سقوط الرواية التناخية حول أرض إسرائيل التاريخية
أقامت مؤسّسة القدس الدولية في المركز الثقافي (أبو رمانة) محاضرة بعنوان “سقوط الرواية التناخية حول أرض إسرائيل التاريخية”، حيث عرض فيها الدكتور إبراهيم عبد الكريم الباحث الفلسطيني عدداً من الشهادات البحثية والآثارية لعدد من الباحثين اليهود تثبت سقوط الرواية التوراتية.
السردية التناخية
تتباين المصادر اليهودية في تحديد مكوّنات ما يُسمّى التسلسل الزمني لليهود، وحسب الدراسات يؤكد الباحثون أنهم سيقومون بوضع الأحداث التاريخية بتنسيق منظّم، وممن كتب في هذا المجال يورد الباحث شهادات عدد من المختصين الإسرائيليين مثل البروفيسور يسرائيل فنكلشتاين رئيس قسم الآثار في جامعة تل أبيب الذي يُعرفونه بأنه أبو الآثار، حيث نشر العديد من الكتب والدراسات التي تشكّل مساهمات انتقادية مهمّة للرواية التناخية، مثل كتاب “اكتشاف الكتاب المقدس: رؤية جديدة لعلم الآثار لإسرائيل القديمة وأصل النصوص المقدسة” الذي يعتبر عملاً انتقادياً يميّز بين الحقيقة والأساطير، ويشير إلى أن العديد من القصص الأكثر شهرة في التناخ تعكس عالم المؤلفين المتأخرين بدلاً من الحقائق التاريخية الفعلية.
ويتابع الباحث في حديثه عن الشهادات قائلاً: أما البروفيسور الإسرائيلي زئيف هرتسوغ أستاذ التاريخ والآثار في جامعة تل أبيب، المشارك في الحفريات الأثرية، فيبيّن أن الرواية التناخية ليست مصدراً تاريخياً ولا يوجد للأحداث المذكورة فيه ما يؤكدها في الواقع، ووصل علماء الآثار إلى نتيجة مخيفة هي أنه لم يكن هناك دليل على التناخ أبداً، وأن أفعال أجدادنا هي حكايات شعبية، فلم نذهب إلى مصر ولم نخرج من هناك، ولم نقم بغزو الأرض. وبرغم الأبحاث الحثيثة لم يتمّ اكتشاف موقع واحد يمكن أن يتناسب مع الصورة التوراتية، وهذه الأحداث المركزية في التاريخ الإسرائيلي لا تحظى بأي تأكيد في أي شهادة خارج التوراة، ونشر البروفيسور الإسرائيلي شلومو زاند كتباً ودراسات عدة نفى فيها وجود أي دلائل أثرية تؤكد روايات التناخ، مثل كتاب “متى وكيف تمّ اختراع الشعب اليهودي”، حيث يتصدّى لتفنيد حق اليهود على أرض فلسطين ومكونات الشعب اليهودي الصهيوني، فيتناول في خمسة فصول اختراع المنفى وتهوّد كثير من شعوب الأرض، ويفترض أن أغلبية النصوص الدينية اليهودية هي أساطيرر، وليست مستندات تاريخية يمكن الاعتماد عليها لبناء هوية الشعب اليهودي، وفي كتاب زاند الأخير الذي صدر في حزيران 2020 بعنوان “عرق متخيل- تاريخ قصير لرهاب اليهود”، يتبنى فيه المقولة التي تقول إنه لا يوجد عرق سامي وبالطبع لا يوجد عرق آري أيضاً.
شهادات علماء الوراثة
في موازاة انتقاد الرواية التناخية وتفكيكها ظهرت مساهمات عديدة تعالج مسألة أصول اليهود وعلاقتهم بفلسطين، وألقت الضوء على الفجوة بين معطيات الوراثة والمفاهيم المتعدّدة لدى اليهودية والصهيونية حول “أرض الميعاد”، قدّم الباحث شهادات لمختصين في علم الوراثة مثل المحاضر رفائيل فالك في الجامعة العبرية، وفلسفته أن آباء الحركة الصهيونية تعاطوا مع النظريات العلمية في الوراثة من أجل إضفاء الشرعية على المشروع الصهيوني، ويؤكد أنه لا يوجد إمكانية لإثبات أنه تجري في عروق اليهود دماء مختلفة عن دماء الشعوب الأخرى، بل إنه لا يمكن إثبات وجود أصل واحد أو شجرة أنساب لجميع اليهود. ويضيف أنه لا يوجد إجابة بيولوجية على سؤال “من هو اليهودي؟”. أما عالم الوراثة الإسرائيلي عران الحايك فقد وضع نظرية خلاصتها أن اليهود الأوروبيين هم من أصول خزرية، الإمبراطورية التي تألفت من شعوب مختلفة، إيرانيين وأتراك وسلافيين وقوقاز وغيرهم، والتي سيطرت في العصور الوسطى على أراضٍ واسعة بين البحر الأسود وبحر قزوين، وحسب النظرية فقد تهوّد الخزريون في القرن الثامن، ومن سلالاتهم خرج اليهود الأوروبيون الذين يعيشون اليوم في “إسرائيل” وخارجها.
الحفريات.. منهجية مغرضة وانتقادات
لقد حشدت سلطات الاحتلال هيئات متعدّدة للمشاركة في أعمال الحفريات في كل أنحاء البلاد، أُوكلت إلى شخصيات صهيونية معروفة في الوسط الأكاديمي المتخصّص بعلم الآثار، ولدى دراسة التكوين الفكري للمشاركين في أعمال الحفر تتضح المنهجية المغرضة التي اتبعوها. وعن هذه الأعمال يقول الدكتور عبد الكريم: لم يكتفوا بالتحيّز وغياب الموضوعية في دراسة الآثار المكتشفة بل أدوا أعمالاً تخريبية بحق الأمكنة المدروسة عبر الاستناد إلى المرويات التناخية والمؤلفات اليهودية بشأن تاريخ فلسطين والطمس المقصود للآثار العلمية المكتشفة، وتغيير معظم المكان وتزوير هويته الأصلية، حيث بيّن البروفيسور كيث وايتلام في كتابه “اختلاق إسرائيل القديمة- إسكات التاريخ الفلسطيني” أن إسرائيل القديمة هي من اختراع عقول العلماء بناءً على فهم خاطئ للتراث التوراتي وبعيد عن الحقيقة التاريخية.
كما قام علماء إسرائيليون بفضح حالات عديدة من التزوير من منطلقات مهنية خاصة بهم مثل لوح حجري، بردية قديمة، وأثر “رمانة الحاج” الذي قيل إنه الاكتشاف الوحيد الذي عُدّ جزءاً من صولجان كان يستخدمه كهنة الهيكل الأول، لكن مسؤولين في سلطة الآثار توصلوا لاحقاً إلى أن هذا الأثر مزوّر وكُشف النقاب عن وجود شبكة إسرائيلية تعمل على تزييف المكتشفات الأثرية.
عُلا أحمد