الخط الكوفي.. جمالية الفن العربي
الخط الكوفي العربي من أجمل الفنون العربية والإسلامية وأسماها، يرجع الفضل فيه إلى دور العرب الأوائل الذين ابتكروا جمالية الخط بأنواعه الجميلة، فأخذ العالم منها وطوّرها في تراثه كإرث عربي في الكتابة واللغات.
أقدم هذه الخطوط الخط الكوفي، وهو الذي جوّده علماء الكوفة الذين اقتبسوه من الخطوط القديمة لجزيرة العرب، وأنواعه كثيرة تفوق الثلاثين، نذكر منها: المكي، المدني، الأندلسي، الشامي، العراقي، العباسي، المصري، المشعب، الريحاني، الفاطمي، المملوكي، وكوفي المصاحف، وقد سئل أحد كتّاب المصاحف: متى يوصف الخط بالجمال؟ فقال: إذا اعتدلت أقسامه، وطالت ألفه ولامه، واستقامت سطوره، وضاهى صعوده حدوده، وتفتحت عيونه، ولم تشتبه راؤه ونونه، وأشرق قرطاسه، وأظلمت أنفاسه، ولم تختلف أجناسه، وأسرع إلى العيون تصوّره، وخيل إليك أنه يتحرك وهو ساكن.
ثم تطوّر الخط الكوفي إلى النسخ، ومنه إلى الثلث، ومن الخطوط المنتشرة حالياً، الفارسي، الرقعة، الديواني، وجلى الديواني، والتوقيع، إضافة إلى ما سبق ذكره، ومن البلاد التي ارتفعت وأبدعت في هذا الفن: إيران، تركيا، العراق، سورية، مصر.. ومن يزر قسم الخط في دار الكتب المصرية سيجد معجزة هذا الفن، وهي كتابة آية الكرسي كاملة على حبة أرز، وكانت الخاصة لمعظم السلاطين والوزراء في تركيا هي الخط العربي.
مما سبق ذكره يتضح لنا ما كان في نفوس الأوائل من حب لهذا الفن، وتقدير لهذا التراث العربي، والخط الكوفي بصورة خاصة في الآونة الأخيرة أهمل من قبل المؤسسات التراثية في البلدان العربية ولم تقم بعض هذه المؤسسات بطبع نسخة مرة أخرى بجمالية هذا الخط الذي يعبّر عن جمالية الفن الكوفي منذ عصر الإسلام وحتى قيام المؤسسات التراثية العربية في عهد الدولة العباسية التي استطاعت أن تدخل هذا الخط إلى جميع المدارس في خراسان ومرو وسمرقند والأندلس وإيران، كما أن الخليفة العباسي (المأمون) استطاع أن يكرم جميع الخطاطين الذين أبدعوا في صناعة الخط الكوفي.
لقد أهمل في الوقت الحاضر تدريس وتشجيع الخط الكوفي في الدول العربية والإسلامية، ونأمل في إحياء وإنقاذ هذا التراث الذي يحتضر، وأن يعود إليه شبابه، ولا يتحقق ذلك إلا بتزويد المدارس والمعاهد والجامعات بمتخصصين في هذا المجال، أي إحياء الخط الكوفي الذي كان محط اهتمام علماء الخط العربي الأوائل.
د. رحيم هادي الشمخي