجلين لدى الأمم المتحدة لا يعيش منهم سوى 10% في المخيمات، والبقية – أي الـ 90% – يعيشون في البلدات والمدن الأردنية.. بمعنى أن السوريين ليسوا عبئا ولا عالة، وإنما مساهمون في الحياة الاقتصادية.

ولنفترض إن النظام الأردني يعاني فعلا من الضغط الاقتصادي بسبب المهجرين، فلم لم يتواصل مع الحكومة السورية لوضع خطة لعودة السوريين طوعا إلى وطنهم؟ وإذا كان لا يجرؤ على الاتصال المباشر مع سورية، فلماذا رفض حضور المؤتمر الدولي للمهجرين بدمشق؟

 

الاعتماد على الذات

لم يستمر السوريون في الأردن طويلا بالاعتماد على المساعدات الأممية، فقد انخرطوا سريعا في أعمال متفاوتة الحجم تؤمن لهم دخلا مستقرا وكافيا لحياة كريمة، أي اعتمدوا على الذات، وليس على الإعانات التي لم تستمر أصلا لوقت طويل.

وقد أشارت تقارير أممية عديدة إلى أن العائلات السورية في الأردن واجهت واقع اللجوء بالعمل لكي تعيش بكرامة، بدلا من الاعتماد على المساعدات الأممية، ومنظمات الإغاثة الدولية. وأكثر من ذلك، ساعد المهجرون المقتدرون في زيادة الاستهلاك بفعل نقل شركاتهم وأعمالهم التجارية إلى الأردن.

وكشفت وزارة العمل الأردنية أن عدد المهجرين السوريين الحاصلين على تصاريح عمل يبلغ 146 ألف تصريح تشمل العديد من القطاعات. ويعمل الكثير من السوريين في المهن الحرفية، مثل صناعة الأثاث والديكورات وقطاع المطاعم، وبعضهم يساهم في مشاريع استثمارية صغيرة لتسيير أموره المعيشية.

وقد تقاضى الأردن ثمنا اقتصاديا مقابل توفير فرص عمل للمهجرين، وهو تسهيل دخول منتجانه إلى الأسواق الأوروبية.

 

تركيا تهدد العالم بالمهجرين

لا يمكن الحديث عن مهجرين سوريين في تركيا بالمصطلح القانوني، لأن نظام أردوغان خطط للانخراط في مشروع الحرب الإرهابية على سورية بالتنسيق الكامل مع الأمريكان والصهاينة والسعودية وقطر، وأغرى السوريين الهاربين من الإرهاب بالقدوم إلى مخيمات جهزها مسبقا مقابل تقدمات مادية، وكان هدفه تحويل المهجرين إلى رهائن يهدد بهم العالم، إما من خلال إطلاقهم على شكل موجات بشرية مهاجرة إلى أوروبا، أو بتجنيد الشباب منهم كإرهابيين يرسلهم للقتال، ليس إلى سورية فقط، وإنما إلى كل منظقة يسعى لإعادة الوجود العثماني إليها مجددا.

وتزعم تركيا أنها استقبلت 3.6 ملايين لاجئ، كما تزعم إن بعض المهجرين يقيمون في “مراكز إقامة مؤقتة”، هي أشبه بمعسكرات “التجميع”. وقد كشفت دراسة ألمانية صدرت عن معهد “ديزيم”، العام الماضي، أن المهجرين السوريين في تركيا أقل بكثير عن المعلن عنه رسميا، ولكن النظام التركي يبالغ بأعدادهم بهدف زيادة المساعدات المقدمة لهم، بموجب الاتفاقية التي أبرمتها تركيا مع الاتحاد الأوروبي في آذار 2016. غير أن أردوعان لن ينفق ما يقبضه من مليارات على المهجرين، لأنه حرص من البداية على دفعهم للانخراط في العمل وتوزيعهم على المدن كي يستفيد منهم اقتصاديا. وفعلا، يعيش 97.6 % منهم في مدن عدة منها إسطنبول، العاصمة الاقتصادية، وأكبر تجمع للسوريين، حيث يصل عددهم إلى 547,716 سوريا. ويكشف تقرير أصدره حزب الشعب الجمهوري المعارض عن “العمالة المهاجرة” في تركيا أن نحو مليون سوري يعملون بطريقة غير شرعية.

ولا يقتصر الأمر على العمل في المصانع والحقول، بل ان الكثير من السوريين يعملون لحسابهم الخاص، أي بمشروعات عائلية، والبعض منهم ساهم بتأسيس شركات، وحسب إحصاء لوزارة التجارة التركية فإن عدد الشركات التي تضم شريكا سوريا واحدا، على الأقل، فيها يصل إلى أكثر من 15 ألف شركة. وأكثر من ذلك، كشف رئيس “لجنة الأسرة والعمل والشؤون الاجتماعية” في البرلمان التركي، فورال كافونجو، أن المهجرين السوريين يشكلون قوة عاملة تخدم الاقتصاد التركي على غرار ما حدث في أوروبا خلال الثورة الصناعية.

 

الخلاصة

قد ينهي المؤتمر الدولي للمهجرين الذي انعقد بدمشق عمليات الاستثمار السياسي والاقتصادي بالمهجرين السوريين، فهو وجه رسالة إلى الدول المضيفة التي تزعم أنها تعاني اقتصاديا وخدميا بسببهم بأن عليها التنسيق المباشر مع الحكومة السورية لتنظيم عودتهم طوعا إلى وطنهم.

والرسالة الأهم للدول المضيفة: “من ينتظر منكم إرادة دولية تعيد المهجرين السوريين إلى وطنهم، فإن هذه الإرادة لن تأتي، والحل كان ولا يزال في دمشق”.

والرسالة الأكثر أهمية: لا بد من الضغط، بمساعدة الأمم المتحدة، على الغرب الذي دمر سورية لكي يساهم بتأسيس صندوق إعادة الإعمار لتأمين البنى والمرافق الخدمية الأساسية والضرورية للعودة الآمنة والمستقرة للسوريين المتضررين من الحرب.

وتبقى المبادرات الفردية أنموذجا للسوريين المتشبثين بوطنهم، وأبرز هذه النماذج صناعيان سوريان هاجرا إلى مصر في السنوات الأولى للحرب على سورية، وطلبا مؤخرا الموافقة على نقل خطوط إنتاجهم إلى الشيخ نجار بحلب!!