تراجع في قضايا الفساد المالي والدعاوى الحالية “تصفية” ارتكابات سابقة
دمشق – ريم ربيع
سبعة أعوام مرت منذ إصدار قانون العقوبات الاقتصادية، رقم 3، لعام 2013، وشهدت مختلف التغيرات والأزمات الاقتصادية، حيث ازداد التضخم أضعافا مضاعفة وانخفضت القيمة الشرائية وتراجعت قيمة الليرة، ولم يعد هناك أي وجه شبه بين الوضع الاقتصادي في 2013 وحالياً، وكما في أي مجتمع، برزت فئة من المستفيدين المستغلين للظروف المضطربة لتحقيق مكاسب شخصية على حساب مؤسسات الدولة، وما تعرضت له، ما استدعى تساؤلات عديدة حول مدى مواءمة هذا القانون للوضع الحالي وتحقيقه للردع المطلوب وحماية المال العام، لاسيما وأن السبب الأساس لإصداره حينها هو تخصيص محاكم وقوانين للجرائم الاقتصادية والمالية لسرعة البت فيها نظراً لأهميتها، فللقوانين والتشريعات الاقتصادية والمالية دور مهم في حماية مؤسسات الدولة وأسواقها وأفرادها وصناعة مستقبلها في أي دولة.
لكل وقت
المحامي العام الأول بدمشق القاضي عبد الرحمن الشريف أوضح أن القانون لم يصدر لمعالجة فترة زمنية أو اضطرابات مؤقتة، بل لحماية كل ما يتعلق بالمال العام في مختلف الأوقات، فكل دولة تبحث عن حماية اقتصادها ومالها، كما أن القانون الاقتصادي لا يبحث في موضوع انخفاض وارتفاع النقد بل حماية المال والوظيفة العامة، معتبراً أن التشريع على مستوى القطاع الاقتصادي والمالي شهد تطوراً كبيراً بعد الأزمة عبر القانون 3 عام 2013 الذي راعى كل متطلبات الحياة الاقتصادية العامة لحماية المال العام بمفهومه الواسع، وليس فقط السيولة النقدية الموجودة في المصارف أو المؤسسات العامة بل كل ما هو مملوك للدولة.
أغلبها جنائية
وبيّن الشريف أن المشرع أوجد نيابات عامة مالية ودوائر تحقيق تختص بالأموال العامة ومحاكم متخصصة بنظر الجرائم المتعلقة بالمال العام في كل المحافظات لسرعة البت في القضايا، فيما ترد الضبوط من الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش أو الجهاز المركزي للرقابة المالية أو الأمن الجنائي، وأكثر من 80% من الجرائم جنائية الوصف.
خارج القواعد
وفيما تتراوح العقوبات الجنائية في القانون العام بين 3-15 سنة وجد المشرع أن المال العام بحاجة لعقوبات أشد، فخرج عن القواعد العامة ورفع الحد الأدنى لعقوبة سرقة المال العام أو اختلاسه أو إساءة الائتمان عليه إلى السجن 5 سنوات على الأقل، أما عقوبة الهدر المقصود للمال العام فحدها الأدنى السجن 3 سنوات، وإن كان الهدر غير مقصود ،فالحد الأدنى السجن سنة واحدة، كما نص القانون على أن يكون الحد الأدنى للعقوبة السجن خمس سنوات لمن خرب قصداً رأس المال الثابت أو المعدات العائدة للدولة، أو خرب البضائع الجاهزة أو نصف المصنعة أو المعدة للتصنيع أو للإنتاج..، أو من غش الدولة بمناسبة التعاقد معها. وفي سبيل تحقيق حماية مطلقة للمال العام نص على عقوبة لمن علم بأي من الجرائم المذكورة في قانون العقوبات الاقتصادي ولم يبلغ عنها بالسجن 6 أشهر إلى عامين.
تصفية للماضي
وأشار الشريف إلى أن هناك تراجعاً – قد يكون نسبياً – في قضايا الفساد المالي، فكل الوقائع المنظورة حالياً تمت في زمن سابق، والدعاوى حالياً تصفية للارتكابات الجرمية في السنوات الأخيرة، فيما بيّنت إحصائيات عدلية دمشق أن عدد الدعاوى أمام دائرة التحقيق الاقتصادي والمالي في 2019 بلغ 491 دعوى فصل منها 409 دعوى، أما في 2020 فهي حتى تاريخه 461 دعوى فصل منها 300، وفي محكمة الجنايات المالية الاقتصادية فقد بلغ عدد الدعاوى 333 دعوى في 2019 و304 دعوى في 2020 فصل منها 216 دعوى.
استخفاف
أما حول تباين الآراء ما بين عقوبة السجن والغرامة المالية وأيهما أشد ردعاً في هذا النوع من القضايا، اعتبر الشريف أنه مهما علت الغرامة والسجن فهي لن تحقق الردع المطلوب بمفردها إن لم يتم رفع سوية التعامل اجتماعياً مع مال الدولة، فهناك حالة استخفاف بكل ما يعود للدولة والانطباع السائد لدى المجتمع أن الاستفادة من المال العام شطارة وليس سرقة.! فأغلب الجرائم المتعلقة بالمال العام لا ترتكب بسبب الحاجة على عكس أغلب السرقات العادية، وطالما نحن مهتمون بالشق الجزائي وتراخينا اجتماعياً لن يحقق ذلك نفعاً، مضيفاً أن العقوبات نصت على غرامات تعادل المبلغ المسروق وهي بمئات الملايين في بعض الأحيان، وفي أغلب الحالات يتم تسديد الغرامة المحكوم بها.
رقابة
وأوضح المحامي العام الأول أن نسبة فصل الدعاوى تتجاوز 90%، ويتم البت فيها بالسرعة الممكنة، خاصة وأن إدارة قضايا الدولة غيرت الطريقة التقليدية في الحضور، فباتت تحضر الدعوى بناء على كتاب إعلام بوجود دعاوى تتعلق بالمال العام اختصاراً للوقت، لافتاً إلى أن جميع الضبوط تعرض بما فيها جميع الضبوط التي تنظم من قبل الضابطة العدلية -بما فيها المتعلقة بالمال العام- تُعرض على القضاء –النيابة العامة- للتثبت من وقوع جرم ما وثبوته قبل أن يتم ختمه ليقرر القاضي التوقيف أو الترك أو إذاعة البحث، كما أن قاضي التحقيق الاقتصادي ليس له مطلق التصرف بالقضية التي ينظرها، وإنما يتقيد بأحكام قانون أصول المحاكمات الجزائية وبالقوانين الموضوعية (قانون العقوبات الاقتصادي) تحت رقابة رئيس النيابة العامة المالية الذي يتابع هذه الدعوى وجميع الإجراءات التي تتم فيها إجراء تلو الآخر إلى حين إصدار القرار، فإذا لم يكن القرار موافقاً للأصول والقانون يعمد رئيس النيابة العامة المالية إلى استئناف هذا القرار أمام قاضي الإحالة المختص لتصحيح الخلل إن وجد.