نمو اقتصادي.. أركان ودوران
يُعتبر اختيار أسلوب تحقيق التنمية الاقتصادية أحد الأركان الرئيسية لقيام هذه العملية ودوران عجلتها بشكل عملي ومتسارع، ولعلّ أهم ما يُعيق النمو الاقتصادي ويعمل على تحجيمه هو عجز الحكومة عن إنتاج ما تحتاجه بتكاليف تناسب ميزانيتها، إضافة إلى سبب جوهري ومهمّ جداً يتمحور في عجز السوق الداخلية والمحلية للبلد لاستيعاب الزيادة والفائض عن الإنتاج، وبناءً عليه فلن يكون النمو الاقتصادي موجوداً في اقتصاد بلد غير قادر على توفير ما يُغطي تكاليف ما يحتاج من منتجات مع ضيق وضعف أسواقها الداخلية، ولذا كانت عولمة الاقتصاد ضرورة لا بد منها لتجاوز كل ما يُحَجم النمو الاقتصادي وكسر قاعدة السوق الداخلية الضيقة.
وبالعودة إلى علم الاقتصاد يُلاحظ أنه يعمل على إيجاد توازن بين حاجات المجتمع وزيادة إشباع هذه الحاجات، لأن مصلحة كل دولة تتجلّى في الحصول على أكبر قدر من الموارد لكفاية حاجات مواطنيها، إيماناً منها بأن الإنسان هو صانع التنمية ومحرك عجلة الاقتصاد مع مراعاة وجود ضوابط للحصول على هذه الموارد، وإذا لم يحصل هذا الضبط فسيكون الوضع أمام حالة فوضى تُؤدي إلى فرض الهيمنة من قبل القويّ على الضعيف، وهنا تظهر الضرورة الملحة للتنسيق بين السياسة والاقتصاد.
يُمكن تعريف التكامل الاقتصادي على أنه خلق الهيكل المناسب للاقتصاد، حيث يتمّ إزالة كل العوائق المصطنعة وإدخال العناصر اللازمة للتنسيق، ويجدر القول بأن التكامل كعملية يشمل جميع الإجراءات اللازمة بين الوحدات الاقتصادية، وبالنظر إليه كحالة فقط فهو يعني المرحلة التي تزول فيها جميع صور التمييز بين الاقتصادات الوطنية، وتُعطي كل التعاريف للتعامل دوراً مهماً جداً في تحرير التجارة وتنسيق السياسات، إضافة إلى توفير معدل نمو مرتفع، وفي هذا السياق يجد المتابع بأن مفهوم التكامل الاقتصادي يتضمن النقاط البارزة التالية:
– اعتباره شكلاً متطوراً للعلاقات الاقتصادية بما يحويه من تنسيق وتحقيق.
– يُعدّ عملية تنسيق بين مجموعة أنظمة سياسية معينة ومتجانسة، طبعاً وهذا التنسيق يظهر من خلال آلية إجراءات التجارة والإنتاج.
يُمثل التكامل الاقتصادي عنصراً رئيسياً في ميدان العمل وقاعدة راسخة ومنطلقاً مادياً مهماً جداً وأرضية صلبة لتعزيز مناحي التنمية الشاملة، ويُعاني التكامل الاقتصادي من سلة عقبات عديدة، ويُعدّ القرار السياسي التزاماً واعتباراً مهماً للغاية، فمن دونه لن يكون هناك أي شكل من أشكال التنسيق والعمل المشترك اللذين يُعتبران أركان المحور الأساسي لقيام التكامل الاقتصادي، كما أن النكسات المعنوية والضغوط الخارجية أضعفت العقل بأسره وجعلته خاملاً عن التفكير وعاجزاً عن إيجاد مخرج لتكامل فعّال وتنسيق مثمر وتعاون جديّ، ويمكن اعتبار كل ما سبق حاجزاً منيعاً في وجه ولادة تكامل اقتصادي وجعله صعب التحقيق وبعيد المنال، كما أن كل ما تمّ ذكره سابقاً هو الجزء اليسير من المصاعب التي واجهت هذا المشروع الذي قد يكون صعباً، ولكن ليس بمستحيل، وهذه النقطة مهمة للغاية ويجب التنويه إليها وعدم إغفالها، وألا تشكل عقبة في طريق الشعوب بل على العكس تماماً، حيث يجب أن تُشكل الحافز والدافع على الانطلاق اقتصادياً وسياسياً، لأن الوقوف عند الماضي والبكاء على الأطلال وكذلك التحجر والجمود لن يُحقق هدفاً واحداً من الأهداف المتعدّدة المنشودة، وإن كان هناك من عثرات وعوائق فلا بد من العمل على تخطيها وتجاوزها باستخدام المقدرات المتاحة والآليات المتناسبة مع الخطط الموضوعة، ومع ندرة العنصر البشري وطاقات العمل الشابة بالنوعية اللازمة نظراً للظروف القاسية التي عصفت بالبلاد من حرب وحصار، وكذلك نتيجة لاستنزاف الهجرة الدائم، يجب الانتباه إلى نقطة مهمة وهي ضرورة تنمية الموارد البشرية بشكل علمي وعملي لنجاح جهود التنمية وتحقيق تطلعات آفاق النمو وإقلاع مسيرة الإعمار والبناء واستمرارها بوتيرة عالية وبصدق وإخلاص.
د. بشار عيسى