أعباء الشتاء تثقل يوميات الناس وتصادر الدفء من البيوت؟!
بعد أشهر من المشاورات، وتجميع رصيد كاف لشراء مدفأة بسيطة تدرأ برد الشتاء، وبعد آمال كبيرة ووعود كثيرة من شركة المحروقات وطمأنتها للمواطنين بتعبئة المازوت للجميع، اتجه أبو حسان لسوق “المناخلية” لشراء مدفأة الأحلام، ولكن “يا فرحة ما تمت”، إذ لم يكف المخزون المالي لشرائها بعد أن تضاعفت أسعارها عن العام الماضي كباقي السلع، ليجرّ أبو حسان ذيول خيبته ويعود أدراجه إلى منزله البارد كباقي المواطنين ممن تأقلموا مع برد الشتاء الذي بات مجيئه يشكّل همّاً ثقيلاً على المواطنين، فلا شركة المحروقات وفت بوعودها، ولا نيران الأسواق طفأت لهيبها، ولا وزارة الكهرباء التزمت بتحقيق العدالة في برنامج التقنين الخاص بها، ليمسي شتاء السوريين هذا العام ككل عام بارداً ومعتماً!.
حلول مؤقتة
أسواق هذا العام خاوية على عروشها من روادها، فعلى الرغم من توفر السلع بجميع الأحجام والأنواع، إلا أن أسعارها لم تعد تناسب سوى الطبقة الثرية في مجتمعنا، أما الطبقة المتوسطة وطبقة الفقراء فلم يعد لهم مكان في هذه الأسواق ليتجهوا إلى سوق المستعمل، أو “ترقيع” مدافئهم القديمة، أو استبدال فرن المدفأة بفرن يعمل على الحطب، لعل وعسى العام القادم يكون أفضل، فسعر الدفء لعائلة صغيرة يكلّف هذا الشتاء أكثر من مليون ليرة متوزعة على الملابس والأغطية والمازوت والمدفأة، حيث قدم لنا خالد المصلح، “تاجر في سوق المناخلية”، لمحة عن أسعار المدافئ ليصل سعر المدفأة الصغيرة إلى 55 ألف ليرة، في حين بلغ سعر مدفأة بغدادي (الشمس) الكبيرة 125 ألفاً، أما مدافئ الكهرباء “عامود نيون” فيتراوح سعرها حسب حجمها من 20 ألفاً ليصل إلى 80 ألف ليرة سورية، لتفوق هذه الأسعار استطاعة أي مواطن ذي دخل محدود، في ظل غض الرقابة التموينية بصرها على فلتان الأسواق الذي يحقق الربح السريع للتاجر المدلل عند الوزارة على حساب المواطن الذي تستغل حاجته لشراء مستلزمات التدفئة مهما غلا ثمنها إن لم يتوفر لديه البديل!.
كساد البضاعة
لم يكن حال أسعار الألبسة أفضل، فلم يقل سعر أي كنزة شتوية عن عشرين ألفاً رغم رداءة نوعيتها، ما جعل معظم المواطنين يتجهون إلى أسواق البالة لشراء الألبسة الصوفية المستعملة التي لم تسلم هي الأخرى من نار الارتفاعات التي حرقت الأخضر واليابس، ولكن، حسب رأي المواطنين، تبقى هذه الألبسة حتى مع غلاء سعرها ذات جودة مضمونة تكفل لهم تمضية الشتاء دون الحاجة لشراء العديد من الألبسة، ولم يخف التاجر أحمد حقي ركود الأسواق هذا العام مقارنة بالأعوام السابقة، إذ لم تصل الأسعار خلال سنوات الحرب إلى ما وصلت إليه هذا العام، فقد وصل سعر الجاكيت بجودة جيدة إلى 150 ألفاً، كذلك الأمر بالنسبة للأحذية التي قفزت أسعارها، ليضاهي سعر بعض الأنواع راتب الموظف الذي ابتعد تفكيره عن شراء اللباس، واقتصر على التفكير بتأمين طعامه وشرابه وأجرة منزله، وألقى حقي اللوم على ارتفاع جميع مستلزمات الإنتاج، بدءاً من اليد العاملة، والقماش، والمحروقات الخاصة بأجور نقل البضاعة من مكان تصنيعها إلى الأسواق، ناهيك عن غياب التيار الكهربائي، وغيرها من الأسباب التي تدخل بالعملية الإنتاجية، لتكون النتيجة تراجع المبيعات، وكساد بضاعة التاجر، وعدم قدرة المواطن على الشراء في آن واحد، كذلك تصدرت تصاميم السجاد والموكيت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي دون وجود حركة شراء من قبل المواطنين الذين اتجهوا أيضاً إلى صفحات “المستعمل” لشراء حاجاتهم من البضاعة المعروضة، ليصبح شراء السجاد اليوم نوعاً من الرفاهيات والكماليات بعد أن تجاوز سعر متر السجاد العادي الـ 15 ألف ليرة في الأسواق، ولم يعد مشهد السجاد المتربع على جدران الأسواق كما كان في سنوات قليلة مضت!.
تهرّب ومتاجرة
وعلى الرغم من محاولاتنا مراراً وتكراراً الحصول على إجابات لتساؤلاتنا حول العدل في توزيع مادة المازوت، والطريقة المعتمدة من قبل الشركة لتوزيع المادة خلال هذا الفصل، إلا أن تهرّب الجهات المسؤولة كان سيد الموقف، لنكتفي بتصريحات الشركة السورية لتخزين وتوزيع المواد البترولية “محروقات” بأنه سيتم توزيع مادة مازوت التدفئة لموسم شتاء 2020-2021 عبر البطاقة الالكترونية العائلية بمعدل 100 ليتر لكل عائلة للدفعة الأولى في كل المحافظات، لكن الواقع عكس الوجه السلبي لتوزيع هذه المادة بمنأى عن العدالة، وبتجاوزات باتت مكشوفة لجميع المواطنين الذين لا حول لهم ولا قوة سوى الانتظار، وفي أحسن الحالات شراء المادة من سائقي السرافيس الذين يتاجرون بمخصصاتهم وبسعر الليتر الواحد الذي وصل في بعض المناطق إلى 2000 ليرة سورية، إذ اشتكى أغلب المواطنين من عدم وصول رسالة لتعبئة المادة، فعلى الرغم من تأكيد الشركة بأن الأولوية ستكون لمن لم يحصل على مخصصاته في الصيف، إلا أن أغلب المواطنين لم يحصلوا على مخصصاتهم من الدفعة الثانية للعام الماضي، ولا الدفعة الأولى لهذا العام، في حين استغل أصحاب المناصب نفوذهم ليحصلوا على مخصصات العام الماضي والحالي، كذلك لجأ البعض إلى دفع “الإكرامية” لمن يقومون بالتعبئة لأي شخص وصلته الرسالة كي يحصلوا على المادة بسعر مقبول وبشكل نصف قانوني بنظرهم عن طريق بطاقتهم الذكية، بحيث يتم التلاعب برقم دورهم، ناهيك عن التجاوزات الكثيرة التي تتم في محطات الوقود ليلاً، حيث يتم بيع المادة بعيداً عن البطاقة الذكية ليتم تصريفها في السوق السوداء بأضعاف سعرها، لتصطف عبوات المازوت الحر على الأرصفة دون رقيب أو حسيب من التجارة الداخلية التي تحتاج إلى قرار جدي وفوري يخرجها من دائرة التنظيرات والتصريحات التي ملّ المواطن سماعها، وبات يشك بصدق نواياها وبوجود أيد خفية هدفها تعرية المواطن وتنشيط السوق السوداء!.
بانتظار الفرج
وعود وتصريحات وآمال مرتقبة من وزارتي الكهرباء والنفط لعل وعسى مع اشتداد البرودة ترأفان بحال المواطن الذي لم تسعفه إمكانياته المتواضعة بالتصدي لبرودة الطقس، فلا الوقود ولا الكهرباء ولا الغاز ولا أدنى وسائل التدفئة متوفرة، خاصة في مناطق الأرياف المنسية والبعيدة كل البعد عن تخطيطات المسؤولين، ليلجؤوا إلى التدفئة بأغصان وجذور أشجارهم بعد أن تجاوز سعر طن الحطب 200 ألف، ووصول التقنين في بعض الأرياف إلى أيام كاملة، والبعض الآخر إلى أكثر من 18 ساعة تقنين على حساب بعض المناطق الراقية في دمشق التي لا يمكن لسكانها العيش دون كهرباء تحت حجج عديدة أهمها: شح المحروقات، وانخفاض كميات الفيول القادمة من وزارة النفط التي شنت هجوماً على وزارة الكهرباء وادعت أنها تورد الكميات اللازمة لها، وبين الوزارتين ضاع المواطن، ووجد بما نجا له من أشجار من الحرائق الأخيرة وسيلة للتدفئة وسط تجاهل وتصريحات مخيبّة للآمال كانت مرتقبة بانتهاء الأزمة!.
ميس بركات