لم يعد ترامب المشكلة.. بل أتباعه
ترجمة وإعداد: علاء العطار
بعد أربع سنوات طويلة من الشعور بالتُخمة من أخبار دونالد ترامب -صوته في آذاننا، وتغريداته توقظنا، ومزاجه المتقلّب وعدوانيته هيمنا على الأخبار السياسية- نجد أنفسنا الآن في فترة استراحة غريبة. وبعد أن أمضينا سنوات في ترويض أنفسنا لتجاهل ما كان يهدّد باستنزافنا جسدياً وعقلياً، نواجه حقيقة أن شبحه المهزوم لن يغادر مضاجعنا. نعم، لقد خسر ترامب الانتخابات، ولا شيء يمكن لرودي جولياني فعله لتغيير هذه النتيجة في المحاكم، وفي غضون بضعة أسابيع قصيرة، لحسن الحظ، لن نحتاج أبداً إلى جعل هذا الرجل يشغل كلّ هذه المساحة في تفكيرنا مرة أخرى.
لكن في الوقت الحالي، ما مقدار المساحة في تفكيرنا التي يجب أن يستمر في شغلها؟ كيف نتعامل مع محاولة انقلاب ساذجة ومهولة إلى حدّ ما؟ هل يمكن أن يضيع في غياهب النسيان، وهي خطوة لم تنجح بعد على مدى خمس سنوات؟.
من المفترض أن ينتهي هذا الكابوس الطويل في النهاية، أليس كذلك؟ إذن لماذا لا يزال هذا الكابوس موجوداً بأشكال لا نهائية، ويدور في حلقة مفرغة؟ بادئ ذي بدء، أمضينا السنوات الأربع الماضية ونحن نتحمّل أذى هذا الرجل جسدياً ونفسياً، وهذه علاقة لن تنتهي ببساطة. إن أخطر الأوقات في أي علاقة مؤذية تأتي عندما تحاول الضحية الهروب. أحد أسباب عدم وصولنا إلى عتبة الراحة بعد أكثر من أسبوعين من انتهاء الانتخابات، هو أن ترامب يرفض الاعتراف بخسارته، ولكن في هذه الأثناء، هل علينا حقاً أن نشاهده وهو يصبّ جام غضبه في تغريداته على تويتر، وهو يقفز في البيت الأبيض في حالة من الغضب العارم، وينفق ما تبقى له من مال في اللعب بمصير القوات العسكرية، ويقيل كلّ من يزعج اضطرابه الحالي الخطير، ويعمل بخبثٍ ودناءة على الإضرار بفريق بايدن الانتقالي بعد أن خسر في المحاكم؟. من الواضح أن عمله الجديد يكمن في تشجيع مجالس الانتخابات المحلية على إلغاء عدد الأصوات، هذا يعني أنه حتى بعد الانتخابات ما زالت حالة التوتر موجودة، وما زال أمامه ثمانية أسابيع لتكسير الأشياء وحرقها.
لكن حتى لو افترضنا أن ترامب يحاول إلهاء المجتمع الأمريكي عن المضي قدماً، فهناك سبب آخر لا يمكِّن الأخير من التحرّر من هذا التوتر المستمر، وهو أن القبح وغياب القانون وانتهاك الأعراف لم تنتهِ بانتهاء الانتخابات، ولم تقتصر على تغريدات ترامب أو مكالماته الهاتفية، فقد انتشر المرض والأفعال العنصرية وتحدي قواعد الحكم وأداء المحكمة الأخرق، كلّ ذلك يشير إلى أن القانون في نظر جيش المتحمّسين لترامب ومقلديه لا يزال ثانوياً، فهم ينظرون إلى أنه مصيدة رمال لا يقع فيها إلا السذج والفاشلون والديمقراطيون. لا يزال الحزب الجمهوري يصرّ على أنه قانون بحدّ ذاته. هذا الجزء لم ينتهِ بعد، ولم يتباطأ حتى، بل بات يتخذ أشكالاً أكثر علانية. نعم، يجب أن يتجاهل المجتمع الأمريكي ترامب، لكن أتباعه لا يتراجعون بهدوء.
لماذا تدعو ليندسي غراهام مسؤولي الانتخابات للمطالبة بقمع الأصوات المشروعة في جورجيا؟ ولماذا ترفض إميلي ميرفي من إدارة الخدمات العامة إجراء انتقال فعّال؟ ولماذا يستمر ميتش مكونيل في تنسيب القضاة وغيرهم من المرشحين غير المحبوبين؟ بذلك، يكسر الجمهوريون في مجلس الشيوخ تقليداً عمره 123 عاماً يقضي بعدم الموافقة على القضاة خلال السنة الأخيرة لرئيس الولايات المتحدة للتصويت لمصلحة المرشحين الذين قدّمهم الرئيس المغادر الذي خرج حزبه من البيت الأبيض.
هذه ليست أفعال ضمير حيّ، وهي ليست آخر عملية نهب لمجموعة من الخاسرين الذين يحاولون سرقة ما تسنى لهم في طريقهم للخروج، يتعلّق الأمر بضمان استمرار وجود يد الحزب الجمهوري في الحكم بعد فترة طويلة من أداء بايدن اليمين.
لن تتلاشى أعمال التخريب عندما يغادر ترامب البيت الأبيض، لأن تنفيذها الآن يجري على يد قيادة جمهوريّة لا تصدق في الواقع أنه لن يكون رئيساً بعد كانون الثاني، ولا يزالون يتصرّفون كما لو أن هذا غير مهمّ، كما لو كان هناك خلاف مادي يحول دون انتقال السلطة.
يمثّل ترامب إحدى المشكلات، وهي المشكلة التي صارعها الجميع لمدة أربع سنوات طويلة. لكن ما يحدث في هذه الأسابيع العويصة أمر آخر تماماً، يمكننا أن نتجاهل صرخات موت هذه الرئاسة، لكن غريزة تقويض الانتخابات والأعراف والقانون نفسه لخدمة مصالح الجمهوريين لا تتراجع، وهذا هو السبب في أن وعود بايدن بـ “شفاء” الأمة تبدو وكأنها استرضاء لا أكثر!.