الجريمة.. والكابوس
محمد كنايسي
لا شك في أن اغتيال العالم الإيراني محسن فخري زادة رئيس هيئة التطوير والبحث في وزارة الدفاع ضربة موجعة لإيران ليس لأن ذلك سيوقف تطوّرها في هذا المجال، وفي غيره من المجالات العلمية والتقنية بالاعتماد على الذات، فهذا التقدّم، على أهمية دور العلماء في إنجازه، هو نتيجة إرادة سياسية يميّزها التصميم على النجاح في مواجهة التحديات، وتحويل العقوبات والحصار والضغوط إلى دافع نحو المزيد من الابتكار والاختراع، ولهذا فإن اغتيال العلماء الأفذاذ لم ولن يستطيع إيقاف مشروع التقدّم الإيراني الذي يرى فيه الكيان الصهيوني خطراً على وجوده، بل هو يزيد الإيرانيين قدرة على الاستجابة للتحدي ومواجهة العدو الأمريكي الصهيوني بالمزيد من تفجير الطاقات الإبداعية، التي نقلت إيران منذ قيام ثورتها، وفي ظل العقوبات، إلى قوة إقليمية تمتلك كل مقوّمات الدفاع عن نفسها، وإفشال كل الإجراءات الامريكية العدوانية الرامية الى إخضاعها.
وليس غريبا أن نجد في الإعلام الصهيوني من يقول: إن اغتيال فخري زادة لن يوقف المشروع الإيراني، فليست هذه أول مرة تقوم فيها الاستخبارات الصهيونية مباشرة أو عبر أدواتها باغتيال علماء إيران النوويين دون أن يؤدي ذلك إلى تحقيق ما تريده من إضعاف قدرة إيران على امتلاك التكنولوجيا النووية. وقد كان الرد الإيراني على جرائم الاغتيال هذه هو المضي بتصميم أكبر على إحراز النجاح في هذا المجال مما شكّل ويشك!ل الرد الأكثر إقلاقاً وإخافة للكيان الصهيوني، الذي تزداد معاناته أكثر فأكثر من الكابوس الإيراني.
على أن استمرار إيران في تحقيق مشروعها النهضوي، وتحويل حادث الاغتيال إلى محرّض على المزيد من التمسك به واستنهاض معنويات التصدي ليس هو الرد الوحيد، فمعاقبة الفاعل في الوقت المناسب مسألة أكدتها القيادة الإيرانية على أعلى المستويات، والرئيس روحاني قال بهذا الصدد: “إن الشعب الإيراني أشجع من عدم الرد وأذكى من أن يقع في الفخ الصهيوني”. ذلك أن إيران ليست في وارد البحث عن مواجهة عسكرية مع أمريكا، ولاسيما في هذا الظرف الذي يمكن فيه لترامب الخاسر أن يقدم على المغامرة التي طالما أرادها نتنياهو و سعى جاهداً بكل الوسائل لوقوعها..
تعرف إيران جيداً أن الكيان الصهيوني وراء هذه الجريمة النكراء، حتى ولو لم يعترف بها، فكل الدلائل تؤكّد تورط الموساد والمخابرات الأمريكية فيها، وليس من باب التخمين والظن تذهب نيويورك تايمز إلى أن “إسرائيل” تقف خلف اغتيال فخري زادة..
وعليه، وكما أن الكيان الصهيوني لم يتبن عملية الاغتيال خوفاً من تداعيات ذلك على الأرجح، فإن من الطبيعي أن يحدث الرد الإيراني في وقته ومجاله المناسبين بطريقة مدروسة ودون أن تعلن عنه أو تتبناه ايران بالضرورة.
صحيح أن الكيان الصهيوني قد نجح في اغتيال فخري زادة، لكنه يعيش الآن كابوس الرد الذي لا يعرف متى وأين وكيف سيكون، وذلك في إطار كابوسه الأكبر الذي لا يبدو أن التطبيع قد خفف من حدته أو أضعف تأثيره: كابوس المقاومة..