نهاية ترامب ومستقبل قادة اليمين الشعبوي
عناية ناصر
مع اقتراب حقبة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من نهايتها، يتنفّس العديد من قادة العالم الصعداء، لكن الذين يتقاسمون نفس أيديولوجية ترامب -الشعبويون اليمينيون والذين لا يزالون في مناصبهم في البرازيل والمجر وسلوفينيا وأماكن أخرى- يأخذون أنفاسهم بصعوبة. قد لا تعني نهاية رئاسة ترامب بداية زوالهم، لكنها بالتأكيد ستجرّدهم من عامل تحفيزي قوي، وستغيّر أيضاً حال المناخ السياسي العالمي، الذي بدا في السنوات الأخيرة وكأنه يميل ببطء لمصلحتهم، على الأقل حتى ظهور COVID-19.
تُعدّ النتيجة المهمّة للانتخابات الرئاسية الأمريكية دليلاً آخر على أن “الموجة الشعبوية” التي كثُر الحديث عنها في السنوات الأخيرة قد تنحسر. وبالنسبة للرئيس البرازيلي خافيير بولسونارو، الذي لم يعترف بعد بفوز الرئيس الأمريكي جو بايدن في الانتخابات الأمريكية، فإن شبح إقالة ترامب كان قريباً منه. وقال خبير السياسة في مؤسسة جيتوليو فارغاس غويلهيرم كاساروس: “كان يعتمد حقاً على فوز ترامب.. بولسونارو يدرك أن جزءاً من مشروعه يعتمد على ترامب”.
مع توضح المستقبل الخالي من ترامب، ورد أن بولسونارو سعى إلى تهدئة الحالة المزاجية في القصر الرئاسي، حيث أخبر الوزراء أنه ليس أمامه الآن سوى خيار رمي خبير السياسة الخارجية المؤيد لترامب، فيليب مارتينز، من نافذة الطابق الثالث للمبنى. لقد مثلت نتيجة الانتخابات ضربة لمشروع بولسونارو، ومشروع سياسي يميني متطرف تمّ تصميمه بشكل وثيق على غرار الترامبية التي فقدت بعض بريقها.
أما على الصعيد العالمي، فتعني النتيجة أن اليمين البرازيلي فقد حليفاً رئيسياً، وحتى لو قال النقاد إن العلاقة لم تحقّق سوى القليل من المكاسب الملموسة، إلا أنها ستضع حداً لما وصفه المعلق السياسي إليان كانتانهيدي بـ”حلم جنون العظمة” لـ بولسونارو لقيادة حملة يمينية دولية.
والسؤال: “من دون ترامب، من سيقود البرازيل وبولندا والمجر، لقد انتهت الحفلة.. لم يأخذ أحد هذا الأمر على محمل الجد على أي حال، ولكن الآن من دون ترامب، سوف يضحكون بسخرية”، يقول كانتانهيد.
كان رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، الذي أطلق عليه مستشار ترامب السابق ستيف بانون ذات مرة اسم “ترامب السابق لترامب”، قد وضع أوراقه في سلة ترامب قبل الانتخابات، قائلاً إنه ليس لديه خطة بديلة في حالة خسارة ترامب، وقال أوربان قبل وقت قصير من التصويت: “أنا مقتنع بأن الرئيس ترامب أنقذ أمريكا المحافظة وأصبح أحد أعظم الرؤساء الأمريكيين، نتمنى له ولأنفسنا التوفيق التام في انتخابه”.
قدّم البيت الأبيض في عهد ترامب دعماً ضمنياً، وأحياناً دعماً مفتوحاً، لحركات وقادة اليمين المتطرف، فقد أرسل ترامب صديقاً قديماً، هو قطب المجوهرات ديفيد كورنستين، ليكون سفيراً في بودابست وتملق أوربان، بينما قال سفيره في ألمانيا، ريتشارد جرينيل، إنه يخطّط لـ”تمكين” القوى اليمينية في جميع أنحاء أوروبا، مما أثار حفيظة مضيفيه الألمان.
قال أوربان إن دعمه لترامب يرجع جزئياً إلى أن المجر سئمت من تلقي محاضرات من قبل السياسيين الديمقراطيين الأمريكيين، وأضاف: لم يعجبنا ذلك ولا نريد مساعدة ثانية. ويقول كاس مود، أستاذ الشؤون الدولية بجامعة جورجيا: إن احتمال هذا النوع من الانتقادات في عهد بايدن، والذي لا يشكّل أي فوائد سياسية ملموسة لترامب، هو السبب وراء احتضان السياسيين الأوروبيين غير الليبراليين لترامب. وأضاف مود: “أشك في أن يشعر معظم قادة اليمين المتطرف أن نجاحهم الانتخابي سيتأثر بهزيمة ترامب”.
في الحقيقة، انتظر معظم القادة الشعبويين نتائج الانتخابات لأطول فترة ممكنة قبل أن يهنئوا بايدن على مضض، أو ببساطة ظلوا هادئين، فقد أرسل أوربان تهنئة متأخرة، لكن التلفزيون الهنغاري والبولندي الحكومي ركز على مزاعم ترامب بالاحتيال، وأشار إلى أن النتيجة لا تزال غير نهائية. كما رفض الرئيس المكسيكي أندريس مانويل لوبيز أوبرادور تهنئة بايدن على الفور، قائلاً إنه سينتظر حتى تتمّ تسوية جميع الطعون القانونية، مضيفاً: “نريد أن نكون حذرين”.
يرى المراقبون أوجه تشابه في الأسلوب بين الزعيمين، على الرغم من حقيقة أن لوبيز أوبرادور انتخب على أساس برنامج يساري شعبوي، فقد انتقد لوبيز أوبرادور وسائل الإعلام الأمريكية بسبب “فرض رقابة” على المؤتمر الصحفي الأخير لترامب من خلال قطع التغطية بذريعة مزاعم كاذبة، وذهب رئيس الوزراء السلوفيني يانيز جانسا إلى أبعد من ذلك، حيث دعا إلى دعم ترامب. وكتب جانسا، الذي تربطه علاقة ترامبية بتغريداته على تويتر: “من الواضح جداً أن ترامب قد ربح أربع سنوات أخرى في منصبه”.
منذ ذلك الحين، قال إن سلوفينيا ستستمر في الشراكة مع الولايات المتحدة، على الرغم من أنه كتب أيضاً على تويتر عدة مرات أن توقيت إعلان الاختراق المحتمل للقاح COVID-19 كان مريباً وربما تمّ حجبه عن عمد إلى ما بعد الانتخابات.
في إستونيا، حيث انضمّ حزب EKRE اليميني المتطرف العام الماضي إلى حكومة ائتلافية، أدّت الملاحظات التي أدلى بها زعيم الحزب ووزير الداخلية الإستوني السابق مارت هيلم إلى أزمة سياسية شاملة. وقال هيلم، الذي وصف بايدن ونجله هانتر بأنهما “شخصيات فاسدة”، إنه يعتقد أن ترامب سيُعلن الفائز في النهاية. وقال: “سيحدث ذلك نتيجة صراع هائل، وربما حتى إراقة دماء، لكن العدالة ستنتصر في النهاية”.
وقالت رئيسة إستونيا كرستي كالجولايد إنها “حزينة ومحرجة” من التصريحات، وأشارت إلى أن الهجوم على الحليف الرئيسي لإستونيا كان تهديداً للأمن القومي. ومع ذلك، لا يتوق الجميع في أقصى اليمين الأوروبي للموت على تلة مزاعم ترامب الخالية من الأدلة بشأن تزوير الانتخابات، ولاسيما في تلك البلدان حيث يميل معظم الناخبين إلى الشك في الرئيس الأمريكي المتهور.
ففي فرنسا، ووفقاً لأحد استطلاعات الرأي قبل الانتخابات، أراد 14 في المائة فقط من الناخبين فوز ترامب، وبدت زعيمة التجمع الوطني اليمينية المتطرفة مارين لوبان حريصة على عدم التسرّع في اتخاذ موقف قبل الانتخابات الرئاسية الفرنسية العام المقبل، على الرغم من أنها أشادت بفوز ترامب في عام 2016، واعتبرت أنه كان “إلى جانب التاريخ”، إلا أنها رفضت بشكل واضح اتباع العديد من مسؤولي حزبها في نقل مزاعم كاذبة من حملة ترامب بشأن التزوير الجماعي للانتخابات، الأمر الذي فُسّر بأنها تخشى المخاطرة بمصداقيتها المحلية من خلال ربط نفسها بشدة بقضية ترامب.
وفي هولندا، لم يُحدث تييري بودت، زعيم منتدى اليمين المتطرف من أجل الديمقراطية، ومنافسه خيرت فيلدرز من حزب الحرية المناهض للإسلام، اللذان دعما ترامب في الانتخابات، ضجة كبيرة. كما ظل الزعيم الشعبوي الإيطالي ماتيو سالفيني، الذي رفع لافتة تقول “ترامب 2020” قبل الانتخابات، صامتاً منذ فوز بايدن، على الرغم من أنه أعاد تأكيد مزاعم تزوير الناخبين في الأسبوع الذي تلا الانتخابات. وقالت جيورجيا ميلوني، شريكه في الائتلاف: “إن ترامب، بخطابه “أمريكا أولاً” كان دائماً شخصية مخادعة لأجزاء كبيرة من أقصى اليمين الأوروبي، ولاسيما في البلدان التي لديها مشاعر قوية معادية للولايات المتحدة”. وأضافت: “بولسونارو يشبه ترامب أكثر من كونه مثل لوبان أو سالفيني. هؤلاء هم سياسيون أيديولوجيون يمينيون متطرفون، ومنغمسون في ثقافة فرعية من اليمين المتطرف، بولسونارو محافظ تحوّل إلى يمين متطرف، وغير مرتبط بحزب أو ثقافة فرعية، وبالتالي فهو ضعيف ومرن أيديولوجياً”.
يعتقد بعض المراقبين أن بولسونارو سيضطر إلى تعديل سياساته بعد خسارة ترامب، حيث يتوقع الكثيرون منه أن يعزل وزير الخارجية البرازيلي المعجب بترامب إرنستو أراوجو، الذي أشاد بالرئيس الأمريكي باعتباره “المنقذ” للغرب. أما في أوروبا، فيأمل معارضو الشعبوية أن يكون للتغيير في البيت الأبيض تأثير مماثل.