“النقل” في دمشق وريفها.. تكرار للوقائع اليومية واستمرار للمعاناة؟!
أحلام كثيرة لكنها لم تكن كبيرة للدرجة التي وصل إليها حال المواطن اليوم، فلم يعد حلم العيش في منزل بسيط هو المبتغى، ليغدو الحلم الأكبر اليوم لمواطننا هو الوصول إلى المنزل أو مكان العمل، فأزمة النقل التي لم نشف منها يوماً تفاقمت ليصبح الخروج من المنزل كابوساً مخيفاً يحسب له ألف حساب في ظل إحجام المحافظة عن إيجاد حلول جذرية للمخالفات الجمة التي تحصل في جميع وسائل النقل، خاصة خلال فترة الشتاء المرتبط بالعام الدراسي، وتعاقد أعداد من السرافيس لصالح تخديم المدارس والقطاعات الخاصة بشكل مخالف لقرارات المحافظة التي منعت هذه الظاهرة، ووضعت عقوبات بحق المخالفين ولكن دون جدوى!.
سوق سوداء
قصص كثيرة نسمعها من سائقي وسائل النقل عن غلاء سعر البنزين، وتحديد الكمية المخصصة لسائقي “التكاسي”، ما اضطرهم لضرب أرقام قياسية في طلباتهم، إذ لم يعد يرضى سائق التكسي بأقل من 700 ألف كمدخول شهري له، الأمر الذي أكده لنا أحد سائقي التكاسي الذي يعمل ثلاث وارديات على تكاسي تعود ملكيتها لأشخاص مربحهم الشخصي كل شهر 700 ألف عدا أجرة عمله، ويقوم أغلب هؤلاء السائقين بالحصول على المادة من السوق السوداء أو حتى من الكازيات نفسها مقابل دفع أضعاف السعر الأساسي، وخلال فترة زمنية محددة من ساعات الليل، ذلك أن الكمية التي تم تحديدها لهم لا تكفي لسد أولويات المعيشة الصعبة، وعلى الرغم من هذه التجاوزات التي لم تعد تخفى على أحد، فإن عدم الالتزام بتسعيرة العداد كان سيد الموقف خلال السنوات العشر الأخيرة، ليكون “عداد التكسي” جزءاً من الاكسسوارات الخاصة بها، واللافت للانتباه أن محافظة دمشق لم تصح لهذا الأمر إلا بعد رفع سعر البنزين، وشكاوى السائقين والمواطنين من عدم تقيّد التكاسي بتسعيرة محددة، وغلاء وقلة المادة بالنسبة للسائقين، الأمر الذي دفع المحافظة إلى تعديل عدادات التكاسي العاملة في دمشق البالغ عددها 21 ألف تكسي، ومخالفة السائق الذي لا يقوم بالتعديل مع حجز مركبته، ولاقى هذا القرار الكثير من الانتقادات بأنه كباقي القرارات التي لن تجد طريقاً لها على أرض الواقع، وسيبقى سائق التكسي المتحكم الأول والأخير بالأجرة تحت ذريعة ارتفاع أسعار “قطع ومعدات” السيارات، وعدم تناسبها مع التعرفة التي تضعها المحافظة.
إحجام عن العمل
لم يتوقف مشهد أزمة النقل على التكاسي، بل تعداها إلى السرافيس وباصات النقل الداخلي التي باتت هي الأخرى “تتعالى على الركاب”، فآلاف الركاب في ريف دمشق نجدهم يقفون لساعات طويلة بانتظار السرفيس الذي غالباً ما يأتي فارغاً ويأبى أن ينقل الركاب متذرعاً بعدم وجود مازوت، وعدم التزام البلديات بتعبئة المادة في الوقت المخصص، حيث يقوم السائقون في أغلب الأحيان بتعبئة مخصصاتهم عند الساعة الثالثة صباحاً، مع بقائهم حتى ساعات الصباح بانتظار دورهم، وبعد طول انتظار يكون المازوت ممزوجاً بكميات من الماء، ما يدفعهم لبيع مخصصاتهم، حيث وصل سعر الليتر إلى 1500 ليرة في الضواحي، و2000 ليرة في أحياء المزة، ويقومون ببيعها للأهالي المضطرين لشراء هذه المادة للتدفئة لوجود أطفال أو كبار في السن في منازلهم، وغياب المحروقات عن دورها في التوزيع العادل للمادة خلال فترة الصيف والشتاء.
أما باصات النقل الداخلي التي وجدت بها المحافظة في الكثير من الأحيان حلاً للتخفيف من أزمة النقل الخانقة، فلا يمكننا حصر عدد الركاب بها، وعدم التقيد بالعدد المسموح له خاصة خلال الفترة الحالية من انتشار وباء كورونا، ناهيك عن امتناع السائقين عن قطع تذاكر، وبالتالي عدم اعتمادهم على عدد معين من الركاب، وفتح الباب أمام طمعهم لتكديس الركاب بأكبر عدد بهدف الربح السريع بعيداً عن التقيّد بالقانون والصحة و.. ولم يكن الحال أفضل عند باصات النقل بين المحافظات و”الفانات” التي ضربت هي الأخرى بالتسعيرة التي وضعتها لها المحافظة عرض الحائط، وتسابقت بين بعضها على التحليق بأجرة النقل التي باتت هي الأخرى يحسب لها ألف حساب عند التفكير بالسفر إلى أية محافظة.
قرارات
وعلى الرغم من تكرار المشكلة ذاتها في كل عام، ويأس المواطن من التصريحات الروتينية لأصحاب القرار، ومحاولاتهم الخجولة للسيطرة على هذه الأزمة، إلا أن شيئاً لم يتغير، بل على العكس مازالت مشكلة النقل تلبس في مطلع كل عام حلة جديدة، حيث توجّهنا إلى عامر خلف عضو المكتب التنفيذي لقطاع النقل في محافظة ريف دمشق فتحدث عن سعي المحافظة لضبط حركة السير، ومراقبة الخطوط، وملاحقة المخالفات التي تحصل، لذا قامت المحافظة بتعيين مراقبين للخطوط في ريف دمشق التي تعاني من اختناقات مرورية، بحيث يقوم مراقب الخط بالتأشير على بطاقة خاصة، بدءاً من ساعة انطلاق السرفيس من مركز الانطلاق حتى مكان الوصول، وإن لم يلتزم سائق السرفيس بالتوقيع الموجود على بطاقة المراقب تفرض بحقه عقوبة وهي حرمانه من مخصصاته بالمحروقات، ولكن مع ورود شكاوى بحق المراقبين والسائقين، ومحاولة التلاعب بهذه البطاقة، تم وضع آلية جديدة وهي قيد الدراسة لضبط حركة السير ومراقبي الخطوط، وتهرب السائقين من نقل الركاب، وقيامهم ببيع مخصصاتهم من المازوت، حيث سيتم إرسال كتاب إلى شركة “سادكوب” باسم ورقم الشخص المخالف ليتم حرمانه من المادة، وبالتالي منعه من مزاولة عمله.
ميس بركات