“الجمل بليرة وما في ليرة”.. مؤشرات خطيرة لانعدام الأمن الغذائي والتباهي بالوفرة لا يعالج انعدام القدرة الشرائية
دمشق – ريم ربيع
بخطى متسارعة، وتحت ضغط عوامل عديدة منها خارجية ومنها داخلية، يتزايد يوماً بعد يوم تهديد الأمن الغذائي لكل فرد سوري، فعلى مدى سنوات طوال وعند كل أزمة كانت لقمة العيش المتاحة تهوّن بعض الشيء من باقي الاختناقات، إلا أنها اليوم باتت مهددة هي الأخرى في ظل عوامل عديدة زراعية واقتصادية، فالأراضي الزراعية -حتى المحررة منها- لم تُستثمر بعد بالكامل، والأراضي المزروعة بالمحاصيل الاستراتيجية من قمح وقطن خارج سيطرة الدولة، والمنتجات الزراعية بلا خطة تسويقية واحدة، وحتى لو توافرت كل المقومات الزراعية فإن القدرة الشرائية وهي النقطة الأبرز أصبحت تحول دون الوصول إلى أي منتج حتى المحليّ.!
تدهور
بيّن مسح أجراه المكتب المركزي للإحصاء في بداية 2019 أن نسبة غير الآمنين غذائياً بلغت 33%، فيما يذهب أكثر من 58.5% من الإنفاق إلى الغذاء، ومع كلا الرقمين لا يمكن لأحد أن ينكر التدهور الحاصل في غذاء السوريين عموماً، خاصةً في الأشهر الأخيرة التي يقول البعض بأنها تجاوزت بقسوتها الاقتصادية سنوات الحرب مجتمعة..
غير متوفرة
علمياً تعتبر العناصر الأساسية للأمن الغذائي هي وفرة الغذاء وإمكانية الوصول إليه واستقرار وجوده وسلامته، وكل واحدة من تلك العناصر واجهت ومازالت تحديات جمّة أوصلتنا إلى ما نحن عليه، وبالتمعن فيما سبق يقول مدير بحوث في هيئة الاستشعار عن بعد د. محمد العبد أن مستوى الأمن الغائي في سورية انخفض كثيرا خلال السنوات الأخيرة، إذ ليست كل المنتجات الغذائية متوفرة، كما أن تكلفة الكثير من المواد الغذائية تفوق بكثير قدرة المواطن الشرائية، مثلا لا قدرة لديه على شراء اللحوم بمختلف أنواعها، وارتفاع أسعار الكثير من المواد الغذائية أدى إلى امتناع الناس عن شراء هذه المواد، وهذا بالتالي ينعكس سلباً على جودة طعامه وقيمته الغذائية.
مبالغة.!
قد يقول البعض إن ما سبق من أرقام يحمل بعض المبالغة، فالجميع قادر على شراء الخبز..! وهذا صحيح لكن هل يعتبر الخبز مادة غذائية كافية.؟ فاليوم أغلب العائلات استغنت عن اللحوم بأنواعها وبعض أنواع الخضار والفاكهة والمنتجات الحيوانية، أي أنها استغنت عن العديد من العناصر الغذائية الأساسية، فالبعض لم يتذوق طعم السمك مثلاً منذ أكثر من ستة أعوام ولا تتجاوز نسبة مستهلكي السمك 15% في أفضل الأحوال، واليوم يأتي هذا التقرير في وقت تجاوز فيه سعر البطاطا 1500 ليرة..! والبندورة مثلها وهي خضراوات أساسية على أي مائدة، ومع ذلك هناك من يصرح بأن جميع المواد متوفرة ولا خشية من فقدانها، فيما يرد المواطنون بسخرية : “الجمل بليرة وما في ليرة”
مسببات
يعود سبب تراجع الأمن الغذائي بحسب العبد إلى الجفاف، ومحدودية الأراضي الصالحة للزراعة، وشح في المياه بسبب قلة الأمطار ومحدودية المياه الجوفية وندرة الموارد المائية، وتداعيات تغير المناخ، والاستخدام غير الرشيد للموارد الطبيعية، والسياسات غير الملائمة والاستثمار الضئيل في العلوم والتكنولوجيا والتنمية الزراعية، إضافة إلى النمو السكاني، والطلب المتزايد على الغذاء، وتدهور الموارد الطبيعية، وتحويل الأراضي الزراعية إلى الاستخدام الحضري، ليتوج كل ذلك بظروف الحرب والحصار الاقتصادي الذي نعيشه منذ عقد من الزمن، إذ أدت الحرب إلى خروج مساحات زراعية كبيرة من الاستثمار الزراعي في بعض المناطق بسبب سيطرة الجماعات المسلحة عليها، كذلك حرمان الدولة من إنتاج عدد من الأراضي، وحرق المحاصيل الاستراتيجية كما حدث هذا لموسم القمح في المنطقة الشمالية الشرقية، أضف إلى ذلك قطع الطرقات بين المدن مما سبب صعوبة في نقل مستلزمات الإنتاج الزراعي والمنتجات الزراعية الى مناطق الإنتاج والاستهلاك.
لا قلق
وفيما يرى البعض أن توافر القمح كمادة أساسية واحد من أهم مقومات الأمن الغذائي يوضح مدير المؤسسة السورية للحبوب يوسف قاسم أنه لا خوف على مخازين القمح والكميات والتوريدات، لافتاً إلى أن المنظمات الدولية لا تصنف الخبز على أنه العامل الحسم في الأمن الغذائي ولا يوجد عائلة تنام بدون خبز في سورية، بينما استوردنا هذا العام 400 ألف طن أغلبها روسي، ويوجد عقود قيد التوريد لـ400 ألف طن إضافية يفترض تنفيذها مع نهاية العام، والعقود مستمرة للحفاظ على المخازين خلال العام المقبل، إلا أن الحسم النهائي يعود للإنتاج والخطط الزراعية.
تعزيز
وحول خطوات تعزيز الأمن الغذائي إسعافيا واستراتيجياً يعتبر العبد أن تحسين وضع الأمن الغذائي في سورية من خلال الإنتاج المحلي هو مهمة صعبة في ظل الأراضي الزراعية المحدودة، والموارد المائية التي تعاني الاستنزاف، وشح الأمطار والجفاف، لكن باتباع بعض السياسات السليمة والتقنيات الزراعية الحديثة نستطيع ضمان الأمن الغذائي استناداً إلى أسس توفر الغذاء وسهولة الحصول عليه واستهلاكه، كما يمكن تعزيز مستوى الأمن الغذائي من خلال الاستخدام الفاعل للموارد الزراعية والمائية المتوفرة مثل تعزيز إنتاجية المحاصيل عبر زيادة الأبحاث الزراعية سيما في مجال الهندسة الوراثية لإيجاد أصناف زراعية ملائمة، واستخدام التكنولوجيا، والاستثمار في الزراعة المطرية، إضافة إلى تحسين إنتاجية المياه باتباع أساليب الري الحديثة، والتصريف المحسَّن، والبذور المحسَّنة المتوفرة، والاستخدام الأمثل للأسمدة، مشيراً إلى إمكانية إعادة استخدام مياه الصرف المعالجة كمصدر لنشاطات متعددة، زراعية وصناعية ومنزلية، ما يخفف الضغط على موارد المياه العذبة.
شراكة
ويؤكد العبد على ضرورة تطوير الثروة الحيوانية والسمكية لزيادة الإنتاج الإجمالي والتنوع والاستدامة الاقتصادية، وتطبيق مبدأ التأمين الزراعي على المحاصيل والثروة الحيوانية، ودعم المنتج المحلي الزراعي عن طريق نقل منتجات المزارعين إلى مراكز التوزيع في السوق المحلي بطريقة مباشرة ودون الحاجة إلى وجود وسيط تجاري.
وفي مجال زيادة رقعة الاستثمار الزراعي والحيواني يقترح العبد تأسيس شركات موازية لمؤسسات الإنتاج الزراعي، بحيث توفر الدولة أراضي مخصصة للإنتاج الزراعي يقوم بتطويرها القطاع الخاص، من خلال شراكة القطاع العام والخاص، وفتح المجال أمام المواطنين بالمشاركة في هذا النوع من الشركات.