الساكت عن الشكوى
هناك ما يمكن أن يشكّل ميزة وقيمة مضافة في ملف (المستهلك) وقوامها الخبرة المتراكمة التي تشكّلت مع الزمن بسبب التجارب التي أشعلت رأس المواطن شيباً، لكثرة وعدد الضربات التي أكلها على جنبات معيشته بعصا التجار التي لم ولن ترحم.
ولأن سياسة التجريب التي أدمت العلاقة بين المستهلك والتاجر فعلت فعلها سلباً عند الأول في الوقت الذي تعاظمت فيه مرابح الثاني، فإن الإمعان في الغبن قلما دفع المواطن إلى اتخاذ موقف المواجهة وليس الانصياع لجشع المتاجرين بلقمة الناس، وهذا ما ألفناه مع كل فنون الاستغلال التي مورست، ولاسيما الغلاء والاحتكار والغش والتدليس.
قد تكون حالة الانضباط والأخلاقيات الاجتماعية السائدة في مجتمعنا فرصة لتمادي التجار وشيوخ الأسواق، ولاسيما مع تردّد المستهلك في الشكوى على أسس تنبع من الالتزام الديني بعدم جواز قطع الأرزاق، وفي مبرر آخر عدم وجود الجدوى لاستفحال الفساد والرشوة، إلا أن المشكلة في استمرار استغلال الباطل أمام حق قانوني وشرعي يعزف المواطن عن ممارسته رغم أن (الساكت عن الحق شيطان أخرس) و(من غشّنا فليس منا).
اليوم هناك ما يدعو إلى إعادة النظر بسلوكيات استهلاكية مغلوطة دفعت شريحة التجار إلى الشطط في جنايتهم بحق الناس، حتى بوجود نصوص تشريعية من المفترض أن تكون رادعة، وفي مراحل متقدمة توقف المسيئين عند حدّهم وليس أولى من سلاح (المقاطعة) الذي يؤتي أُكله مباشرة دون الرجوع إلى القوانين التي طالما تعوّدنا عليها أن تكون مطاطة وفي مصلحة الحلقة الأقوى (التاجر) في أزمان تعوّد المواطن على الظلم العمودي والأفقي.
هنا لسنا بصدد الدفع بالناس نحو العزوف عن الأكل والشرب وشراء المستلزمات الأساسية التي لا يمكن الاستغناء عنها، بل هناك سلع ومواد ليست بالضرورية والملحة في الحياة اليومية يمكن اللجوء إلى خيار مقاطعتها عند قيام التاجر برفع سعرها دون مبررات مقنعة أو احتكار بعض المواد طمعاً بتثبيت سعر جديد، ولاسيما أن المتعارف عليه أن المستوى الذي يصل إليه سعر المادة ارتفاعاً لن يعود من جديد إلى الحدود الطبيعية إلا في حالات قسرية وزجرية تفرضها الحكومة على الأغلب بناء على ضغوط تصبّ في خانة إرضاء الشارع.
وفي معرض الكلام هذا لم تكن دعوة الكثيرين إلى مقاطعة بعض المواد التي يمكن الاستغناء عنها، إلا إحياء لماضٍ لم يخلُ من حملات طفت لفترة ثم خبت بسبب التراخي وعدم التطبيق، وهذا ليس جديداً في ظل إخفاق الحكومة في تكوين ثقافة استهلاكية وتسويقية تملك أدواتٍ وطرقاً أكثر فعالية من القوانين ذاتها، ومع كثرة السلع الثانوية أسوة بتلك الكمالية التي شجّعت الدولة على تأجيلها في ظل هذه الظروف للتقليل من الهدر وترشيد الاستهلاك، فإن سلاح (مقاطعة) هذه السلع ومعها التجار له من القوة والاستطاعة ما لم يستطعه نصّ تمادى التاجر في توظيفه واستغلاله بالتواطؤ مع موظفين مقنّعين بلبوس أبناء الدولة ولكنهم مخرّبون من الدرجة الأولى.
علي بلال قاسم