الزراعة في دير الزور.. أسمدة غير كافية ومُدخلات إنتاج مرتفغة الثمن وفلاحون على المِحك!!
“البعث الأسبوعية” ــ وائل حميدي
لم يعد القطاع الزراعي في محافظة دير الزور بحالٍ أفضل عمّا كان عليه قبيل الحرب التي فُرِضت على سورية، حاله في ذلك حَال كافة القطاعات العاملة في البلاد؛ ومع ذلك، فإن القطاع الزراعي اجتهد في لملمة الجراح، والسعي سريعاً لتدوير العجلة الزراعية للوصول إلى الاكتفاء الذاتي، كحلٍّ ناجع جداً في مواجهة الحرب والعقوبات الاقتصادية التي ألقت بظلالها العاتمة على الإنتاج الزراعي وغيره؛ وإذا كان قائد الوطن، السيد الرئيس بشار الأسد، يُشدّد في كل مناسبة على أهمية دعم القطاع الزراعي، فإن هذه التوجيهات شكّلت بوصلة عمل في هذه المرحلة الحرجة جداً.
وما بين خروج مساحات زراعية كبيرة في دير الزور عن السيطرة والإشراف الحكوميين، وتعُّرض ٨٠% من أسطول الآليات الزراعية، المهمة في عمليات الإنتاج، للتخريب والسرقة والحرق الحاقد، وخروج غالبية الوحدات الإرشادية عن الخدمة، وتعرُّض كافة المحركات الزراعية للسرقة المقصودة، بَدا أن العمل المُلقى على مديرية زراعة دير الزور كبيرٌ جداً لإعادة تحريك عجلة العمل الزراعي.
“البعث الأسبوعية” التقت مدير الزراعة والإصلاح الزراعي في المحافظة، المهندس محمود الحيّو، الذي أفرد واقع العمل الزراعي بصورته الجديدة، في سياق الإجابة على الأسئلة العديدة التي وجهناها إليه.
مساع لزيادة محصول القمح
يقول الحيّو: بعد تحرير دير الزور من الإرهاب، تم تقسيم القطاع الزراعي إلى ثلاثة قطاعات رئيسية (الشرقي والغربي وشمال النهر)، وتم وضع خطة مع الفنيين في المديرية لاستهداف المناطق المذكورة، وإدخالها في عملية التنشيط الزراعي، كون غالبية البنى التحتية في تلك المناطق تعرّضت للتخريب والسرقة والتدمير، أو تخريب منظومات الري من قبل عصابات “داعش” الإرهابية. وقد كان لموضوع الري الأولوية الأولى من خلال إدخال المساحات التي أوقِفَ استثمارها بسبب تخريب مجموعات الري، وبدأ العمل حينها في الريف الشمالي، حيث تم إنجاز مشاريع زراعية في كافة الجمعيات الفلاحية الواقعة بداية القطاع، إضافة إلى تجمّعات للفلاحين في مشروعين آخرين، وحالياً يتم إنجاز مشروع في قريتي طابية جزيرة وخشام.
في الريف الغربي – والحديث للحيّو – قامت بعض الجمعيات النشيطة بشكل ذاتي بعمليات إعادة تأهيل محركاتها، وتأمين مستلزماتها، وحينها وصلنا لموقفٍ بأننا نحتاج لدعم بعض المواقع الأخرى في الريف الغربي – مثل الگصُبي ومعدان – وحالياً يتم دعم جمعيات البويطية والعنّابة وعيّاش بمجموعات الضخ عن طريق محركات الديزل، وعن طريق المحركات الكهربائية.
أما على مستوى القطاع الشرقي – والتي تعتمد غالبية مساحاته على الري الحكومي، حيث يتواجد في هذا القطاع مشروع ري القطاعين الثالث والخامس، إضافة للقطاع السابع الموجود في منطقة البوكمال – فتتوجّه جهود الحكومة ووزارة الزراعة، حالياً، لصيانة القطاع الثالث الذي سيكون قيد الاستثمار مع بداية العام الجديد، بالإضافة إلى جهود أُممية لصيانة القطاع الخامس عن طريق “منظمة الفاو”، ومنظمة الـ “UNDP”، ومديرية الزراعة تُشارك في المتابعة والأعمال الفنية والصيانة، وسيتم إدخال مساحة ١٤ ألف هكتار حال تم استثمار هذين القطاعين، وبالتالي زيادة المحصول، وأهمّه القمح، إضافة إلى عدة مشاريع استهدفت بعض القرى في القطاع الشرقي ضمن خطة استهداف هذا القطاع، مع الإشارة إلى وجود منحة من المنظمات الدولية فيما يخص البذار والأسمدة، والتي سيتم توزيعها خلال الشهر القادم وفق أسس ومعايير تم الاتفاق عليها مع المنظمة والوزارة.
انعكاسات إيجابية
ومع الحاجة الماسة التي أفرزها الواقع الزراعي بعد تحرير المحافظة، تدخلت بعض المنظمات لتقديم ما يمكن تقديمه من الدعم على مستوى الري، أو المستوى الأسري، فكان لتدخلها في التوقيت السليم أثر إيجابي انعكس على أرض الواقع؛ والحقيقة أن المنظمات المانحة قدّمت الكثير بالتنسيق مع وزارة الزراعة وبإشراف مباشر من مديريتها في المحافظة، فأحدثت هذه التدخلات تغييراً في مساحات الري التي دخلت، أو التي ستدخل، في الاستثمار الزراعي من خلال تأمين مشاريع الري في بعض الجمعيات والقرى، حيث تم استهداف تلك القرى بشكل مباشر، إما بحزمة متكاملة من وسائل الإنتاج كالبذار والأسمدة، إضافة لشبكات الري بالتنقيط، ومنحة دجاج بيّاض مع أعلافها، إضافة لمُنح أخرى خاصة بالثروة الحيوانية وصلت، لغاية اليوم، إلى ٣٠٠ رأس غنم تم توزيعها على النساء المُعيلات لأطفال قُصّر، وستشهد المرحلة القادمة عملية توزيع ٣ رؤوس غنم على المعاقين وأصحاب الحالات الخاصة ضمن معايير تم وضعها من قبل المنظمة المانحة. والمُنح التي تم تقديمها عديدة، منها ٢٤٠٠ طن بذار، إضافة لـ ١٦٠٠ طن سماد، و٣٠٠ شبكة ري بالتنقيط، إضافة لِعِدَد وأدوات مختلفة تم توزيعها على الفلاحين، كما قامت إحدى المتظمات بتعزيل خطوط السقاية النهرية بمعدل ٢١٠ ساعات عمل لصالح ٣٠ جمعية فلاحية.
الوجع الأكبر
عن واقع وفرة الأسمدة، يقول مدير زراعة دير الزور أن حاجة المحافظة من الأسمدة كبيرة جداً، نظراً لحاجة المحاصيل المروية للتسميد، والحقيقة أن وفرة السماد محدودة في مستودعات المصرف الزراعي، وقد تم التنسيق مع وزارة الزراعة من أجل استجرار كامل إنتاج المعمل باتجاه الأراضي الزراعية في المحافظة، إلا أن العقبات التي مرَّ فيها المعمل – من تعرّضه للعطل وتعثر إمكانية تشغيله بشكل مستمر – فاقم من مسألة الحاجة للسماد، وبالتالي نقص الكمية الموزعة على الفلاحين من قبل المصرف بشكل جزئي على الفلاحين المُرخِّصين؛ وهناك توجه من وزارة الزراعة لتأمين الأسمدة، إما بعقود خارجية، أو بخطة معينة من قبل الوزارة يتم العمل عليها حالياً، مع التوجه نحو إمكانية تأمين مورد سمادي من القطاع الخاص هذا العام، نظراً لأهمية الأسمدة، وخاصة في دير الزور التي تحتاج تربتها إلى التسميد بشكل دائم، علماً أن هناك تكلفة مضافة للسماد أثناء عملية الزراعة. والحقيقة أن انخفاض كمية السماد له أثر مباشر على مردودية الإنتاج، حيث تكاد تتقارب الأرقام بين الكلفة والإيراد لولا خبرة فلّاحينا، وتمسكهم بأرضهم، وإصرارهم على تأمين السماد تحت كل الظروف، بما في ذلك الأسمدة العضوية ذات الفعالية الضعيفة قياساً بفاعلية السماد الحكومي.
خطة إرواء جديدة
يقول الحيّو أن عدد المحركات الزراعية التي تم وضعها في الخدمة، حتى تاريخه، ثلاث وسبعون مجموعة ضخ في مختلف أرياف المحافظة. وبالأرقام، فإن كل محرك يروي ما يقارب ١٢٠٠ دونم، لتكون المساحة الجديدة المستثمرة حوالي ٨٠٠٠ هكتار، تم استثمارها زراعياً بشكل فعلي، إضافة لوجود خطة مع الصليب الأحمر، وبرنامج الغذاء العالمي، برعاية GOPA، من أجل صيانة ثلاثة عشر موقعاً آخر ليتم إدخال ٣٩ مضخة ستروي أربعة آلاف هكتار كمساحة تدخل في الاستثمار هذا الموسم، وفق الاتفاق المبرم مع تلك المنظمات.
لا تزال رائدة
يوصف موسم القطن في دير الزور بالجيد جداً، هذا العام، بسبب عدم تعرّضه لأي إصابات حشرية إلا بنسبة قليلة جداً؛ وهذا يعود لإطلاق الأعداء الحيوية في غالبية الحقول التي عانت من ظهور إصابات كانت دون العتبة الاقتصادية، ولم تحتاج إلى التدخل الكيماوي لمكافحتها، وهذا يعود أيضاً إلى التزام الفلاحين بتعليمات المكافحة الحيوية، والمتابعة المستمرة من قبل الوحدات الإرشادية التي أكّدت على عدم استخدام المبيدات التي تُسيء إلى نوعية المحصول وجودته. وقد تمّت المباشرة بعمليات تسويق الأقطان نهاية الشهر الفائت، وبلغت الكمّيات المسوقة، لغاية تاريخه، أكثر من سبعة آلاف طن ضمن المساحة المخططة في المحافظة، والبالغة ١٤٣٠٠ هكتار، نُفّذ منها ١٢٢٠٠ هكتار، منها ٤٠٠٠ هكتار فقط في المناطق الآمنة، وما تبقى خارج السيطرة، وتم تسويقه من قِبل الانفصاليين، عملاء الولايات المتحدة الأمريكية، إلى محالج غير تابعة للحكومة السورية. ولغاية اليوم، تم تسويق إنتاج المناطق الآمنة فقط إلى محالج المنطقة الوسطى، نظراً لتحرٌّص “الانفصاليين” على إنتاج محصول القطن في المناطق الخارجة عن السيطرة، والقيام بحلجه وتسويقه إلى خارج حدود الجمهورية العربية السورية. ومع ذلك، فإن الكمية المسوّقة لغاية تاريخه فاقت السبعة آلاف طن من أصل الكمية المتوقع تسويقها، والتي ستصل إلى عشرة آلاف طن. وبالأرقام، فإن محافظة دير الزور هي المحافظة الأولى في التسويق وفق الأرقام الصادرة عن المحالج التي تستقبل أقطان المزارعين القادمة من محافظات الرقة ودير الزور وحلب وحماة.
الزراعات الأسرية
وفيما يخص الزراعات الأسرية، فإن المديرية ساهمت في الملتقى الفرعي الذي تم عقده مؤخراً في جامعة الفرات. والحقيقة أن الزراعات الأسرية هي عملية حاضرة مسبقاً، وتم تنفيذها من قبل المديرية، التي سبق وتواصلت مع المنظمات الدولية لتوزيع العِدَد والأدوات والبذار، ومؤخراً – وبالتنسيق مع منظمة الفاو – لإنتاج زراعات المشاتل المنخفضة، حيث تم تنفيذ ١٢٠ مشتلة موزعة على كافة ريف المحافظة، وكل مشتلة بعهدة فلاح، ويتم تأمين احتياجاتها من قبل منظمة الفاو، مثل شبكة الري والأسمدة والبذار والمعدات وغيرها. وتتم متابعة هذه الخطوة من قبل عناصر فنية في المديرية لإيصال المشتلة إلى مرحلة النمو الطبيعي بدون استخدام الأسمدة الكيماوية؛ وكل مزارع مسؤول عن توزيع الشتول لسبعة مزارعين آخرين، ما يعني ارتفاعا سريعاً بأعداد المستفيدين، إضافة لوجود مشاتل موزعة في كامل الريف الآمن، والتي تعتبر “مدارس” لتعميم هذه التجربة بأسلوب علمي؛ وخير دليل على نجاح تطبيق تجربة المشاتل المنخفضة هو نقل تلك الشتول من الحقل الفلّيني إلى التربة، وهذا يأتي في إطار إحداث مشاتل فلّينية جديدة لإيصال الفلاحين إلى الاكتفاء الذاتي وإمكانية التسويق لاحقاً.
ما تزال وعوداً فقط!!
وفق ما تحدث به مدير زراعة دير الزور، فإن عوائق العمل الزراعي اليوم تتجسّد بارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج، وعدم توفر الأسمدة بالشكل الكافي؛ وهذه المشكلة تم نقاشها مع بعض المنظمات الدولية للعمل على تأمين الأسمدة الآزوتية لصالح زراعات المحافظة، وبشكل استثنائي. ولغاية اليوم، لا توجد أي استجابة باستثناء منظمتين وعدتانا بالعمل على تأمين الأسمدة الفوسفاتية؛ ومع ذلك، تبقى مسألة تأمين سماد اليوريا والسماد الآزوتي غير محققة لغاية اليوم بالشكل الأمثل، على أمل أن يتم تأمين السماد في الفترة القادمة.
فٌقدان ٨٠% من الآليات
أشار الحيّو في حديثه إلى تعرُّض أسطول آليات المديرية للسرقة والتخريب وأعمال الحرق الممنهج، وخروج ٨٠% من هذا الأسطول عن الخدمة قياساً على ما كان عليه قبل الحرب التي يتعرض لها وطننا. ويتم حالياً التواصل مع وزارة الزراعة لرفد المديرية بما أمكن من آليات، سواء بتخصيص المديرية ببعض الآليات، أو عن طريق الاستعارة من جهات حكومية أخرى، للنهوض بأعمال الإنتاج الزراعي في المديرية. ومؤخراً، تم تأمين خمسة صهاريج، إضافة لخمس سيارات حقلية، كخطوة أولى في سياق خطة الوزارة لتأمين ما أمكن من الآليات المطلوبة ضمن جدول زمني – تم تحديده من قبلها – لتجاوز النقص الواضح بالآليات اللازمة للمديرية. وفي ذات السياق، أشار الحيّو إلى أن عدد الوحدات الإرشادية التي عادت للعمل في كامل ريف المحافظة هو أربع وأربعون وحدة فقط، من أصل عدد الوحدات التابعة للمديرية، والبالغ عددها سبع وتسعون وحدة، حيث تمت إعادة تأهيل ثلاث عشر وحدة وإدخالها بالخدمة، والعمل على إحداث وحدات بديلة لتلك التي تعرّضت للدمار، ومن الحلول التي اتبعتها المديرية اللجوء إلى المنازل في الأرياف كمقر بديل للوحدات الخارجة عن الخدمة، مع الإشارة لحاجة كافة تلك الوحدات إلى المعدّات اللازمة، والتي تأمل المديرية تأمينها خلال العام القادم.