المنطقة: بعد ترامب..قبل بايدن
أحمد حسن
“حتى تتعافى أميركا لا بد من بايدن”، كانت تلك جملة توماس فريدمان التي أطلقها في خضم السباق الانتخابي المرير للرئاسة الأمريكية. فريدمان ذاته وبعد نجاح بايدن بالوصول إلى سدة الرئاسة في البيت الأبيض، وبالتالي بدء تعافي أمريكا بحسب مقولته السابقة، أطلق فجأة مقولة جديدة مفادها: “احتفظوا بالشمبانيا في الثلاجة. المسألة معقّدة”.
ما سبق ليس لغزاً، فالرجل، بما ومن يمثّل، وبعد أن تحقّق له حماية أمريكا كما يراها، ويرونها، انتقل الآن -وقبل أن ينتقل بايدن إلى البيت الأبيض- إلى المرحلة الثانية وهي حماية “إسرائيل”. هنا لا بد من التذكير بأن لفريدمان تاريخ طويل في هذه الحماية، ربما كانت المبادرة العربية الشهيرة، وهو كاتبها الحقيقي، أبرز محطات هذا التاريخ، لكن وبعد أن أضحت المبادرة خلفه في ظل هذا الانبطاح العربي الكامل الذي تجاوز بنودها جميعاً بأفضل مما كان يريد، يجد فريدمان أن الخطر اليوم ينحصر بقضية البرنامج الصاروخي الباليستي والصواريخ الدقيقة التي يملكها محور المقاومة وتقض مضجع قادة وجنرالات “إسرائيل” كما يقول، وأيضاً مضجع “حلفائها” في المنطقة، كما تقول الوقائع المتتالية.
البرنامج، كما يعرف فريدمان وينكر، بالإضافة إلى أنه حق طبيعي ومشروع، فهو أيضاً يشكّل نقطة قوة وحماية لفريق عانى طويلاً من عدوانية “إسرائيل” النووية المستمرة، سواء على الشعب الفلسطيني أو على بقية دول الجوار، لذلك لن يتنازل عنه بسهولة، ولذلك، أيضاً، “المسألة معقّدة” وحلًها لن يكون، بحسب فريدمان، إلا عبر ربط العودة للاتفاق النووي بها، وهو رأي لا يشاطره فيه الرئيس المنتخب على ما يبدو، إذاً لا داعي للشمبانيا الآن.
للإيضاح أكثر، بايدن قال في مقالة له بتاريخ 13 أيلول على موقع CNN: “إذا عادت إيران إلى الامتثال الصارم بالاتفاق النووي، فإن الولايات المتحدة ستعاود الانضمام إلى الاتفاق باعتبار ذلك نقطة انطلاق لمتابعة المفاوضات”، وهذا كلام عاد وأكّده في مقابلة مع فريدمان ذاته. أي أن الصواريخ، وسواها، تأتي لاحقاً. فالمدخل هو الاتفاق النووي. أحد الأبواق الإعلامية العربية الصغيرة أعفانا من قراءة جواب فريدمان حين قال: “هنا تكمن السياسة الأميركية غير الواقعية التي أحسن ترامب عدم النجاة من حبائلها”، إذاً كان ترامب واقعياً بحسب هؤلاء!!.
ومرة جديدة، ولأن فريدمان لا يمثل نفسه فقط -فهو يتحدّث بلسان فريق وازن في الداخل، والخارج، الأمريكي -جاءت التغطية الصاروخية سريعاً لأفكاره من مكانين متباعدين جغرافياً متقاربين في هدف حماية “إسرائيل”، أوروبا ممثلة بألمانيا وفرنسا، الأولى علناً والثانية مواربة، والخليج ممثّلاً بممالك التطبيع المجاني السريع.
استطراداً، هنا فقط يمكن فهم توقيت المصالحة الخليجية المقبلة رغم عدم انتفاء أسبابها الفعلية. فهي، كخطوات التطبيع التي سبقتها، تأتي في سياق عمل مضن لتغيير الطبيعة الاستراتيجية في الشرق الأوسط بهدف بناء جدار حماية دائم وفعّال، وبدون ثقوب، حول “إسرائيل”، وبناء سد مانع دائم وفعّال، وبدون ثقوب أيضاً، حول ايران وحلفائها.
بالطبع، ليس كل ذلك في سبيل حماية “إسرائيل” فقط، بل حماية لأنفسهم أيضاً، فالبعض في المنطقة بدأ يتحسّب من تبعات ما بعد الترامبية، وانعكاسات ذلك على موازين المنطقة، في كل ساحاتها، ونشوء معادلات “بايدينية” جديدة غير مرغوبة أو مقبولة.
لسان حال فريدمان وفريقه “الإسرائيلي”: عزيزي جو، إنها الصواريخ الدقيقة!. لسان حال المقاومين هذا صحيح فليس هناك ما يردعكم سواها.