بين الوطن وأبنائه
“البعث الأسبوعية” ــ سلوى عباس
الفنان صاحب رسالة ومشروع تنويري، وهو من صناع الثقافة، ومن قادة الرأي، وله تأثيره في المجتمع. ولكن إزاء حالات خاصة لفنانين فقدوا القدرة على التمييز بين الشعور الوطني الحقيقي والركض وراء ثورة مزعومة، تاهوا بين الفوقية والتواضع، تظنهم جيراناً وتفاجأ أنهم يسكنون أبراجاً عالية، بين البطل الشعبي والمنفعة الضيقة التي قد يشهرها البعض سيفاً على وطنه، وبين الدعوة للإصلاح أو التصفيق لدبابة الأجنبي، بين البحث عن التتويج الحقيقي وتحصيل الشهرة السهلة.. هناك فنانون ومثقفون يعتزون بسوريتهم ويدفعون من أجلها كل غالٍ ورخيص، ويبادرون إلى أي أمر ينقذ هذا البلد الجميل من براثن الخراب والدمار الذي زرعه فيه المتآمرون؛ ففي أول الحرب سافرت مجموعة من الفنانين والمثقفين إلى مصر للاحتجاج لدى ما يسمى “الجامعة العربية” على القرارات التي تتآمر فيها ضد سورية، وللأسف كان استقبالهم هناك بالاعتداء عليهم من قبل من يعتبرون أنفسهم معارضين؛ وبعدها وبمبادرة تحمل الكثير من الوطنية والالتزام، قامت مجموعة من نجوم الدراما السورية، ترافقهم مجموعة من المثقفين، بزيارة إلى موسكو تعبيراً عن امتنانهم للموقف الروسي والصيني والدول التي تساند القضايا العادلة، وليعبّروا عن انتمائهم وولائهم لبلدهم سورية التي كانت على مر التاريخ مهداً للحضارات، وملاذاً آمناً لكل من يقصدها، حيث ضمّ الوفد عدداً من الفنانين الذين ذهبوا إلى القاهرة، إضافة إلى فنانين آخرين، وعدد من المثقفين السوريين الذين لم يقبلوا السكوت على ما يحصل، فأرادوا أن يقولوا كلمتهم، ويوجهوا رسالة للعالم أجمع عن اعتزازهم بانتمائهم لبلدهم سورية، منطلقين من قناعتهم أن الجميع مسؤول، وأن الصدق مع الذات والإخلاص للوطن يتطلبان أقصى مظاهر الحرص عليه.
الآن، وبعد أن تجاوزت نصف قرن من عمرها، تسعى الدراما السورية لإثبات ذاتها وتأكيد حضورها وإنجازاتها، من خلال بعض الأسماء التي هاجرت، أو التي لم تغادر سورية، مؤكدة أنه ليس من السهل أن تخسر درامانا بعض فنانيها الذين دخلوا عالم الشهرة من أبوابه الواسعة دون أن يعيشوا أي معاناة، بل على العكس عرفوا الفن في عصره الذهبي، حيث مكانة الفنان تتصدّر واجهة المجتمع، لذلك كان من السهل على بعضهم التخلي عن كل ما أنجز، ومغادرة هذه الدراما إلى دراما أخرى ما كان لها لتستقبلهم لولا نجاحهم في الدراما السورية، وهنا تكمن الفكرة الأساسية في أن ما أسّس له الرواد وتعبوا من أجله لم يدركه أو يحفظه جيل اليوم من الفنانين، فكانت هذه الهوة بين الجيلين، ولم يتجاوز ما قدّمه فنانو اليوم حدود الشخصية التي رُسمت على الورق بعيداً عن أي رسالة يتوخونها.
للأسف، مع غياب من سمّاهم البعض “نجوم الصف الأول” كان المخضرمون من الفنانين السوريين حاضرين أبداً، والذين لم يهن عليهم مغادرة بلد احتضنهم وكرّمهم، أو أن يتخلوا عن رسالتهم الفنية والإنسانية، وهم من جديد سيثبتون أن ما أسّسوه راسخ ومتين لا يمكن أن يهتز بسهولة مهما حاول المغرضون النيل من هذا الفن الذي يمثل مرآة حقيقية تعكس قضايا المجتمع ووجدان السوريين الذين يعتزون بسوريتهم. وبهذا لا يمكن قراءة مغادرة بعض الفنانين للدراما السورية بأنها تأكيد للخطر الذي يتهدّد الدراما السورية من كل الجهات، بل يؤكد أن الدراما مستمرة بروادها ومؤسسيها والغيورين على مكانتها العالية، فهل ستذهب سكرة البعض وتأتي فكرة أن الدراما السورية ستشهد رغم غيابهم مخاضاً فنياً جديداً.. نأمل ذلك؟!
فنانونا الأعزاء.. إن ما تقومون به اليوم، وكل يوم، من تعبير عن محبتكم لبلدكم وفنكم بلسم لجروح سورية وهدهدة لقلوب ثكلى تحولت دموعها شلالات فرح لغد مشرق بموسيقا تعزفها أصواتكم أنشودة للانتماء.؛ ومن وحي أعمالكم التي أعطت للفن السوري ألقه تتفتح سنبلة من حنطة الأمل وتتوضح رؤية الخلق المدرك لقدرة الشعب السوري على الصمود والانبعاث والتجدد.