ضم الجولان.. قرار باطل ليس له شرعية قانونية
د.معن منيف سليمان
احتلت “إسرائيل”، خلال عدوان حزيران عام 1967، الجولان العربي السوري، وفي حرب تشرين الأول عام 1973، تمكنت سورية من استرجاع جزء من الجولان، ومن ضمنه مدينة القنيطرة، وفي 14 كانون الأول عام 1981، قرّر الكنيست الإسرائيلي ضم جزء من الجولان الواقع غربي خط الهدنة عام 1974. ويعدّ قرار “إسرائيل” بفرض قوانينها وولايتها القضائية على الجولان السوري المحتل لاغياً وباطلاً وليس له أثر قانوني دولي لأن هذا القرار صادر عن سلطة احتلال ليس من حقها، وفق قواعد القانون الدولي، إجراء أي تغيير على الواقع الجغرافي أو السكاني في المناطق المحتلة. ولا يزال أهلنا في الجولان العربي السوري المحتل يرفضون قرار الضم، ويجددون في كل مرة تمسكهم بهويتهم العربية السورية، ويرفضون الهوية الإسرائيلية التي فرضت عليهم في عام 1981.
كان الكنيست الإسرائيلي منذ عام 1979، يعمل على استصدار قرار لضم الجولان المحتل، ففي منتصف حزيران عام 1979، قامت لجنة مستوطنات الجولان بدعم من الحكومة والأحزاب، بجمع تواقيع ثلاثة وسبعين عضو كنيست على مذكرة تنص على أن “الجولان جزء لا يتجزأ من أرض “إسرائيل”، وعدّل في 10 تموز عام 1980، قانون الجنسية الذي أعطى صلاحية لوزير الداخلية بمنح الجنسية لسكان المناطق المحتلة في عام 1967، وفي 18 آب عام 1980، سنّ الكنيست قانوناً يجيز منح بطاقات إسرائيلية للمواطنين العرب في المنطقة المحتلة من الجولان، وقد وضع موضع التنفيذ في 18 تشرين الثاني عام 1980، وقد فتحت مكاتب متخصّصة لهذا الغرض.
وفي 14 كانون الأول عام 1981، اتخذ الكنيست بعد نقاشات سريعة قراراً عاجلاً يقضي بضم الجولان العربي السوري المحتل، وبتطبيق القوانين الإسرائيلية عليه، وقد لقي هذا القرار رفضاً دولياً وعربياً وإقليمياً عارماً، واعتبر لاغياً وباطلاً، ولا يحمل أي أثر قانوني، فقد رفضت الولايات المتحدة الأمريكية القرار الإسرائيلي وأكدت أن الجولان من الأراضي العربية المحتلة التي يشملها القراران /242/ و/338/، ووصفت بريطانيا الإجراء الإسرائيلي بأنه “مخالف للقانون الدولي وضار بمساعي إحلال السلام”، معتبرة إياه “لاغياً وباطلاً”، كما سارعت فرنسا إلى إدانة قرار الضم داعية “إسرائيل” للتراجع عنه، وأعلن الاتحاد السوفييتي السابق رفضه الشديد للقرار الإسرائيلي، وأكد تضامنه مع الشعب السوري، كما أدانت معظم دول العالم وبشدة القرار الصهيوني، فضلاً عن العشرات من بيانات الشجب والتنديد التي أصدرتها المنظمات والنقابات والأحزاب والحكومات.
وفي أعقاب صدور القرار العدواني، أصدرت الحكومة السورية بياناً مساء 14 كانون الأول عام 1981، نبّهت فيه الرأي العام العربي والمجتمع الدولي إلى خطورة ومنعكسات هذا الإجراء على الأمن والسلام في المنطقة وفي العالم، وأبدت قلقها العميق إزاء هذه الخطورة العدوانية الجديدة، لتؤكد أنها ستواجه هذا الأمر، انطلاقاً من مسؤوليتها الوطنية والقومية، وطالبت الرأي العام العالمي بالوقوف إلى جانبها لمواجهة هذا التطور الخطير الذي ستنعكس آثاره، ليس على المنطقة فحسب، وإنما على مجمل الأوضاع الدولية.
لقد طلبت الحكومة السورية عقد اجتماع عاجل لمجلس الأمن الدولي لمعالجة هذا الوضع الخطير، واتخاذ قرار بإلغاء الإجراءات الإسرائيلية، وفرض العقوبات على العدو الإسرائيلي تنفيذاً لميثاق الأمم المتحدة وقراراتها، مؤكدة أنها لن تدخر جهداً من أجل الدفاع عن أرضها ومصالحها الوطنية والقومية.
وبناءً على طلب من سورية عقد مجلس الأمن الدولي اجتماعاً في 17 كانون الأول عام 1981، أصدر بعده القرار رقم /497/ الذي أكد أن قرار “إسرائيل” بفرض قوانينها وولايتها وإدارتها في مرتفعات الجولان السورية المحتلة لاغٍ وباطل وليس له أي أثر قانوني دولياً، وطالب “إسرائيل” بوصفها السلطة القائمة بالاحتلال بإلغاء قرارها فوراً، وقرر في حال عدم امتثال “إسرائيل” لهذا القرار، أن يجتمع المجلس بصورة عاجلة في موعد لا يتجاوز الخامس من كانون الثاني عام 1982، للنظر في اتخاذ التدابير الملائمة، وفقاً لأحكام ميثاق الأمم المتحدة، وقد صوّت على هذا القرار بالإجماع، ولكن “إسرائيل” رفضت القرار الأممي وضربت عرض الحائط بالشرعية الدولية، فعاود مجلس الأمن اجتماعه وأصدر في 28 كانون الثاني عام 1982، قراره رقم /500/ الذي أكد فيه ما جاء في القرار السالف.
واجتمعت الجمعية العامة للأمم المتحدة وتبنت القرار رقم /272/ الذي أعلنت فيه أن قرار ضم “إسرائيل” للجولان السوري يشكل عملاً عدوانياً بموجب المادة /39/ من ميثاق الأمم المتحدة، وأكد قرار الجمعية العامة أن قرار “إسرائيل” باطل وليس له شرعية قانونية، ويجب عدم الاعتراف بكل الإجراءات الإسرائيلية في الجولان، كما أكدت أن احتلال الجولان وقرار ضمها إلى “إسرائيل” يشكل تهديداً مستمراً للسلام والأمن، وقد استنكرت الجمعية موقف الولايات المتحدة الأمريكية باستخدامها حق النقض لإحباط قرار بمعاقبة “إسرائيل” على خلفية ضم الجولان، ودعت جميع الدول الأعضاء بالامتناع عن إمداد “إسرائيل” بالأسلحة وتجميد المساعدات العسكرية إليها، وتجميد التعاون معها، وقطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية والثقافية أيضاً.
وكان القائد المؤسس حافظ الأسد قد أكد أن قرار “إسرائيل” الجائر هذا مجرد محاولة إسرائيلية فاشلة لتثبيت وتكريس احتلالها، وسيكون مصيرها الفشل طال الزمن أم قصر، فالجولان لن يكون إلا عربياً سورياً، وأكد أن: “الجولان ضم سابقاً على الورق، لم نهتز، ولم نشعر لحظة واحدة أن الجولان في أي وقت من الأوقات قد يحمل جنسية، إذا صحت هذه الكلمة، غير جنسية الجولان السورية، ليس المهم أن يقرر فلان أو أن تقرر مجموعة مصير أرض وطنية، فالأرض الوطنية ستظل أرضاً وطنية ولن تكون إلا كذلك”.
وقد أوضح أهلنا في الجولان المحتل بالأمس واليوم موقفهم للعالم من الاحتلال الإسرائيلي ورفضهم القاطع لقرارات الحكومة الإسرائيلية الهادفة إلى سلبهم شخصيتهم العربية السورية، وأن هضبة الجولان المحتلة جزء لا يتجزأ من سورية العربية، وأنهم ينتسبون إلى الجنسية العربية السورية التي يعتزون ويتشرفون بالانتساب إليها كونهم ورثوها عن أجدادهم الكرام وأخذوا عنهم لغتهم العربية، كما ورثوا عنهم أرضهم الغالية، قاطعين عهداً على أنفسهم أن يبقوا أوفياء ومخلصين لما خلفه لهم أجدادهم وعدم التفريط بشيء منه مهما طال زمن الاحتلال الإسرائيلي.
إن الجولان أرض عربية سورية، وسورية لها وحدها حق ممارسة السيادة الوطنية والتامة غير المنقوصة وفقاً لجميع الشرائع والقوانين والاتفاقيات والمعاهدات الدولية. وقد أكد القائد المؤسس حافظ الأسد هذه الحقيقة بقوله: “إن الجولان ليست محتلة بقانون سنته “إسرائيل”، ولم ولن يتوقف تحريرها على عدم وجود قانون تسنه “إسرائيل”، لم تأخذها “إسرائيل” بقانون، ولن نسترجعها نحن بقانون”.