ثقافةصحيفة البعث

الأيام الثقافية السورية تحتفي بالفلكي “ابن الشاطر”

ضمن فعاليات الأيام الثقافية السورية، احتفت الجمعية الفلكية السورية ومكتبة الأسد الوطنية بالعالم الفلكي الدمشقي ابن الشاطر في ندوة تكريمية حملت عنوان “ابن الشاطر.. أهم مخطوطاته وإسهاماته العلمية”، ركزت على إنجازات هذا العالم الكبير ودوره الرائد في الولوج إلى علم الفلك الحديث وتقنياته الجديدة.

البحث العلمي
الدكتور محمد العصيري رئيس الجمعية الفلكية السورية أكد في مداخلته “مخطوطات ابن الشاطر وأثرها في علم الفلك” أن منهج ابن الشاطر في البحث العلمي اعتمد على الرصد المستمر لحركة الأجرام السماوية وتغيّراتها في المراصد الأساسية الكبيرة كمرصدي قاسيون والمراغة وفي بغداد، والاعتماد على الملاحظة المسجّلة يوماً بيوم، وابتكار الآلات المناسبة للقياس وللحسابات الضرورية وصحيح ما كان مستخدماً من أدوات قديمة، والقراءة النقدية لما قدّمه العلماء الذين سبقوه وكتبوا جداول حسابية أو ما يُعرف بالأزياج، والجرأة العلمية وعدم التخوّف من التصدي للنظريات الكبيرة المسلّم بصحتها كنقده لنظرية بطليموس. كما تطرّق العصيري إلى ابتكارات ابن الشاطر العلمية، وهي هيئة أفلاك الكواكب بالشكل السالم من الشكوك الموافق للأرصاد الصحيحة، وعرض هذه الكواكب بالاعتماد على الرصد والحساب، وتطابق هيئة الأفلاك على الوجه الذي ذكره وعروضه مع حركات الأفلاك، كما أن ابن الشاطر هو أول من قال إنه إذا كانت الأجرام السماوية تسير من الشرق إلى الغرب فالشمس أحد هذه الكواكب، والأرض والكواكب تدور حول الشمس والقمر يدور حول الأرض، وأيضاً درس أفلاك القمر وحالتي خسوف القمر وكسوف الشمس.

حياته وإنجازاته
من جانبه أوضح المهندس محمد خالد العاني عضو مجلس إدارة الجمعية الفلكية في مداخلته “حياة ابن الشاطر.. إنجازاته، مؤلفاته” أن ابن الشاطر هو أبو الحسن علاء الدين علي بن إبراهيم الأنصاري الدمشقي ولد سنة 1304 ميلادي في دمشق، مات أبوه وعمره لم يتجاوز الست سنين، فكفله جده وسلّمه لابن عم أبيه الذي أخذ عنه علم الحساب والهيئة والهندسة، كانت فضائله مشهورة وعُرف عنه عدم فخره بعلومه مع أنه لُقب بالعلامة وعمل رئيساً للمؤقتين في المسجد الأموي بدمشق، وقد اشتغل في الفلك بعد أن أتقن علم الحساب وتعلّم صنع الآلات الفلكية وابتكر الكثير منها، فاطلع على ما كتبه بطليموس في علم الهيئة، وقام بدراسة ومناقشة مؤلفات من سبقه من علماء العرب واستفاد من الشكوك والانتقادات التي أوردوها على هيئة بطليموس، ووضع نموذجاً لحركات الكواكب متوافقاً مع ما أدركه بالرصد وأورده مع البراهين في كتابه “تعليق الأرصاد”، وجرد الأصول ولخصها في كتابه “نهاية السول في تصحيح الأصول” ثم حرّر ذلك وجمعه في كتابه المسمّى “نهاية الغايات في الأعمال الفلكيات”، وكان أحد علماء مدرسة مراغة التي تعدّ ثورة حقيقية في البحوث الفلكية، وقد أخذ كوبرنيكوس الكثير من النظريات منه ونسبها إلى نفسه. ثم بيّن العاني أن نشاطات ابن الشاطر العلمية والتقنية تجلّت في تطوير الآلات ويمكن تقسيم الآلات التي ابتكرها إلى قسم يُستعمل في الرصد وآخر يُستعمل في الحساب وتحديد مواقيت الصلاة، وقد امتازت جميعها بسهولة التصميم وتلافي التعقيدات التي وجدت فيما سبقها.

توصيات ونتائج
من جهته تحدث الدكتور أحمد مختار طنطاوي عن الشيخ بسيط محمد الطنطاوي الذي تابع مسيرة ابن الشاطر، وقد ولد في طنطا والتحق بجامع الأزهر وأخذ عن علمائه الحديث والتفسير والفقه والحساب والميقات، ووصل إلى درجة عالية من العلوم وذاع صيته، ومن آثاره المشهورة هي صنع البسيط في الجامع الأموي بدمشق بعد أن طرأ خلل على بسيط ابن الشاطر المثبت على مئذنة العروس، فأصلحه الشيخ الطنطاوي وعندما أعيد إلى مكانه انكسر، عندها قام الطنطاوي بصنع بسيط استغرق منه عامين كاملين وكان يمتاز عن بسيط ابن الشاطر ويزيد عليه، كما رسم الطنطاوي بسيطاً ثانياً جعل حسابه على الأفق المرئي ووضعه في جامع الدقاق في الميدان، وتفرد الطنطاوي في علم الهيئة السماوية والفلك بعد ابن الشاطر وله رسائل مهمة، منها حساب البسيط ورسمه وحساب الربع ورسمه وكشف القناع عن معرفة الوقت والارتفاع، وقد أثبت أن علم الفلك لم ينقطع بعد ابن الشاطر كما زعموا في الغرب واستمر بالطنطاوي وكان لهذا أثر كبير في تاريخ الفلك، متمنياً في نهاية حديثه أن يصبح هناك مرصد سوري مؤهل على مستوى القطر.

وخرجت الندوة بمجموعة من النتائج والتوصيات، وهي ضرورة وضع اسم ابن الشاطر إلى جانب كوبرنيكوس فيما يُنسب إليه في نظرية النظام الشمسي مع العلم أنه يستحقها كلها، وأن تتبنى وزارة الثقافة إطلاق جائزة لمن يقوم بتحقيق المخطوطات ودراستها وحماية التراث العلمي، وإطلاق اسم ابن الشاطر على الجائزة.

لوردا فوزي