الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

“المنديل”عرض مسرحي بصري راقص يكسر المألوف

رغم كل الظروف التي يمر بها المسرح في بلادنا والمعوقات التي تحول دون مقدرته على مجاراة ومنافسة الفنون الأخرى، يبقى هناك فنانون يمتلكون حافز التجديد والابتكار وكسر المألوف للخروج بالمسرح من حالة الركود إلى الإبهار والحيوية، وضمن هذا المنطق يمكن إدراج تجربة العرض المسرحي البصري الراقص “المنديل” التي قدمت في الأمس على مسرح مديرية ثقافة حمص، فكرة وإخراج بسام حميدي وأداء خاجيك كجه جيان وسماح غانم، وإشراف درامي عروة العربي، كريوغراف نورس عثمان، تأليف ومساعد مخرج عبير عودة.

يعتمد العرض على المواءمة بين المشاهد الفيلمية البصرية والمؤثرات الموسيقية والأداء الحركي التعبيري الراقص الحي ضمن تشكيل مسرحي متكامل يهدف إلى تقديم قصة من خلال رموز لغوية تدعو الجمهور إلى قراءتها والتفاعل معها، فما تقوله حركات الجسد تكمله وتوضحه أو تضيف عليه الصورة الفيلمية المرئية والموسيقى، فهو تعبير صامت يعتمد على الإيماء، ومقدرة المتلقي على التقاط الفكرة بسرعة ووضوح من خلاله.

يركز العرض على لغة الجسد كعنصر أساسي يستفز خيال المتلقي ويولد استجابات انفعالية مختلفة لديه، ونستطيع القول إنه نجح في ذلك وقدم تجربة ممتعة وصلت فكرتها إلى الجمهور الذي تفاعل معها بحب وشغف.

في العرض زوجان كفيفان يعيشان حالة عشق روحي نقي جميل في منزل دافئ وصغير يسرحان مع خيالهم ليرسما لحياتهما أجمل الأشكال تحيط بها الورود والفراشات، يحلمان في ليلة ما أن العالم تطور والطب تقدم وعاد إليهما بصرهما، ليصطدما بالواقع المرير فتنشب الخلافات بينهما ويتحول منزلهما إلى مكان بارد تسكنه الأشباح والأفكار الشريرة فيقرران في النهاية إخراج كل واحد منهما منديله ويغلق عينيه ليعود أعمى من جديد لتعود إليهما حياتهما السابقة قبل أن يخيب أملهما بما شاهداه ببصرهما في الواقع وهكذا تعود البهجة والدفء إلى منزلهما الصغير.

فكرة بسيطة استطاع العرض تقسيمها بلغة الجسد والصور والموسيقى إلى أفكار تعبر عن بواطن وهموم الإنسان، في ظل واقع تسوده صور موحشة مشوهة الملامح.

تكامل العناصر المسرحية ساعد في إيصال الفكرة إلى المتلقي بدءاً من التعبير الدلالي للحركات الجسدية إلى المادة الفلمية البصرية المعبرة عن الديكور والحالة الانفعالية للعاشقين، إلى موسيقى أنت عمري لأم كلثوم وخاصة مقطع رجعوني عنيك لأيامي اللي راحت.. لتعبر مجتمعة عن مقولة العرض ضمن مدة زمنية  استمرت لأكثر من نصف ساعة من الأداء الراقي والممتع.

آصف ابراهيم