هل تنسحب القوات الأمريكية من ألمانيا؟
ترجمة وإعداد: عائدة أسعد
أصبح الانسحاب الجزئي للقوات الأمريكية من ألمانيا، والذي أعلنه الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب، موضع شك الآن، وحسب محللين سياسيين لا تزال ألمانيا بحاجة إلى التفكير بجدية في أمنها، فمن المرجّح أن تبقى القوات الأمريكية متمركزة في ألمانيا على الرغم من قرار ترامب.
لقد صوّت مجلسا الكونغرس الأمريكي – مجلس الشيوخ ومجلس النواب – لعرقلة خطط الانسحاب الجذري للقوات الأمريكية من ألمانيا، والتي أعلن عنها ترامب في حزيران الماضي.
صحيح أن الكلمة الأخيرة لـ ترامب وبإمكانه أن يستخدم حق النقض ضد مشروع قانون الإنفاق الدفاعي الذي يرفض الانسحاب، لكنه لن يظل في منصبه لفترة أطول، وقد حذر الخبراء العسكريون في جميع المجالات منذ البداية من اتخاذ مثل هذه الخطوة.
تحدّث ترامب بصراحة عن خطط الانسحاب باعتبارها عقاباً لألمانيا، وكرر انتقاداته بأن برلين كانت تنفق القليل جداً على الدفاع، وصرّح أنه قد يعيد النظر في الأمر برمته إذا قررت المستشارة أنجيلا ميركل فتح قيود الحكومة.
وبالنسبة لعدد غير قليل من المراقبين يعتبر إعلان الانسحاب بمثابة نوع من الانتقام بعد أن رفضت ميركل السفر إلى الولايات المتحدة للقاء ترامب في قمة مجموعة السبع لهذا العام، وكانت ميركل قد سئمت من ترامب، وحتى هو لاحظ ذلك.
والشيء المذهل في القصة بأكملها من وجهة نظر ألمانية هو كيف كان رد فعل الحكومة في برلين في الأساس، فقد كانت هناك بعض كلمات الأسف الضعيفة من السياسيين في مقاعدهم الخلفية، وعلى ما يبدو أن ألمانيا لم تأخذ خطة الانسحاب الفوضوية على محمل الجد.
كانت برلين ولا تزال تعرف أن أكثر من 34000 جندي أمريكي في ألمانيا مهمون للغاية بالنسبة للإستراتيجية العسكرية الأمريكية، على سبيل المثال كقاعدة لعمليات في الشرق الأوسط وأفريقيا. لقد كان الموقف الألماني ببساطة هو الاعتماد على خسارة الرئيس لانتخابات تشرين الثاني والأمل في أوقات أفضل في المستقبل وقد تحقق الجزء الأول على الأقل.
ولكن حتى لو ظل وضع القوات الأمريكية في ألمانيا في جميع الاحتمالات دون تغيير، فهذا لا يعني أن برلين يجب أن تتجاهل الجدل حول احتياجاتها الأمنية، وهو الأمر الذي استمر لسنوات عديدة، فهي لا تزال بعيدة عن إنفاق 2٪ من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع الذي وعدت به في قمة الناتو 2014 في ويلز، ويمكنها أن تتوقّع استمرار النقد على هذه الجبهة من الإدارة الأمريكية المقبلة أيضاً، ومن المحتمل أن يكون التوبيخ أكثر اعتدالاً في لهجته، ولكنه واضح بالتأكيد في معناه.
ألمانيا تتعامل مع مسألة من يجب أن يعتني بأمنها، وما الذي ينبغي أن تساهم به في هذا الجهد، بنفس الموقف الغريب المتوتر الذي ميّز رد الفعل على تهديد ترامب، وهذا الموقف هو بلا شك نتيجة حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، فقد كان الأمن في ألمانيا الغربية دائماً موضع اهتمام الآخرين من قبل الحلفاء الغربيين.
عندما بدأ ترامب حملته الانتقامية من المستشارة أظهر استطلاع أن 47٪ من الألمان يؤيدون خفض القوات الأمريكية، حتى أن ربعهم أراد انسحاباً كاملاً، وبالكاد أراد الثلث الاحتفاظ بهم في قوتهم الحالية. ويعتقد الألمان بأنه يجب ألا تتمركز القوات الأمريكية في ألمانيا بعد 75 عاماً من نهاية الحرب، وخاصة إذا صدرت أوامر بشن هجمات بطائرات أمريكية بدون طيار في جميع أنحاء العالم من الأراضي الألمانية، وظلت الحكومة الألمانية في الظلام، فإن الانتقاد له ما يبرره.
لكن حتى الآن لم تقدم برلين أي خطة أو حتى فكرة حول كيف يمكن لألمانيا أن تعتني بأمنها العسكري في أحسن الأحوال بالشراكة مع جيرانها الأوروبيين عدا عن مسألة ما إذا كان المجتمع الألماني سيدعم وجود المزيد من الجيش في المقام الأول.
من المرجّح أن يبقى الجنود الأمريكيون في البلاد، ويمكن لولاية راينلاند بالاتينات أن تتنفس الصعداء لدعمها الاقتصادي المستمر. وبالفعل تمّ التصويت على العم العجوز البغيض في البيت الأبيض، لكن هذا يعني أيضاً أن برلين، وإن كانت قادرة على تأجيل مناقشة سياستها الأمنية مرة أخرى، فإن نهجها هذا لن يساعد في حل المشكلة.