دراساتصحيفة البعث

جرائم الحرب الأسترالية في أفغانستان

ترجمة وإعداد: علاء العطار

صدر التقرير الذي طال انتظاره حول جرائم الحرب التي ارتكبتها قوات الدفاع الأسترالية في أفغانستان، وأوصى التقرير بالتحقيق مع 19 جندياً حاليين وسابقين في ما يصل إلى 39 جريمة قتل.

لم تكن هذه الجرائم ناتجة عن معركة، ولم تكن قتلاً عرضياً، ولم يُقتل غير المقاتلين بقرارات جدلية اتُخذت في خضم المعركة، ولم يُقتل أولئك المدنيون نتيجة تهور أو إهمال من جانب القوات الأسترالية، بل كانت جرائم قتل عن سابق إصرار، قُتل فيها مدنيون فقط لأنهم يقطنون في منطقة رأى فيها تحالف القوة الأمريكية قيمة جيواستراتيجية في الإبقاء على احتلاله العسكري لمدة 19 عاماً.

استغرق ظهور المعلومات حول الفظائع التي ارتكبتها القوات الأسترالية في أفغانستان سنوات عديدة، ذلك أن التحالف حارب فاضحي الجرائم بضراوة، وحاول بشتى الطرق منع كشف هذه المعلومات، وألا يتطرق بالتأكيد إلا لجزء ضئيل من جرائم الحرب التي ارتُكبت وتستّر على ما تبقى. وخلص التحقيق إلى أن “السلوك الإجرامي لعدد من الأشخاص نفّذ وارتكب واستمر وأُخفي على علم من قادة الدوريات”!.

استناداً لصحيفة “سدني مورنينغ هيرالد”، عزا قائد قوات الدفاع الأسترالية أنجوس كامبل الأمر إلى “ثقافة المحارب المتمركزة حول الذات” لدى القوات الجوية الأسترالية الخاصة، التي تبنّاها وضخّمها بعض صف الضباط غير المفوضين من ذوي الخبرة والنفوذ وأتباعهم، الذين سعوا إلى دمج التميّز العسكري مع الأنا والنخبوية والاستحقاق، ما أدى إلى أعمال وحشية مروعة. وقال كامبل: “في هذا السياق، قيل إن بعض الدوريات تجاوزت القانون، فانتهكت القواعد ولفّقت القصص وكذبت وقتلت الأسرى”.

وحسب تقارير سدني مورنينغ هيرالد “وجد تقرير بريتون أيضاً دليلاً على أن قادة الدوريات طلبوا من الجنود المبتدئين إطلاق النار على سجين ليعتادوا على القتل”.

وذكرت الصحيفة أن القوات “حملت معها أسلحة ومعدات أجنبية كالمسدسات وأجهزة الراديو المحمولة الصغيرة والقنابل اليدوية” لتوضع مع جثث الضحايا الذين قتلتهم بغرض التقاط الصور، و”استخدمت هذه العملية في النهاية لغرض إخفاء عمليات القتل غير المشروع المتعمدة”.

وكتب الصحافي كريستوفر ناوس في صحيفة الغارديان الآتي: “إحدى أشنع الحوادث التي جرى التطرق إليها في الوثائق التي صدرت تأتي من عمل سابق لعالمة الاجتماع العسكرية سامانثا كرومبفوتس، التي كانت تتولّى فحص فكر وثقافة القوات الخاصة وبدأت تسمع مزاعم مقلقة بارتكاب جرائم حرب. إذ قال لها أحد الجنود: “تسيطر على الرجال شهوة سفك الدماء، إنهم سيكوباتيون بالكامل، ونحن من رباهم”.

وقال أحد الادعاءات التي سمعتها كرومبفوتس إن صبيين يبلغان من العمر 14 عاماً أوقفتهما القوات الأسترالية، وقرّرت أنهما قد يكونان من المتعاطفين مع “طالبان”، فنحرت حنجرتيهما.

وأفادت كرومبفوتس أنه “كان على باقي القوات بعد ذلك” تنظيف هذه الفوضى من خلال إيجاد آخرين يساعدونهم في التخلّص من الجثث، وفي النهاية جمعت الجثث في أكياس وألقيت في نهر قريب.

هذه فظائع لا تُغتفر ولا يمكن التراجع عنها، لا شيء يمكن أن يصحّحها، وأي امرئ راشد ينظر إلى الموقف بعيون صافية يعرف أنه لا يمكن فعل أي شيء لمنع استمرار حدوث ذلك في المستقبل.

إن درّبت المراهقين على القتل، وتعمّدت تشويه عقولهم بغية تطبيع هذا الفعل غير الطبيعي المتمثل بقتل إخوانهم من البشر، ثم تركتهم ليعيثوا فساداً في أرض غريبة مليئة بأناس غرباء ومنحتهم سلطة ليقرروا متى يعيش ويموت أولئك الغرباء الأبرياء، ستحدث هذه الأمور الشنيعة، ولا يمكن ألا تحدث، فقد حدثت مرات عديدة بطرق لن نحصيها أبداً، ليس على يد القوات الأسترالية فحسب، بل على يد التحالف المحتل بأكمله. يضاف إلى ذلك كومة الجثث الهائلة التي كدّسها تحالف القوة الأمريكية مسبقاً في أفغانستان من خلال حملات القصف التي أمرت بها إدارة ترامب، وما يقرب من إدارتين رئاسيتين سابقتين استمرت ثماني سنوات.

ما التحالف العسكري في أفغانستان إلا احتلال عسكري نعلم حقيقة أنه خدع العالم منذ البداية وخدع الشعوب الغربية خصوصاً للسماح باستمراره على طول الطريق، لكن بعدما فضحت جرائمه لم يعد هناك عذر لاستمراره.

لا توجد شرعية في ثرثرة التحالف حول “فراغ السلطة”، وما هو النظام السياسي الذي ستتمتّع به أفغانستان بعد اضطهاد تلك الأمة بهذه الطريقة الوحشية، إذ إن هذه الذريعة تبدو في هذه المرحلة كقول المغتصب إنه لا يستطيع التوقف عن اغتصاب امرأة لأن مغتصباً آخر قد يأتي ويغتصبها إذا توقف. وليس لدى هذه القوة الأكثر انحرافاً وفتكاً في البلاد، التي قتلت مدنيين أكثر بكثير من تنظيمي “طالبان وداعش”، أي اهتمام بما قد يحدث للبلاد بعد مغادرتها.

من مصلحة أفغانستان أن تخرج هذه القوات الآن، ليس القوات الأسترالية فحسب، بل تحالف الاحتلال القاتل بأكمله، وتقول لهم: “هذا ليس بلدكم وأنتم تزيدون الطين بلّة بوجودكم. لا تشغلوا بالكم بما قد يحدث عند مغادرتكم، فما سيحدث هو أنكم لن تستطيعوا قتل البشر ما إن خرجتم، وليس هنالك “شروط” يجب الوفاء بها أولاً، أنتم الإرهابيون الذين يقومون بالقتل والتدمير في أفغانستان، أنتم القتلة، فارحلوا”.

لا توجد قوة على هذه الأرض أكثر فساداً وتدميراً من التحالف الوثيق بين الدول المتمركزة بشكل فضفاض حول الولايات المتحدة والتي تعمل كإمبراطورية واحدة في السياسة الخارجية، والأمر المفيد الوحيد الذي يمكن أن تفعله مثل هذه الإمبراطورية الملطخة بالدماء للعالم هو أن توقف سلوكها المدمّر وأن تفنى وتهلك، فهي لا تتصرّف كبطل طيب وخيّر يحارب “الأشرار”، بل هي أسوأ الأشرار، ويجب أن ينتهي فسوقها وفسادها.

دعوا العالم يتولّى شؤون نفسه دون “مساعدة” قوتكم السيكوباتية التي تطلق العنان لمثل هذه الفظائع على جنسنا البشري.