ريف دمشق.. حان الوقت لتوسيع عدسة المجهر!!
“البعث الأسبوعية” ــ علي حسون
لم يعد بعد اليوم مقبولاً وجود ترهل وتقاعس من المجالس التنفيذية والمحلية، ولاسيما في ظل الحياة المعيشية الصعبة، فالمواطن يأمل أن يرتقي الواقع الخدمي إلى مستوى الطموحات، بحيث يجسد على أرض الواقع تصريحات المعنيين وجولاتهم الميدانية التي تخرج بوعود وتأكيدات على تأمين الاحتياجات الأساسية للمواطن، إلا أنه، ومع انتهاء الزيارات والتقاط الصور “الفيس بوكية”، تذهب تلك الوعود والتصريحات أدراج الرياح، ومن بعدها تطالعنا الصفحات والمواقع بأخبار المسؤولين وبأفعالهم الماضية (زار – جال – تفقد – اطلع)، لتبقى الأفعال ماضية، في وقت يتوجب على المعنيين شحذ الهمم والانتقال من الوعود والتصريحات إلى معاينة الواقع، واتخاذ قرارات وتوجيهات لرؤساء الوحدات الإدارية بالعمل الجاد وتحسين الواقع الخدمي وتسخير كافة الإمكانيات.
ما وراء الأكمة
ومن يتابع واقع بعض الوحدات الإدارية في ريف دمشق، يشاهد ترهلاً وتقصيراً، ما يخالف التصريحات، ويفقد تلك الوعود – الخلبية أساساً – مصداقيتها؛ وما يزيد الطين بلة صمت المكاتب التنفيذية في المحافظة عما يحصل من خلل واضح في تلك الوحدات، وخاصة ما جرى مؤخراً في ضاحية قدسيا، أثناء جولة وزير الإدارة المحلية ومحافظ الريف، وإحالة المكتب التنفيذي للوحدة الإدارية إلى الرقابة، نتيجة وجود مخالفات بناء وتجاوزات من المكتب الفني، ليسأل متابعون للشأن الخدمي: هل أُشيدت تلك المخالفة بين ليلة وضحاها؟ وأين كان عضو المكتب التنفيذي المعني خلال فترة إشادة المخالفات، أم أن وراء الأكمة ما وراءها..؟! ويفترض المتابعون عدم تزامن الجولة مع توقيت الكشف عن المخالفات، فهل استمر المجلس المحلي للمنطقة المذكورة بالتوسع وزيادة المخالفات من دون حسيب ولا رقيب؟!
مستنقع التقصير
ومع القرار الحازم لمحافظ الريف، المهندس علاء إبراهيم، بإحالة المكتب التنفيذي لضاحية قدسيا إلى الرقابة، ومن ثم محاسبة الفاسدين، يأمل المواطنون الاستمرار والتوسع الأفقي بالرؤية، وتكبير عدسة المجهر لتشمل الوحدات الإدارية الأخرى الغارقة في مستنقع التقصير، مثلما تغرق الطرقات بمياه الأمطار رغم تسابق رؤساء المجالس للتباهي باستعراضاتهم الإعلامية بتعبيد الطرقات وتنظيف المطريات لتأتي الأمطار وتفضح حقيقة تلك البلديات.
وبالعودة إلى تصريحات رأس الهرم التنفيذي في المحافظة، والوعيد والتهديد بسجن كل رئيس بلدية يسمح بإشادة مخالفات، وخاصة أن رؤساء البلديات تحت مجهر المحافظة – حسب كلام المحافظ – يعتبر أعضاء من مجلس المحافظة أن رئيس البلدية يعمل وفق الإدارة المتفردة بالقرارات، وعدم السماح لأعضاء مجلس المحافظة بالتدخل ومراقبة الأعمال ومتابعة قضايا المواطنين، مشيرين لـ “البعث الأسبوعي” إلى ضرورة السماح للوحدات الإدارية ببيع جزء من أراضيها لدعم منشآتها وإيجاد بيئة مناسبة للاستثمار، ما يحقق الفائدة المالية ويدعم الخزينة ويرصد المبالغ لتنفيذ المشاريع الخدمية دون انتظار الموافقات والإعانات، مما يخفف من الأعباء على المحافظة والوزارات المعنية.
شفافية ولكن!!
ومع شفافية حديث المحافظ في أكثر من لقاء مع أعضاء المجلس ورؤساء الوحدات الإدارية، وتأكيداته على اتخاذ سلسلة إجراءات فاعلة ومبشرة، مع قرارات صارمة وحازمة بحق المرتكبين، والتقييم الدوري لرؤساء البلديات من قبل أعضاء المكتب التنفيذي في المحافظة، لم يلحظ المواطن شيئاً على أرض الواقع يؤكد تنفيذ التوجيهات ومطابقة الأقوال بالأفعال.
ورغم تأكيدات المحافظ على أولوية قضايا المواطنين في تأمين الخدمات والمستلزمات والمواد الأساسية والغذائية، يستغرب المتابعون إصرار رؤساء وحدات إدارية على الضرب عرض الحائط بكل تلك التوجيهات والتصريحات، حيث ما زالت تلك البلديات مستمرة بالتعنت وعدم تأمين أدنى الخدمات للمواطنين وعدم تنفيذ المشاريع الخدمية إلا بما يتوافق مع المصالح الشخصية للقيّمين عليها ومكاسبهم من تلك المشاريع.
فك الشيفرة
والمستهجن أكثر أن رؤساء وحدات يراجعون الرقابة أو الجهات المعنية نتيجة شكاوى وتقارير عن استغلال مناصبهم للكسب غير المشروع على حساب مصلحة المواطنين والعمل الخدمي، إلا أنهم يعودون إلى كراسيهم وكأن شيئاً لم يكن، إذ يخرجون كالشعرة من العجين – كما يقال – ليأتي أكثر من سؤال مشروع: على ماذا يتكئ هؤلاء؟ ومن يقف وراءهم ويساندهم في مخالفاتهم وما هو المقابل؟!
أسئلة بحاجة إلى أجوبة لفك تلك الشيفرة، ووضع النقاط على الحروف، في ظل ضرورة النهوض بالواقع الخدمي وتنفيذ المشاريع الحيوية، وخاصة أن المكتب التنفيذي في المحافظة يصادق بشكل دائم خلال جلساته الأسبوعية على عدد من المشاريع الخدمية والقرارات والكتب الخاصة بالمواطنين، ومنها مشاريع إعادة تأهيل طرق ومدارس وبناء وصيانة وتعبيد؛ ولكن المشكلة أن رؤساء الوحدات الإدارية يجدون ألف مخرج وطريقة لحرف البوصلة، وتنفيذ ما يصب في مصلحتهم، وبما يعود عليهم بالمنفعة الشخصية، مستندين على قوانين وقرارات مفصلة على قياسهم، وعلى قياس المشاريع التي يرغبون بتنفيذها، وتحقق لهم مكاسب خاصة، ولاسيما مع غياب المتابعة، فمن يدقق على هذه المشاريع والصرفيات؟ وهل متابعة أعضاء المكتب التنفيذي تكفي، وخاصة ما يقال عن ارتباط كل رئيس بلدية بعضو تنفيذي بالمحافظة؟! أو من يحميه في المكاتب المغلقة؟!
سؤال بلا جواب
يؤكد أعضاء في مجلس المحافظة أن بعض رؤساء البلديات يصرون على إثارة الفوضى والاستغلال، وذلك من خلال ربط كل الخيوط في أصابعهم مستندين على القانون الذي خولهم الإشراف على كل الأعمال، مما يجعل المواطن يفقد الثقة بجميع أعضاء المجالس البلدية والمحافظة والتنفيذية، ليؤكد هنا محام مختص بالشأن المالي أن موازنات البلديات هي جزء من الموازنة المستقلة للمحافظة، ومواردها واردة في القانون رقم 35 لعام 2007، والرقابة تأتي من المحافظة، إضافة إلى الرقابة الشعبية، مع وجود محاسب بلدية مفرز في بعض الأحيان من المالية، مطالباً بتفعيل الرقابة على البلديات من جهات مالية بعيدة عن المحافظة من أجل الوصول إلى نتائج ايجابية والحد من التلاعب من البعض.
ولم يخف مراقبون ما وصل إليه رؤساء وحدات إدارية من تجميع ثروة مالية بعد أن كانوا موظفين عاديين، ليقفزوا قفزة نوعية ويصبحوا من أصحاب الثروات والعقارات والأملاك، فمن أين لهم هذا؟ سؤال يتردد على لسان المواطنين يومياً، لكن آذان المسؤولين صماء أغلقها الكرم الحاتمي لرؤساء الوحدات.
المواطن والوعود
وفي نهاية القول، نقرأ ونسمع دوماً تعاميم وقرارات، لكنها تبقى حبراً على ورق، وتذهب أدراج المكاتب والمصنفات والِأرشفة، فالمواطن ملّ الوعود وسئم التسويف، والواقع بحاجة إلى قرارات حازمة وجازمة ورادعة كالتي صدرت بإعفاء وتحويل المجلس التنفيذي لضاحية قدسيا إلى الرقابة، ليكون قراراً يشق مكاناً لشعاع أمل يضيء على المساحات الأفقية في المحافظة، وخاصة المجالس البلدية التي تتلطى خلف التسويق الإعلامي وصفحات التواصل المأجورة، فهل ترى توسيع وتكبير عدسة مجهر المحافظة قريباً؟!
تعاميم ورقية!
وعلى سيرة التعاميم الورقية فقط، هناك كتاب سابق عممته المحافظة، صادر بحاشية وزارة الإدارة المحلية والبيئة، يطلب من المجالس المحلية اتخاذ الإجراءات اللازمة لوضع المعنيين في مجال عملهم، والجهات التابعة لهم أمام مسؤولياتهم، لتقديم أفضل الخدمات للمواطنين بالسرعة القصوى، إضافة إلى الاستمرار بتقييم المفاصل الإدارية لديهم ومراعاة الشفافية عند اختيارها واستبعاد كافة الكوادر الضعيفة وغير الكفوءة والإعلام بذلك.
كما شدد التعميم على ضرورة مراقبة أداء كافة العاملين في مجال العمل والجهات التابعة لهم، ولاسيما التي لها تماس مباشرة مع المواطنين وتقييم مدى تقديمهم للخدمات المطلوبة منهم والتزامهم بالقوانين والأنظمة النافذة وبواجباتهم الوظيفية وتحملهم لمسؤولياتهم واتخاذ ما يلزم لفرض العقوبات الرادعة بحق المخالفين وإعلام المحافظة بها، مع التأكيد على بناء روح الاهتمام بخدمة المواطن على كافة مستويات الهرم الإداري والوظيفي، وعلى التواجد الميداني بين المواطنين ومخاطبتهم بشكل موضوعي وواقعي واطلاعهم على ظروف وآليات العمل والإمكانات المتوفرة و”موافاتنا بالمقترحات اللازمة لتطوير العمل بما يحقق المصلحة العامة”.