بايدن أمام مأزق أفغانستان
ترجمة: عائدة أسعد
عن توب ستوريز
يحاول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إنهاء أطول حرب أمريكية، فقد توصل إلى حل وسط، فبدلاً من سحب جميع القوات الأمريكية من أفغانستان بحلول عيد الميلاد، كما تفاخر في تغريدة له في تشرين الأول الماضي، فإنه سيترك وراءه قوة صغيرة لـ “مكافحة الإرهاب”.
إن الانسحاب الكامل من أفغانستان أو العراق بمثابة إذلال للولايات المتحدة على المسرح العالمي، التي استثمرت من أجلهما الكثير من الدماء والأموال. رسمياً ستخفض الولايات المتحدة قواتها، التي تبلغ 4500 جندي أمريكي، إلى 2500 وسيعود 500 من أصل 3000 أمريكي في العراق إلى ديارهم. ومن الناحية النظرية يعني ذلك أن القوات المتبقية ستواصل مهمة مكافحة “الإرهاب” ضد حركة طالبان والتكفيريين المرتبطين بها مثل “القاعدة” و”داعش”، لكنه سيقلل من القدرة على تدريب القوات الأفغانية في الميدان وسيكون من المستحيل تجنيد مخبرين يوفرون المعلومات الاستخبارية التي يتم جمعها من خلال الوسائل التقنية بما في ذلك الرحلات الجوية بدون طيار واعتراض الاتصالات الرقمية.
لاشك أن خفض القوات حالياً سيقوّض الإستراتيجية الدبلوماسية الأمريكية، ففي وقت سابق من هذا العام تفاوضت الولايات المتحدة على اتفاقية مؤقتة مع طالبان تقضي بتخفيض القوات الأمريكية مقابل خفض طالبان للهجمات والالتزام بالتفاوض على إنهاء حربها ضد حكومة كابول، لكن طالبان قامت بزيادة وتيرة هجماتها في تشرين الأول. لم يفاجئ ذلك أحد، وبحسب صحيفة واشنطن بوست قامت طالبان في الأسابيع السابقة بهجمات برية وتفجيرات في 24 مقاطعة من أصل مقاطعات أفغانستان الـ 34.
يقول جيم غولبي ضابط برتبة مقدم بالجيش ومستشار كبير حتى ربيع هذا العام في مهمة الولايات المتحدة في الناتو: “أنا قلق من أن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان سيحفز حلفاء منظمة شمال الأطلسي لخفض قواتهم والسؤال المطروح هنا كيف يستجيب الحلفاء والشركاء فمستويات قواتهم تتناسب مع قواتنا التي تزداد عندما نزيد وتقل عندما ننقص؟ وأنا قلق أيضاً من أن خفض القوة سيزيد من المخاطر الكلية على القوات الأمريكية وخاصة الانتقال في الربيع القادم عندما يستأنف موسم القتال عادة في أفغانستان”.
إن سحب ترامب للقوات يشكل تحدياً للرئيس المنتخب جو بايدن فمنذ ما يقارب 11 عاماً كان العديد من المسؤولين في إدارة باراك أوباما يحثون الرئيس على زيادة القوات في أفغانستان، بينما كان بايدن، نائب الرئيس صوتاً معارضاً، ونصح رئيسه بتقليص مهمة الولايات المتحدة.
وكتب بايدن في مجلة فورين أفيرز هذا العام أنه يريد إنهاء الحروب الأبدية الأمريكية، لكنه لم يدافع عن الانسحاب الكامل من العراق وأفغانستان، وبدلاً من ذلك قال: على القوات الأمريكية أن تلتزم بالتركيز الضيق على هزيمة “القاعدة وداعش”.
المشكلة في خطة ترامب هي ترك 2500 جندي فقط، وهو الأمر الذي قد يزيد من هجمات طالبان، بالإضافة إلى أنه ما زال من غير الواضح ما إذا كان هذا وجوداً مستداماً، أم لا. فهل تبقى طالبان في مأزق وهل سيتدهور الوضع الأمني أكثر؟.
نصح مستشارو بايدن العسكريون، ومنهم ستانلي ماكريستال الجنرال الذي أراد إستراتيجية أكثر طموحاً بشأن أفغانستان في عام 2009، بأن التواجد المحدود يمثل خطراً لا يطاق على القوات الأمريكية المتبقية في البلاد، وقد يجد بايدن أن أحد أعماله الأولى كرئيس سيكون إرسال المزيد من القوات إلى الحرب التي أراد إنهائها قبل 11 عاماً.
قد تكون لحظة مفيدة لبايدن فعندما حث أوباما على رفض زيادة القوات في أفغانستان بالكاد كان هناك جيش أفغاني، وكانت الولايات المتحدة تدعم أمراء الحرب الفاسدين، وكان الفساد مستشرياً، لكن الحكومة المنتخبة في كابول صمدت، وصعود أوباما جعل من الممكن للولايات المتحدة ترك بصمة صغيرة في أفغانستان وغاب هذا الدرس عن ترامب، فهل يفهم بايدن ذلك؟.