الثقافة.. مالها وما عليها!!
“البعث الأسبوعية” ــ سلوى عباس
وصلت الثقافة في عصرنا إلى حال يشوبها الكثير من الضبابية، بطغيان ثقافة تفتقد للموهبة والإبداع، فهل يعود السبب للمؤسسات الرسمية في ترسيخ هذه الحالة من التهميش الثقافي؟ أم أن العلة في المثقفين أنفسهم؟ إذ لا يمكن وضع المؤسسات الثقافية، أو المعنية بالثقافة، كلّها في سلّة واحدة، فثمة مؤسسات تجتهد في الكشف عن المواهب، وثمّة مؤسسات عطّلت نفسها بنفسها، واكتفت من دورها، في هذا المجال، بما ينجز كوظيفة فحسب؛ وفي الحالين معاً، لا يمكن الحديث عن حراك ثقافي يؤكّد أنّ الحياة ولود بالمواهب دائماً، وأنها لا تعرف العطالة، أو الاستقرار، أو السكون، وهذا ما لمسناه في كثير من الملتقيات والمهرجانات التي أصبحت تحكمها ثقافة الواجب، أو ثقافة رفع العتب؛ ففي أي مهرجان شعري يقام – احتفاءً بشاعر ما – نرى الأسماء التي تشارك في كل عام هي ذاتها التي تشارك في دورات لاحقة لهذا المهرجان، وربما يلقون القصائد ذاتها، ولا ندري لماذا يقتصر الأمر على بعض الأسماء، علماً أنه وفي السنوات الأخيرة سمعنا بالكثير من الأسماء لشعراء يغطون عشرات المهرجانات، وليس مهرجاناً واحداً، وجميعهم نالوا ألقابهم الشعرية من مؤسسات ثقافية اعتبارية، فإذا كانت تلك المؤسسات قد طبعت مجموعات شعرية لهؤلاء الأشخاص ونصبتهم شعراء، حسب معاييرها، ودون أن تقتنع بهم، لماذا تستبعدهم عن تلك المهرجانات؟ أم أنها لا تراهم أهلاً للمشاركة، وبالتالي كيف أسموهم شعراء؟
أيضاً، في كل حدث أو مناسبة ثقافية، وتحديداً خلال سنوات الحرب، يدور الحديث عن أهمية التكامل بين الثقافة والإعلام بكل مجالاته – المقروء والمسموع والمرئي – والتأكيد من قبل الجهات المعنية بالشأن الثقافي على أن أهمية الثقافة تكمن في العمل على بناء الإنسان، وإعادة تكوين العقل الذي تهدّم، عبر خطاب تنويري علماني وطني يمثل هوية للمشروع الثقافي، وضرورة أن تكون متابعة النشاطات الثقافية التي تقوم بها الوزارة من قبل الإعلاميين متابعة الناقد الممحص، ومن لا يتقبل النقد لا يستطيع أن يبني أو يحقق مشروعاً ثقافياً، مع التأكيد على موضوعية الرأي في كل ما يطرحه الإعلاميون في تحليلاتهم للنشاطات التي يتابعونها، لأنه يمثل حالة وطنية مرموقة تُستكمل بتفاعلنا المشترك بالنهوض بالعمل الثقافي وتحويله إلى منظومة جديدة تقوم على أساس تقديس الرموز الوطنية وتحريض روح المبادرة والإبداع، وأن ثقافة المقاومة ليست رد فعل على ثقافة الآخر، بل هي مواجهة ثقافة الموت التي يمارسها الآخرون علينا، فدورنا أن ندافع عن حقنا بالحرية المسؤولة في التعبير عن كل ما نريد طرحه من قضايا، والدفاع عن قناعاتنا الوطنية والانتماء للوطن الذي يمثل المرجع النهائي لنا، فنحن مهددون أكثر من أي وقت مضى بوجودنا، والحل يبدأ من الثقافة والفعل، والحديث عن الماضي يمثل محطات معينة نسترشد بها للمستقبل، لأن الحياة ملك هذا المستقبل، والثقافة هاجس مغاير لما هو سائد، هي مهمة نبيلة ترسخ وعياً عاماً يستجيب لمعطيات الراهن، ويكون له المرونة ليتحصن تجاه أي فكر خلافي آخر، والعمل على إنتاج حالة مشتركة بين الصحافة والثقافة وخلق مساحات إضافية للإبداع.
انطلاقاً من هذه الطروحات، وما قدم مؤخراً من نشاطات ثقافية بمناسبة يوم الثقافة السورية، بما تضمنته من فعاليات وندوات تناولت قضايا الثقافة بشكل عام، حيث تشابهت فيها الموضوعات المطروحة في فعاليات سابقة، وتكررت أسماء المحاضرين أيضاً، ما يطرح أسئلة كثيرة تخطر في ذهن المتابع للحركة الثقافية ونشاطاتها، وأسباب تراجعها، والهوة القائمة بين الثقافة والجمهور؛ فقد يخطر بالبال أن السبب يكمن في القائمين على إدارة النشاطات الثقافية، وعدم اختيارهم للباحثين لمعالجة الموضوعات التي يختارونها، وربما يكون السبب في طبيعة الموضوعات التي تطرح للمعالجة.. والمفارقة بعدد الحضور لهذه الفعاليات الذي لا يتجاوز الثلاثين شخصاً، وأغلبهم إما من موظفي الوزارة والمكتبة، أو من أصدقاء المنتدين وذويهم. فالثقافة تقيّم بما أنتجت من فعل ثقافي ملموس، وهذه الندوات على أهميتها تفقد فاعليتها إذا لم تترجم إلى فعل ثقافي حقيقي على أرض الواقع، مع متابعة المعنيين بالشأن الثقافي لخطوات تنفيذها، فشؤوننا وقضايانا في جدول أعمال كل ندوة أو ورشة عمل تكون بأحسن أحوالها، ونكون جميعنا متحمسين لإنجاز مشروع ثقافي يرتقي بالثقافة ويليق بها، لكن مع كل الأسف كان الوهج وحماس المشاركين يخبو ويتلاشى بمجرد الخروج من قاعة الاجتماعات.