الفيزياء الإيرانية لا يمكن أن تُقتل
ترجمة: هناء شروف
عن فاينيشال تايمز
“تذكّروا هذا الاسم محسن فخري زاده”، هذا ما قاله بنيامين نتنياهو رئيس وزراء “إسرائيل” خلال عرضه في نيسان 2018 حول البرنامج النووي الإيراني. الآن من غير المرجّح أن ينسى أحد في الشرق الأوسط اسم محسن فخري زاده، كبير علماء الفيزياء النووية الإيراني، الذي تعرّض لكمين مسلّح بالقرب من طهران في وقت متأخر يوم الجمعة الفائت، وخاصة الإيرانيين، حاله كحال قاسم سليماني قائد الحرس الثوري للفيلق الإيراني، الذي اغتيل بضربة صاروخية أمريكية على مطار بغداد في كانون الثاني الماضي.
من المحتمل أن تكون “إسرائيل”، وليس الولايات المتحدة، المسؤولة عن اغتيال فخري زاده، تماماً كما اغتالت أربعة علماء نوويين في 2010-2012، لكن تلك الاعتداءات جاءت قبل أن تتوصل إيران إلى اتفاق في عام 2015 مع الولايات المتحدة بقيادة الرئيس باراك أوباما وأربع قوى عالمية. انسحب الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب من جانب واحد من هذه الصفقة في عام 2018، وأعاد فرض العقوبات التي واصل تصعيدها لخنق الاقتصاد الإيراني. في المقابل قال جو بايدن، الرئيس المنتخب ونائب الرئيس السابق لأوباما، إنه يعتزم إعادة الانضمام إلى الاتفاق النووي لعام 2015 شريطة أن تعود إيران إلى الحدود الموضوعة لتخصيب اليورانيوم . هذا الهدف، المعقّد بالفعل، أصبح أكثر صعوبة، وهو بالتأكيد نية ترامب ونتنياهو وحلفائهم العرب.
لكن حتى الآن، يبدو أن فريق ترامب عازم قبل مغادرته على سياسة الأرض المحروقة في الشرق الأوسط لجعل طريق إدارة بايدن القادمة إلى الدبلوماسية أكثر صعوبة. ومؤخراً تردّد أن ترامب طلب المشورة بشأن جدوى شنّ ضربات جوية على المنشآت النووية الإيرانية، وذلك في اجتماع مفاجئ في السعودية بين نتنياهو ومحمد بن سلمان، الذي عُقد ظاهرياً حول التوافق و”تطبيع” العلاقات بين “إسرائيل” والسعودية، ولكن كان الأمر أيضاً يتعلق بجبهة موحدة ليس فقط ضد طهران، إنما ضد سياسة بايدن تجاه إيران أيضاً، ويقال: إن مايك بومبيو وزير الخارجية هو من توسّط للعدول عن ذلك.
طوال الفترة الماضية، كانت الأعمال العدائية ضد إيران على الدوام في عالم حرب الظل وفرق الاغتيال والصراعات، لكن اغتيال فخري زاده زاد من الرهان، والافتراض المأمول هو أنه لن تكون هناك حرب حقيقية، لكن سيكون هناك حساب.
يُعتقد أن فخري زاده، الذي يقارن أحياناً بروبرت أوبنهايمر، والد أول قنبلة ذرية في العالم في عام 1945، هو الذي قاد إيران لامتلاك سلاح نووي حتى تمّ إيقافه في عام 2003. لقد أدّت حملة “الضغط الأقصى” لإدارة ترامب والخروج من الصفقة التي قضت على مخزون طهران السابق من الوقود النووي إلى قيام إيران بإعادة تكوين مخزون من اليورانيوم المخصّب الذي أصبح حجمه الآن 12 ضعفاً من حجم سقف الاتفاق. كان هذا ليس قريباً من اليورانيوم المستخدم في صنع الأسلحة، لكن دفع ترامب إيران إلى الاقتراب منه. كما حثّ نتنياهو الولايات المتحدة على عدم العودة إلى الترتيبات السابقة التي كانت تتحكّم في الإنتاج. وحتى أولئك الذين يقاومون القوة الإيرانية المتنامية في الشرق الأوسط يبتهجون بوفاة فخري زاده، لكن الفيزياء الإيرانية لا يمكن أن تُقتل، ولا القناعة المتزايدة بين الإيرانيين بأن أمريكا العدو الأكبر.
يجب على إدارة بايدن التنقل في حقل ألغام، بحيث لن يقتصر الأمر على الاتفاق النووي الذي توصل إليه أوباما في عام 2015 وضرورة إحيائه، إذ يجب أيضاً معارضة مثل هذه الاغتيالات التي تقوّض هذا الاتفاق.