شباب “الفيسبوك”!
لا ينفصلُ أو لا يختلف الواقع الشبابي من حيث الأداء والتحديات والآمال عمّا يجري داخل قطاعات الحياة العامة، إذ لم تقتصر تداعيات الأزمة وآثارها السلبية على الأداء الاقتصادي الذي تعرّض لخسائر مادية كبيرة فقط، بل تعدّتها إلى تداعيات اجتماعية شبابية ثقافية خطيرة ومديدة لم يشهدها الاقتصاد ولم يعشها المجتمع السوري من قبل، ولن يكون من السهل على الأجيال الحالية والقادمة تجاوزها إلا بمعاناة قاسية.
وقبل الدخول إلى حياة الشباب، لابد من التأكيد أن ما تشهده الساحة الثقافية اليوم من تراجع يؤكد أن ثقافتنا وهويتنا الاجتماعية تلفظ أنفاسها الأخيرة في ظل مجتمع تتقاذفه أمواج المتغيّرات والتطورات المختلفة بعد أن ضاعت دفة القيادة الفكرية فيه في زحمة ما هو قادم وآتٍ عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي استحوذت أو سيطرت بشكل كامل على المفاصل الحياتية والرسمية كلها، وباتت البوابات الحصرية المباشرة التي اقتحمت ودخلت البيوت عبر سلسلة لا متناهية من الأخبار والتقارير، وحتى البرامج الممنهجة وفق سيناريو غربي غريب عن واقعنا، حيث يتمّ إدخال الكثير من اللمسات السامة المكتنزة بالأمراض والأكاذيب لتضليل الشباب وخلق شرخ وصدع كبير في الأوساط الشبابية من جوانب مختلفة، منها ما يصبّ في خانة التهميش الفكري، ووضع الاهتمامات والطاقات في مسار اليأس والإحباط والتخلي عن القيم والمبادئ لمصلحة المجهول!.
ولو أردنا الحديث بشفافية ووضوح لقلنا إن مخاوفنا تزداد يوماً بعد يوم على شبابنا، وخاصة في هذا الوقت العصيب بكل ما فيه من مخاطر اجتماعية تهدّد المستقبل، حيث تزداد حالات تعاطي المخدرات وتحديداً بين الفئة العمرية الصغيرة، وذلك عبر التواصل عن طريق الشبكة التي سهلت هذا الانتشار. ولاشك أن ما نسمعه من قضايا جرمية في هذا المجال يثبت كثرة المنزلقات الفكرية العاصفة بحياة الشباب التي تقف على مفترق الطرق، خاصة مع ضبابية المستقبل وتنامي الانحلال الأخلاقي والحالات الجرمية أمام ضربات الواقع المأساوي الذي يعيشونه لحظة بلحظة، والغريب أن الفيسبوك بات من البوابات الجرمية التي تتعدّد مهامها وغاياتها في الترويج الموجّه لكل أشكال الجريمة وبشكل خفيّ أو ظاهر!.
ولا شك أن استمرار لعبة المراهنة على المؤسّسات الشبابية دون أي دور أو حضور لها في الواقع يتطلّب تحركاً سريعاً لاستنهاض الطاقات الشبابية واستثمارها ووضعها في مسارات العمل، إلى جانب التركيز والاهتمام بتحقيق النهضة الفكرية المتمثلة بتحقيق حراك ثقافي متكامل، والتشجيع على القراءة وتوعية الشباب وكشف كل المتلاعبين بالمستقبل الشبابي، فهل تخرج الجهات الشبابية والفكرية والثقافية والإعلامية من شرانق التقليد السلبي، أم تستمر في تخبّطها لتفقد البوصلة الشبابية سَمْتَها الإبداعي والأخلاقي والاجتماعي؟.
بشير فرزان