المايسترو نزيه أسعد: الأغنية السورية تحمل هوية ملونة
بدأ ميله للموسيقا منذ صغره، وفي مرحلة لاحقة أغراه الغناء لينتهي به المطاف بفضل إصراره وتصميمه ملحناً ومؤلفاً وموزعاً وقائداً للعديد من الفرق الموسيقية بعد تخرجه من المعهد العالي للموسيقا بدمشق، الذي أصبح فيه اليوم ومنذ عام 2002 مدرساً للموسيقا الشرقية والعربية، ومدرّباً لكورال الفرقة الوطنية للموسيقا العربية التابعة للمعهد، وقائداً لأوركسترا الموسيقا الشرقية والتي تأسّست عام 2012 برعاية من مديرية المسارح والموسيقا، في حين تابعناه مؤخراً عضواً للجنة الأولية لبرنامج المواهب “” Syrian talents
*كعضو في اللجنة الأولية لتقييم المواهب لبرنامج “Syrian talents” ما هو تقييمك للمواهب الموسيقية التي تابعتَها؟
**أحترم كل موهبة تقدمت لبرنامج Syrian talents لأن كلاً منها لديه حلم يسعى إليه وهدف يريد تحقيقه من خلال ما يمتلكه من مقومات خاصة بشخصيته. من هنا فإن تباين المستويات فيما تابعتُه هو حالة طبيعية في هذا النوع من المسابقات، وقد تفاءلت عندما وجدت في البرنامج مواهب متميزة يجب العمل عليها وتطويرها كي تتكامل إمكانياتها، مع الإشارة إلى أن المتسابق يكتسب الخبرة في لقاء لجان التحكيم، سواء أكان مقبولاً أم مرفوضاً، لأن هذا الأداء يعزّز شخصيته ويقوي إرادته، وحين يفوز يحصل على مفتاح النجاح والمثابرة في تطوير نفسه، وفي الوقت ذاته أشجع المتسابقين الذين لم يحالفهم الحظ في القبول على التدرّب والمتابعة.
*ما أهمية وجود المعاهد الموسيقية الرسمية؟ وما هو تقييمك للمعاهد الخاصة التي انتشرت مؤخراً؟
**المعاهد الموسيقية الرسمية هي واجهة حضارية وثقافية، وخصوصاً عندما يكون أداؤها احترافياً ومدروساً، وتفرز باستمرار أكاديميين واحترافيين يحملون راية الموسيقا جيلاً بعد جيل، ولا يمكننا أن ننكر ما تفرزه بعض المعاهد الخاصة، حيث إنها تزرع بذور الموسيقا من خلال طرق متعدّدة، فلكل معهد طريقته، والثغرة التي يمكن ذكرها في هذه المعاهد هي عدم استمرار المتدرب أو الدارس حتى النهاية لأسباب قد تتعلق بمدى ارتباطه بهذا المعهد المسؤول عن جذب الموهبة وإقناعها بالاستمرار حتى يتقن المتدرب علوم الموسيقا والعزف والغناء.
*كمدرّس في المعهد العالي للموسيقا لمواد الموسيقا العربية والشرقية كيف ترى واقع هذه الموسيقا حالياً؟
**الموسيقا الشرقية هي الحاجة الثقافية والمهنية المهمّة لكل موسيقي، سواء كانت دراسته كلاسيكية أو شرقية، والقليلون هم من يعي هذه الحاجة مما يؤدي إلى تضاؤل الأداء الموسيقي الشرقي، وقد أضحى الاهتمام بالموسيقا الشرقية اهتماماً شخصياً، أي أن من يريد التعمق بهويتها يبحث عنها بنفسه، وأرى أن حالة عدم تقبّل البعض لنظريات الموسيقا العربية والشرقية هو العائق الذي يؤخر تطور موسيقانا، مع الأخذ بعين الاعتبار أن المعهد يسعى إلى دعم الموسيقا العربية والشرقية من خلال الفرق الموسيقية وتطوير مهارات عازفي الآلات الشرقية.
*مسيرتك الموسيقية تعدّدت بين الغناء والتأليف والألحان، فعند أية محطة تتوقف ملياً؟ وكيف تصف المرحلة الحالية التي تمر بها اليوم كموسيقي؟
**مابين الغناء والتأليف والتلحين حالات نمو كثيرة مررت بها، وأتوقف ملياً عند التأليف والتلحين لأنني أسترجع هنا الخبرات التي اكتسبتها، وأستذكر الكثير مما تعلمت حين أقوم بمهمة التأليف أو التلحين، وهذا يمتّع ذاكرتي ويفتح أمامي احتمالات كثيرة من الصياغات اللحنية والموسيقية، أما المرحلة الحالية فأراها تجربة خاصة ولها معاييرها، وإن استطعنا ضبط المعايير والأهداف نستطيع الانتصار على أهم العقبات التي يمكنها أن تؤخر الأعمال الموسيقية، وقد آمنتُ بأن الموسيقي السوري الذي استمر بتقديم موسيقاه ضمن أخطر الظروف التي مرت بها البلاد يستطيع أن يقدم المزيد تحت أي ظرف آخر.
*من هو الموسيقي القادر على أن يبدع في التأليف؟
**فيما يخصّ التأليف الموسيقي أثابر دائماً على تأليف الأعمال الموسيقية المسرحية الراقصة والمسرحية الدرامية لأنني أعشق العلاقة بين الموسيقا والمسرح، خصوصاً أن كل الأعمال التي قدمتها تتضمن الأغنية والموسيقا التعبيرية والتصويرية والمؤثرات الصوتية، أما الدراما التلفزيونية فلها حيّز خاص في داخلي كتأليف موسيقي وموسيقا تصويرية ولها متعتها الخاصة، والموسيقي الذي يبدع في التأليف هو الموسيقي الذي يطرح الأفكار الموسيقية الذكية ويكتب موسيقاه من وحي الإحساس الإنساني الذي يصل إلى القلب قبل أن يصل إلى العقل.
*أنت قائد ومدرب لمجموعة من الفرق الموسيقية، فأية صفات يجب أن يتمتع بها القائد؟
**تعداد الفرق التي أقودها أتى من رغبتي في استيعاب كافة شرائح الموسيقيين من محترفين وهواة وأطفال، لأنني أرى أن الموسيقا يجب أن يعمل بها الجميع ولرغبتي في التعامل مع كافة أنواع الموسيقا العربية كالشعبية والتوشيحية والتراثية والفولكلورية والحديثة والصوفية، وهذا ما تحقق لي من خلال هذه الفرق، ومن هنا تنبع أهمية وجودها، أما صفات القائد فهي أولاً محبة واحترام كل من معه من موسيقيين ومغنين وضبط العلاقة المغناطيسية بينه وبينهم، ومهنياً يجب أن يتمتّع قائد الفرقة بالمعرفة الموسيقية الشاملة نظرياً وعملياً لكل الآلات الموسيقية والأصوات الغنائية والثقة بما يقدم أمام فرقته وأمام الجمهور.
*نشأتَ غنائياً وموسيقياً في فرق لها علاقة بالتراث، فهل أنت راضٍ عن تعاملها مع هذا التراث؟
**كل فرقة اهتمت بالتراث وعملتُ بها كانت مدرسة مهمة في حياتي الموسيقية واستقيت منها الكثير، وهذا يكفي لأن يعطيني قناعة كاملة بما قدمَته لي تلك الفرق وإيماناً برسالتها في تقديم التراث وتعاملها معه، فلا أنسى فرقة أمية للفنون الشعبية وفرقة الأنغام العربية.
*وزّعت أغنيات لعدد من المطربين، فأية صفات يجب أن يتحلّى بها الموسيقي لينجح بهذا المجال؟
**عملية التوزيع الموسيقي لا تقلّ شأناً عن التلحين، فهي بمثابة دور الإخراج الموسيقي وتقديمه للمستمع بالشكل الأمثل من خلال إضافة الأحاسيس المختلفة للّحن ولأداء المغني وتصديرها بتقنيات موسيقية عالية، وعلى الموسيقي الموزع أن يتقن علوم الانسجام الصوتي والتآلفات اللحنية والإيقاعات حتى يستطيع القيام بالتوزيع الموسيقي، إضافة إلى قناعته باللحن المطلوب توزيعه وقناعته بالأداء الغنائي.
*الأوبريت نوع غنائي وموسيقي ما زال وجوده متواضعاً في حياتنا الموسيقية، فأية أسباب وراء ذلك؟.
**سبب تواضع وجود الأوبريت يعود إلى تفكك العلاقة بين مقومات هذا العمل، أقصد الكلمة واللحن والتوزيع وتصميم الحركة والدراما والتقنيات الأخرى، فإن تماسكت هذه المقومات واتفقت على بناء هذا الكيان المتجانس نحصل على الأوبريت أو على العمل المسرحي الغنائي الراقص المتكامل، إضافة إلى وجود الإمكانية المالية الكافية لإنجاز هذا العمل.
*كمؤلف وملحن ما تقييمك للأغنية السورية؟ وأية أسباب وراء تعثرها؟
**الأغنية السورية الحالية تحمل هوية ملونة بكلماتها وألحانها، فقسم منها كلاسيكي وقسم آخر حديث مواكب لما يريده جيل الحاضر، وقسم منها مرتبط بإمكانية الكاتب والملحن وبالتالي المغني، فهي خاضعة للمعاصرة أحياناً وللمعاصرة الممزوجة بالكلاسيكية العربية أحياناً أخرى، وبالإجمال ليست كما كانت في الماضي تحمل لوناً مختلفاً، وإذا كان هناك حالات تعثّر في صياغتها وأدائها فالسبب هو عدم المعرفة العميقة بماهية الكلمة السورية واللحن السوري الذكي الذي يجب أن يدخل الأعماق ببساطة وسلاسة، ولا بد من ذكر دور تسويق الأغنية السورية الحقيقية إعلامياً.
*باتت الموسيقا التصويرية الأكثر إغراء لموسيقيينا فما تفسيرك لذلك؟
**فيما يخصّ الموسيقا التصويرية وإغراءاتها فلكل موسيقي وجهة نظر بهذا النوع من التأليف، فهي طريق سهل للانتشار وتفتح سبيلاً أمام المؤلف في إظهار براعته المتنوعة في وضع موسيقا المشاهد والشارة، فتعطيه تنوعاً في آلية العمل وبأجور مالية مرضية في القطاع الخاص ومقبولة في القطاع العام.
*قدمت برامج موسيقية عديدة في محطاتنا الوطنية فما تقييمك لها؟.
**في كل ما قدمت من برامج موسيقية كان اهتمامي كبيراً وأعطيت تلك البرامج الكثير مما أملك من معلومات وأفكار وتفاصيل، وهي برامج مهمّة وعبارة عن محطات فنية يجب تكرارها وانتشارها كي تكون مرشداً لجيل المتعلمين والمتذوقين في الموسيقا، ولكن ظهور كل برنامج منها لمرة واحدة للناس وعدم تكراره مراراً، سواء أكان تلفزيونياً أم إذاعياً، هو ما يحزنني ويجعلني معترضاً على آلية التعامل مع تلك البرامج الموسيقية.
نزيه أسعد
من مواليد دمشق 1972خريج المعهد العالي للموسيقا عام 2000 اختصاص “عود وكونترباص”، مدرّس في المعهد العالي للموسيقا لمادة الموسيقا الشرقية ومدرب كورال، عضو نقابة الفنانين، قائد لمجموعة فرق موسيقية منها: فرقة أمية التابعة لوزارة الثقافة، فرقة تهليلا للإنشاد الصوفي، فرقة شباب سورية، فرقة نهاوند في معهد الأسد للموسيقا.
أمينة عباس