شبح الجوع.. اليمن أكبر كارثة إنسانية
إبراهيم أحمد
فيما تزداد الصراعات السياسيّة والنزاعات المسلحة في العالم، رغم جائحة كورونا التي ألقت بظلالها القاتمة على مختلف أنحاء المعمورة، والآثار السلبية التي تركتها على معظم الاقتصادات العالمية، تتزايد يوماً بعد يوم المخاوف من ازدياد عدد الجوعى في العالم، بشكل قد يُفجّر المزيد من الصراعات بل ويخلق بيئة خصبة للتطرف والعنف، لاسيما أن الكفاح من أجل لقمة العيش يعدّ أمراً مشروعاً تقرّه كل الشرائع والقوانين الوضعية، باعتباره يمثل حق الإنسان في الحياة.
وفي تقرير عن حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم، صدر في الثالث عشر من تموز الماضي عن منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، والصندوق الدولي للتنمية الزراعية، ومنظمة اليونيسيف، وبرنامج الأغذية العالمي، إضافة إلى مشاركة منظمة الصحة العالمية، يشير إلى أن عدد الجياع في العالم آخذ في الارتفاع، حيث انضم عشرات الملايين من الأشخاص إلى صفوف من يعانون نقص التغذية المزمن خلال السنوات الخمس الماضية، وما زالت العديد من البلدان في جميع أنحاء العالم تعاني أشكالاً متعددة من سوء التغذية.
وذكر التقرير أن ما يقارب 690 مليون شخص عانوا الجوع في عام 2019، أي بزيادة قدرها 10 ملايين نسمة مقارنة بعام 2018، وبنحو 60 مليون نسمة خلال فترة خمس سنوات، موضحاً أن ارتفاع التكاليف وتراجع القدرة على تحملها يعني أيضاً أن مليارات الأشخاص غير قادرين على تناول أغذية صحية أو مغذية. وفي تعقيبه على هذا التقرير أكد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، أن تقرير هذا العام يرسل إشارة ذات بُعد واقعي، مفادها بأنه “في معظم أنحاء العالم، لا يزال الجوع راسخاً ويتزايد”. وأضاف التقرير: إن البلدان تواصل مواجهة سوء التغذية بجميع أشكاله، مشيراً إلى أن جائحة كورونا تجعل الأمور أسوأ. وأنه قد ينزلق المزيد من الناس في براثن الجوع هذا العام. ونبّه أيضاً إلى أنه إذا استمر الاتجاه الحالي، فلن يتمّ تحقيق التنمية المستدامة المتعلقة بالقضاء على الجوع بحلول عام 2030، داعياً إلى جعل النظم الغذائية أكثر استدامة ومرونة وشمولاً للناس والكوكب.
ويبدو أن التقارير المفصّلة حول الجوع في العالم، لا تخفي التخوف من أن يكون هذا الجوع سبباً في اندلاع المزيد من الحروب، ولاسيما في الدول الفقيرة، في آسيا وإفريقيا، حيث يشير التقرير الأممي المذكور إلى أن عدد الجياع في آسيا يناهز (381 مليون شخص)، تليها إفريقيا، التي تسجل أسرع معدل زيادة بما يقارب (250 مليون شخص)، ثم أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي، حيث يقترب عدد الجوعى من 48 مليون شخص. كما تشير التقديرات إلى أن جائحة كورونا قد تدفع بأكثر من 130 مليون شخص إضافي من جميع أنحاء العالم إلى دائرة الجوع المزمن بحلول نهاية عام 2020.
أمام هذا الواقع الرهيب وفي ظل استمرار الصراعات التي تغذيها في الكثير من الأحيان القوى الاستعمارية، لإلهاء الشعوب وسرقة ثرواتها، تبدو قضية مواجهة الجوع قضية عالمية بامتياز، ومسؤولية التصدي للجوع مسؤولية أخلاقية تقع على عاتق المجتمع الدولي كله، لأن آثاره الكارثية لن تنحصر في بقعة جغرافية محدّدة، بل تطال العالم بأسره، على الرغم من أن الأكثر تضرراً ستكون تلك الشعوب الفقيرة، ولاسيما منها الغارقة في صراعات تغذيها القوى الاستعمارية.
في هذا الإطار لا بد من الإشارة إلى ما يُعانيه اليمن “السعيد” الذي بات فريسة الحرب والفقر والمرض والصراعات المستمرة، حيث يدفع ملايين الضعفاء ضريبة الحرب التي مزقت بلادهم، إذ أن نحو80% من سكان اليمن البالغ عددهم 29 مليون نسمة يعتمدون على المساعدات الإنسانية لكنها لا تكفي. وفي هذا الإطار حذّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من أن اليمن الآن مهدّد بأسوأ مجاعة شهدها العالم منذ عقود، وقال إنه في حال عدم اتخاذ إجراء فوري قد تزهق ملايين الأرواح.
يأتي تحذير غوتيريش في الوقت الذي تهدّد فيه الولايات المتحدة بوضع فصيل يمني على “القائمة السوداء” في إطار حملة “الضغوط القصوى” على الشعب اليمني، وأثار موظفو الإغاثة مخاوف من أن مثل هذه الخطوة قد تمنع وصول المساعدات اللازمة لإنقاذ الأرواح إلى البلاد. وأرجع غوتيريش سبب المجاعة في اليمن إلى الانخفاض الكبير في تمويل عمليات الإغاثة والفشل في الحفاظ على الدعم الخارجي للاقتصاد اليمني، ولاسيما في استقرار قيمة الريال. وحثّ كل من لهم نفوذ على التصرف بشكل عاجل لدرء الكارثة، وأن يتجنّب الجميع اتخاذ أي إجراء من شأنه أن يجعل الوضع المتردي بالفعل أسوأ. وتصف الأمم المتحدة اليمن بأنه أكبر أزمة إنسانية في العالم، حيث يحتاج 80% من سكانه إلى المساعدات، حيث يفتك سوء التغذية بأطفال اليمن. وفي هذا الشأن قال منسق الشؤون الإنسانية والإغاثة في حالات الطوارئ بالأمم المتحدة مارك لوكوك إن المنظمة الأممية تلقت أقل من نصف احتياجاتها هذا العام (نحو 1.5 مليار دولار) لعملياتها الإنسانية في اليمن، وكانت المنظمة قد تلقت 3 مليارات دولار العام الماضي.
ويمكن القول إن الإجراءات الأمريكية لن تسهم بالتأكيد في إحراز تقدم في اليمن، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى تعقيد عملية (السلام) برمتها وعمل الأمم المتحدة كذلك، وتمعن في إفقار الشعب اليمني وتزيد من حالات البؤس وموت الآلاف من اليمنيين. وقال رئيس المجلس النرويجي للاجئين يان إيغلاند إن منظمته انضمت إلى مجموعات إنسانية أخرى “في الإعراب عن القلق العميق إزاء احتمال خلق عقبات إضافية لا يمكن تجاوزها أمام تقديم المساعدات الحيوية في اليمن”. وأضاف: إنه إذا مضت الولايات المتحدة قدماً في هذه الخطوة فإن عليها إصدار “إعفاءات واضحة لا لبس فيها” من شأنها أن تسمح لعمال الإغاثة بالعمل دون خشية من التداعيات القانونية. وتحدثت عاملة إغاثة عن تحذيرات لموظفين أميركيين والطلب منهم الانتقال إلى جنوب اليمن أو مغادرة البلاد.
وكان مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية قد صرح في تموز الماضي بأن هناك 20 مليون يمني يعانون من انعدام الأمن الغذائي (من أصل 30 مليوناً). وأضاف: “يجب إنقاذ ملايين الأرواح في اليمن، وعلينا التحرك الآن”، مشدداً على أن الوضع لا يحتمل الانتظار. ولفت المكتب إلى أن الأمم المتحدة قدمت مساعدات إنسانية لـ 15 مليون يمني منذ كانون الأول 2019 حتى تموز الماضي. وفي الأول من تموز الماضي أعلنت الأمم المتحدة أنها تسلمت 558 مليون دولار فقط من أصل مليار و35 مليون دولار تعهد بها المانحون قبل حوالي شهر من ذلك التاريخ لدعم الاستجابة الإنسانية باليمن.
بأي ذنب؟
الأطفال دون الخامسة أكثر المصابين بسوء التغذية الحاد والوخيم في اليمن، فقد سجلت الإصابة بسوء التغذية في اليمن معدلات غير مسبوقة حسب تقارير الأمم المتحدة التي كشفت أن أكثر الضحايا من الأطفال الصغار المصابين بـ”سوء التغذية الحاد الوخيم” حيث بلغت نسبة الزيادة 15.5% خلال العام الحالي في أجزاء من البلاد، مع تسجيل أكثر من نصف مليون حالة بالمديريات الجنوبية التي يعيش فيها 1.4 مليون طفل دون الخامسة. وحذّرت الأمم المتحدة من أن ذلك يعرض ما لا يقلّ عن 98 ألف طفل دون الخامسة في مناطق متفرقة لخطر الموت إن لم يتلقوا العلاج بصورة عاجلة، منبهةً إلى أن المأساة تتفاقم مع خفض وتعليق المنظمة الأممية 16 برنامجاً إنسانياً لإنقاذ الأرواح. كما أن هناك 26 برنامجاً آخر مهدداً بالإغلاق حتى نهاية العام الحالي بسبب نقص التمويل، ودعت الأمم المتحدة المانحين الدوليين إلى تقديم المساعدات الإنسانية التي تشتد الحاجة إليها على وجه السرعة.
والسؤال المطروح: هل فكّر أباطرة الحرب والسلاح والمتشدقون بحماية حقوق الإنسان في هؤلاء؟.