حليف من الجحيم
ترجمة: علاء العطار
عن أمريكان كونزيرفاتيف
استضافت السعودية منذ فترة قريبة أعضاء مجموعة العشرين، الذين يمثلون الدول ذات الاقتصادات الأكبر في العالم، والوقت ينفد أمام ولي عهد النظام السعودي محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود ليستغل صداقته مع دونالد ترامب، ومن غير المرجح أن تلبي الإدارة القادمة نزواته.
كانت السعودية أولى محطات رحلة ترامب الرئاسية خارج الولايات المتحدة، وخرج ترامب من ذلك اللقاء عبداً ذليلاً لمحمد بن سلمان، الذي حوّل الديكتاتورية الجماعية القمعية إلى طغيان شخصي قاتل.
لو أن إدارة ترامب حافظت على علاقات مدنية مع هذا النظام المستبد لما بلغت العلاقة مبلغاً أثار جدلاً كثيراً، لكن ترامب ووزير الخارجية حولا التواطؤ مع النظام الوحشي إلى شكل من أشكال الفن، فمن النادر أن نشهد رئيساً أمريكياً رحب بديكتاتور في البيت الأبيض علانية وبكل صفاقة، حتى إن ترامب تجاوز كل الحدود، وحمى هذا الديكتاتور بإصرار من المساءلة، بل سلّحه بشكل فعال ليرتكب مزيداً من الشرور.
لطالما كانت السعودية شريكاً مريباً لأمريكا، إذ حازت الرياض على اهتمام المسؤولين الأمريكيين باحتياطاتها النفطية الهائلة، وأشاحت الحكومات الغربية، التي نصبت نفسها “مدافعاً” عن حقوق الإنسان، أنظارها عن قمع النظام الملكي، ورحبت بالأمراء والأميرات المسرفين الساعين إلى منتجعات فاخرة لينغمسوا بالملذات.
ومع ذلك، بعد أن تولى سلمان بن عبد العزيز آل سعود السلطة في كانون الثاني من عام 2015، خالف التقاليد وعيّن أحد أبنائه، ولي العهد الحالي، في السلطة، ثم نفذ محمد بن سلمان عملية فريدة للاستيلاء على السلطة، عملية شبيهة باستيلاء النازيين على السلطة، منذ ذلك الحين، اختفى كبار أفراد العائلة المالكة عن الأنظار بشكل دوري، وأدت عمليات الخطف والاعتقال والتعذيب وعمليات الابتزاز والقتل إلى فرض سلطة النظام على البلاد.
وصل الأمير إلى أبشع صورة قبل عامين عندما حوّل أتباعه القنصلية السعودية في اسطنبول إلى مسلخ قتلوا فيه الصحفي جمال خاشقجي وقطّعوا أوصاله، فنفرت معظم الحكومات حول العالم من أفعال الأمير الوحشية، إلا إدارة ترامب.
واصل وزير الخارجية مايك بومبيو سلوكه الخسيس، إذ استقبل المصورين الصحفيين في الرياض، وانتهك القواعد القانونية لضمان استمرار مبيعات الأسلحة المستخدمة في ذبح المدنيين اليمنيين، ومن المتوقع أن يكون تملّقه الأخير لمحمد بن سلمان تصنيف الحوثيين كمجموعة “إرهابية”، وهي كذبة مكشوفة تهدف إلى مساعدة السعوديين في إحياء حملتهم العسكرية الخاسرة في اليمن، وكان احتضان ترامب للعائلة المالكة أكثر صفاقة، إذ صرح بفخر لبوب وودوارد “لقد أنقذته”، قاصداً محمد بن سلمان، تخيل عودة نيفيل تشامبرلين إلى لندن من مؤتمر ميونخ عام 1938، معلناً أنه أنقذ أدولف هتلر.
سمعة المملكة سيئة للغاية بين الحكومات الأخرى، حتى إنها كانت الدولة المرشّحة الوحيدة التي رفضت عضويتها في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في الجولة الأخيرة من التصويت، جاءت السعودية في مرتبة متأخرة عن الجميع، بما في ذلك نيبال التي كانت تفتقر إلى أموال الرياض ونفطها ونفوذها، لقد كانت عملية تقطيع أوصال خاشقجي التي قام بها بن سلمان أشنع من أن يتحمّلها حلفاؤه الديكتاتوريون.
إن الإدارة تعرف الحقيقة بالطبع، وعلى الرغم من سعيها الحثيث لتبييض الجرائم السعودية، يشير تقرير حقوق الإنسان الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية إلى: “قتل غير مشروع وإعدام على جنح غير عنيفة، واختفاء أشخاص بصورة قسرية، وتعذيب السجناء والمحتجزين على أيدي عملاء الحكومة، واعتقال تعسفي، وسجناء سياسيين، وانتهاك الخصوصية، وقيود على حرية التجمع السلمي، وقيود صارمة على الحرية الدينية، وافتقار المواطنين للقدرة والوسائل القانونية لاختيار حكومتهم من خلال انتخابات حرة ونزيهة، والتجارة غير المشروعة، والعنف، والتمييز الرسمي ضد المرأة، وحظر النقابات العمالية، ولم تعاقب الحكومة المسؤولين المتهمين بانتهاك حقوق الإنسان”.
لم يتغير شيء في اجتماع مجموعة العشرين، على الرغم من الضغوط على الرياض للإفراج على الأقل عن النساء اللواتي تم اعتقالهن لدعوتهن إلى الإصلاح الاجتماعي، في النهاية، رعت الرياض اجتماع عمل ركز “بشكل خاص” على “خلق مستقبل أكثر إنصافاً للمرأة في عالم الأعمال”، لكنها لم تطلق سراح أحد، على الأقل، باتت النساء الآن تتمتع بفرصة متساوية للسجن ظلماً.
بالفعل، جاء في صحيفة فاينانشيال تايمز: “استمرت موجات القمع، لايزال مئات النشطاء يقبعون في السجون، وتوفي أحد النشطاء المخضرمين في الحجز هذا العام، وتوفي كاتب آخر بعد وقت قصير من إطلاق سراحه”، وعلى الرغم من أن السعودية كانت تتصف بالقمع دوماً، لاحظ ناشط سعودي يعيش في الغرب أن التعذيب “بات الآن جزءاً منتظماً من السجن”، وأن “الاعتقالات بأثر رجعي تجري لأشياء أمست تعتبر الآن غير مقبولة”، لم يعد هناك ملاذ آمن: “لم تعد تعرف ما هي الخطوط الحمراء التي كان بإمكانك التنقل فيها من قبل”.
وبدلاً من تبني الإصلاحات، يرد النظام بأكاذيب مصاغة بعناية وتوجيهات مضللة، كان المكر على وجه الخصوص حديث سفير المملكة في أمريكا الأميرة ريما بنت بندر بن سلطان بن عبد العزيز آل سعود، فرفضت بلغة انكليزية لا تشوبها شائبة أولئك الذين “مازالوا متمسكين بآراء قديمة عن المملكة عفا عليها الزمن”، وقالت فيما يتعلق بحقوق الإنسان: “التقدم لا يسير بخط مستقيم، بل بخط منحن، والأهم هو أن تتجه نهاية المنحنى نحو العدالة والمساواة والتنوع والشمول بما يتماشى مع قيمنا وثقافتنا وتقاليدنا”، والذي لم تذكره ولم يرد في حديثها كان القضية الأساسية والأهم، وهي: الحرية والقمع السياسي اللذان وصلا إلى أوجهما في ظل محمد بن سلمان.
إن جرائم بن سلمان لا تحدث في الداخل فقط، إذ إنه حوّل نظام حكم المسنين الحذر إلى نظام أهوج وغاشم وباغ، ومن المفارقات أن السعودية أصبحت تشكّل خطراً أكبر على الولايات المتحدة من إيران التي ركزت عليها إدارة ترامب بحماقة.
أكبر جريمة لبن سلمان هي حربه على اليمن، إذ بدأت أزمة اليمن بانقسامها إلى ما يشبه دولتين منفصلتين كانتا في صراع منذ عقود، والسعودية هي من أشعل فتيل هذه الأزمة بتدخلها المتكرر، إذ إنها نشرت قواتها في اليمن لتنشر الوهابية وتزيد عدد المتطرفين في البلاد، وعندما أطاحت الجولة الأخيرة من القتال بين الفصائل بالحاكم اليمني الطيع، غزت الرياض اليمن، وعدت الحرب ثمناً زهيداً يجب دفعه لإعادة تنصيب نظام عميل.
كانت النتيجة خمس سنوات من الأهوال والمجازر، حيث أثبت الطيارون السعوديون أنهم بارعون في قصف حفلات الزفاف والجنازات والأسواق والحافلات المدرسية والشقق أكثر من قصف المقاتلين، ولكي تبيض الرياض صورتها، قدمت بعد ذلك مساعدات لتعويض الضرر، وعلى عكس المزاعم السعودية، لم يكن الحوثيون قط خاضعين لسيطرة إيران، التي نصحتهم بعدم الاستيلاء على صنعاء، عاصمة اليمن، لكن التجاوزات السعودية أجبرت طهران على الرد.
ونتيجة لحماقة الرياض، تحولت حملة الخمسة أسابيع إلى حرب دامت خمس سنوات، والمسؤولون السعوديون اليوم يتذمرون من الهجمات الصاروخية التي يشنها الحوثيون، بعد ارتكابهم مجازر في اليمن ونشر الفوضى والمآسي فيه، والجدير بالذكر أنه عندما نددت السفير ريما بإطلاق الصواريخ على السعودية، اعترفت بأن هذه الهجمات بدأت في عام 2016، أي بعد عام من بدء السعودية بقصف المدنيين في اليمن.
لسوء الحظ، دعمت إدارتا أوباما وترامب غزو الرياض لليمن ببيع الطائرات الحربية وتقديم الخدمات لها وتزويدها بالوقود، فضلاً عن إعادة إمداد الذخائر وتوفير المعلومات الاستخبارية، ما جعل الأمريكيين متواطئين في جرائم الحرب السعودية، في الواقع، يسمي اليمنيون هذا الصراع بالحرب السعودية الأمريكية، لذا لا ينبغي أن يتفاجأ الأمريكيون إذا قام المقاومون اليمنيون بالرد في يوم من الأيام.
للأسف، لم تكن هذه محاولة الرياض الوحيدة لنشر استبدادها في الخارج، إذ استخدم السعوديون القوات لدعم النظام الملكي الديكتاتوري في البحرين لقمع الاحتجاجات السلمية المؤيدة للديمقراطية، وكما هو الحال دوماً، ألقى النظامان الملكيان، اللذان لا يعرفان الرحمة، اللوم على إيران، كما موّلت السعودية الإرهابيين في سورية، والرياض متورطة بالمثل في الحرب الليبية، وقبل ثلاث سنوات، احتجز بن سلمان رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، وأجبر الأخير على إعلان استقالته، لكنه تراجع عنها عندما أطلق سراحه تحت ضغط دولي.
بأخذ كل ما ذكر بعين الاعتبار، نجد أن السعودية حليف من الجحيم، حكامها متوحشون غير أكفاء، وقتلة متهورون، ويتوقون دوماً إلى الدعم، بينما ينضحون بالغطرسة والخيلاء، ويبدو أن الرئيس جو بايدن يعرف ما يجب فعله، إذ إنه قال في العام الماضي: “سوف نوضح أن أمريكا لن تخون مبادئها مرة أخرى لمجرد شراء النفط أو بيع الأسلحة”، كما تعهد بأن “موت جمال خاشقجي لن يذهب سدى”.
الأهم من ذلك، يجب على واشنطن إنهاء الدعم الأمريكي للحرب في اليمن، كما ينبغي أن توقف محاولة الرياض جر أمريكا بطريقة أخرى إلى أية حرب، في الواقع، يجب على الإدارة الجديدة أن تجعل حياة بن سلمان صعبة قدر الإمكان بغية أن تكون الرسالة واضحة: “إما أن يغيّر محمد بن سلمان سلوكه أو تغيّر المملكة حاكمها”.