نظرة في الأمل
عبد الكريم الناعم
فور جلوسه قال له بتبرّم: “يا أخي من كان يتوقّع، أو يظن أن نمر بما نمر به، صدقني أنني أصبحت أتضجّر حتى من الأشياء المحيطة بي، أنظر فيما حولي في البيت فأكاد أشعر أنها عدوة لي، أو أنها تُحاصرني”.
أجابه: “بظني أن معظم الناس يعانون من ذلك بدرجات متفاوتة، ولعل المقلق في الأمر أن أحداً لا يعرف كم سيستمر هذا الحصار الذي سببته كورونا في العالم”.
قاطعه وكأنه يستعجل الوصول إلى فكرة يراها مهمة، فقال بشيء من الانفعال الخفي: “أنت تعرف أننا الآن، أعني الأكثرية، نافذتنا على العالم الخارجي هي شاشة التلفزيون، وأنا أتنقّل من محطة إلى أخرى، وأحياناً أشعر بالملل، فأستلقي دون نوم، فالهواجس بنت حرام، لا تترك لي فرصة لشيء من الراحة، المهم، معظم المحللين، وكبار المفكرين في العالم، يرون أن العالم ما بعد كورونا لن يكون كما كان قبلها، وإذا كانت الدول الغنية لديها ما قد يساعدها بهذا القدر أو ذاك، فكيف ترى حال بلدان العالم التي تشبهنا من حيث التركيب والموارد”؟.
أجابه: “الجميع سيخرجون منهكين بدرجة أو بأخرى، بيد أن بعض الدول الغنية لا أدري إذا كان غناها سيفيدها كثيراً، وأعني دول النفط العربي، بعد تقلّب أسعار البترول، دول المركز، واسمح لي أن أسميه “المركز القديم”، بالتأكيد ستواجه وضعاً جديداً، وعليها أن تبدأ من جديد لاستعادة شيء مما كانت عليه، وهذه الاستعادة، في رأيي، لن تكون في أزمنة قريبة، بل قد يحتاج ذلك إلى عقود، ولعل ما يهمنا بدرجة بالغة الخصوصية هو وضعنا في سورية الحالية، وإننا حتى الآن، إذا تمكنا من الخروج مما نشكو منه بأقل الخسائر فسوف يُقال إن بلداً صغيراً استطاع أن يُواجه هذه الجائحات بكفاءة عالية، وهذا الكلام لا يعني أنني لا أرى الأخطاء المتراكمة هنا وهناك، بل أنا أتحدث عن النتائج، وإذا نظرنا إلى سورية بما فيها من موارد فوق الأرض، وفي باطن الأرض، وإذا نظرنا إلى تنوّع المناخ والمحاصيل التي تُنتجها، يمكن القول إنها مع البلدان التي تشبهها قد تستطيع النهوض بسرعة، شريطة أن يُرافق ذلك الضرب بيد من حديد على أيدي الفاسدين، والمهربين، والضالعين في الإساءة للقمة المواطن العادي، وهؤلاء يشكّلون جائحة دائمة، تجدد نفسها كالوباء، فقد مات الضمير عندهم، فلا يعرفون إلا أرباحهم، ومزيداً من كنز الأموال على حساب جوع الجائعين، وحاجة المحتاجين، وهؤلاء إذا لم تُستأصل شأفتهم فسنعاني طويلاً، وأنت تعلم أن المعاناة تنتج المعاناة.
اسمح لي أن أعيد إلى الذاكرة ما وصلت إليه سورية في تسعينيات القرن الماضي وما قبله بقليل، وما بعده حتى أشعل المتآمرون فتيل الحريق العربي المدمر، فسورية وصلت درجة أنه لم يكن عليها قرش من الديون، وهذه حالة نادرة في بلد من بلدان العالم الثالث، والتجربة كانت قابلة للتطور، فكان من أهداف الحريق العربي إيقاف حركة النمو، وتحريك فتن وأحقاد تؤدي إلى بعثرة القطر الواحد، خدمة لأهداف الصهيونية العالمية، والتي هي هدف أمريكي بآن.
أعتقد أن علينا الآن ألا نترك شبراً من الأرض دون زراعة، وأن نشجع على الزراعات النوعية، النظيفة، وأن نكسر احتكار السوق من قبل كبار الوسطاء الذين تذهب معظم أتعاب الزارعين إلى جيوبهم، بينما المزارع لا يكاد يحصل على الكلفة التي تحمّل أعباءها ألا بشق النفس، إن كسر الاحتكار أمر أساس، وهو لا يقل خطراً عن أنواع الفساد الأخرى المتفشية”.
قاطعه: “تتكلم وكأنك قد نسيت أن بترول سورية محتل، ومنهوب، ومحافظة كادلب اشتُهرت بأنواع إنتاجها لاتزال محتلة!”.
أجابه: “لم أغفل عن ذلك، فالذي طرحته يُفترض أن يتواكب مع استمرار معركة التحرير التي نخوضها، ولا فصل بين المعركتين، والذي قلته، لو تحقق، فسيكون رديفاً نوعياً لقواتنا المسلحة في معركتها المقدسة.
aaalnaem@gmail.com