أقـل مـا يـقـال.. بورصة دمشق لا تزال غير جاذبة..!
“البعث الأسبوعية” ــ حسن النابلسي
لعل انفراد سوق دمشق للأوراق المالية عن نظيراتها في كثير من البلدان لجهة استمرارها بالعمل خلال سنوات الأزمة، وعدم إغلاقها، لا يشفع لها تدني ثقافة الاستثمار فيها لدى عديد الشرائح التي لا يزال يستهويها الاستثمار في العقارات والمضاربة بسعر الصرف..!
كما أن تمرد بورصة دمشق الإيجابي على العرف الاقتصادي المتفق عليه من قبل أسواق المال، والمتمثل بـ “سرعان ما تنهار هذه الأسواق – أو يتم تعليق نشاطها على الأقل حتى إشعار آخر – لدى حدوث أدنى اهتزاز أو أزمة ما”، واستمرارها – أي بورصة دمشق – بعمليات التداول في أحلك الظروف التي مرّ بها الاقتصاد السوري، لم يجعل منها مقصداً جاذباً للاستثمار حتى الآن..!
هنا تبرز عدة مآخذ على بورصة دمشق لا يمكن إغفالها، أبرزها محدودية قيمة التداول على مدى ما يزيد عن عقد من الزمن، وافتقادها الصفقات الضخمة، إضافة إلى أن الشركات المدرجة فيها لا تمثل الاقتصاد السوري حيث يسيطر القطاع المصرفي على النسبة الأكبر من إجمالي عدد الشركات المدرجة، إلى جانب قطاع التأمين الممثل بست شركات. أما القطاعات الاقتصادية، وبشكل خاص الصناعية، فهي ممثلة بشركة واحدة فقط، هي الشركة الأهلية لصناعة الزيوت النباتية، وشركة “نماء” الزراعية التي تندرج في السوق تحت القطاع الصناعي أيضاً. وبشكل عام يمكن القول إن البورصة السورية تمثل القطاع الخدمي في سورية، وهي لا تعكس أبداً واقع الاقتصاد السوري المتنوّع، الأمر الذي يعني أنها لا يمكن أن تقدّم انعكاساً للحالة الاقتصادية السورية، كما أن ثقافة الاستثمار في البورصة لا تزال بحدودها الدنيا، إن لم تكن شبه معدومة من جهة ثالثة..!
ولم تشكل البورصة إلى الآن مطرحاً استثمارياً مغرياً بدليل عدم لجوء الأيادي التي حرّكت أموالها من خلف الستار، والمضاربين بسعر الصرف في السوق السوداء نحو البورصة كمطرح استثماري، ولاسيما أن الانخفاض الذي طرأ على أسعار الأصول المالية المتداولة في سوق دمشق للأوراق المالية، خلال فترة الأزمة، لم يكن حقيقياً ليعكس بدقة انخفاض النشاط الحقيقي للشركات المدرجة؛ وبالتالي، من الطبيعي أن تعاود أسعار هذه الأصول الارتفاع بالتزامن مع عودة الثقة “جزئياً” إلى الاقتصاد السوري، ورغم ذلك لم يلفت انخفاض أسعار الأسهم المستثمرين، لأسباب تتعلق بالدرجة الأولى بتقصير إدارة سوق دمشق للأوراق تجاه تفعيل ثقافة الاستثمار في البورصة، يضاف إلى ذلك أن الطابع غير المتجانس لبورصة دمشق هو أحد عوامل ضعفها، فالقطاعان المصرفي والتأميني هما المسيطران عليها، في ظل غياب واضح للشركات الإنتاجية والصناعية الممثلة بشركتين فقط…!.
طالما تم التعويل على أن تمتص بورصة دمشق – وعبر أسهم الشركات المدرجة فيها – المدخرات العائلية المجمدة سلباً بعيداً عن قنوات التوظيف، خاصة في ظل توجه السواد الأكبر من صغار المدخرين إلى تقويم مدخراتهم بالدولار خلال سنوات الأزمة، بغية الحفاظ على قيمتها مع بداية تراجع سعر صرف الليرة؛ إلا أن رجع صدى هذا التعويل لم يكن بالمستوى المعوّل عليه، نظراً لأن العوائد السنوية المحققة من الأسهم لا تتوازى مع ثمن هذه الأسهم، وإنما تكمن بعملية المضاربة في جلسات التداول التي تحتاج إلى خبرة تُمكِّن المضارب من معرفة “من أين تؤكل الكتف”، كي يتحين الفرصة المناسبة لبيع أو شراء الأسهم، فهذا المعترك الاقتصادي له أهل كاره المعروفين باسم “الهوامير”، فهم الأدرى بشعاب أسواق المال ولحظات صعودها ونزولها، والناجمة عن تحولات دقيقة تخدم كبار الهوامير.
هذا الأمر قد لا ينطبق على بورصة دمشق تحديداً نظراً لأن الأخيرة لا تزال في طور النمو نسبياً مقارنة بنظيراتها العالمية الموغلة في القدم من جهة، ولكونها تخضع لضوابط تمنع حدوث هزات كبيرة تؤثر على صغار المضاربين، لاسيما من ناحية عدم ترك مجال المضاربة مفتوحاً لا صعوداً ولا نزولاً من جهة ثانية، ولكن رغم تأمين سوق المضاربة في بورصة دمشق لحماية المضاربين، إلا أن الهواجس لا تزال تتملك صغار المدخرين، وأحياناً كبارهم، وذلك لافتقادهم ثقافة الاستثمار في سوق دمشق للأوراق المالية..!.