اعترافات جيفري.. والصراع على جنس الملائكة
أحمد حسن
بالطبع لم يكن أحداً، سوى بعض الموهومين، ينتظر اعترافات جيمس جيفري الجديدة كي يعرف مدى مسؤولية بلاده عمّا حدث، ويحدث، في سورية، وبالطبع، أيضاً، لا أحد، سوى بعض الواهمين، يعتقد أن نصائح المبعوث الأميركي السابق إلى سورية للإدارة “البايدينية” القادمة تستهدف حماية الشعب السوري، كما قال، فهذا عالم الغاب وشرعته حيث يباهي المجرم بجريمته باعتبارها “شيئاً مفيداً جداً”، كما وصف نتائج حصار بلاده الجائر لسورية، دون أن يخشى حساب أو عقاب.
الرجل الذي أعلن من على صفحات صحيفة عربية أن عودة دمشق للجامعة العربية تتوقّف على تنفيذ شروط واشنطن!!، واعترف بدور بلاده في عرقلة “أي مشاركة جدية في مؤتمر اللاجئين”، قال بكل صفاقة: إن “العقوبات”، الغير مشروعة باعتراف العالم، “ربما” كان نتيجتها “بعض التأثير على السكان”. إذاً “ربما”!!، وعلى “البعض” فقط!!، لكنه لم يكتف بهذا الاستغباء للجميع، بل أضاف متباهياً: “أرأيتم ماذا حلّ بالليرة السورية، أرأيتم ماذا حلّ بالاقتصاد السوري، لقد كانت إستراتيجية مفيدة جداً”!!.
جيفري، وللخروج من هذا التناقض الفاضح، أضاف: إن بلاده قدمت “أكثر من 12 مليار دولار أميركي لدعم السوريين”!!، وربما كانت تلك الجملة الوحيدة الصحيحة في كل أجوبته لو أنها اتّبعها بكشف حساب عن مفردات ذلك الدعم وصفات من توجّهت إليهم، فبعضهم، كما يعرف الجميع، ليسوا أكثر من ميليشيات انفصالية، فيما بعضهم الآخر لم يكونوا إلا “مقاتلين من أجل الحرية” كما كان أشقائهم في تنظيم القاعدة الإرهابي الذائع الصيت الذي دعمته بلاده في ثمانينيات القرن الماضي.
أكثر من ذلك، أعاد، مندوب “ترامب” السابق لتحقيق السلام في سورية، التأكيد، في سياق دعمه للشعب السوري – بعد لازمة احترام وحدة الأراضي السورية – على دعم بلاده عدم عودة الأراضي المحتّلة، أمريكياً وتركياً، لسيطرة العاصمة، كما أعاد التأكيد، مرة جديدة، على دعم واشنطن “الدبلوماسي واللوجستي” للعدوان “الإسرائيلي” المستمر على سورية، وأصرّ – وهو المكلّف بحماية الشعب ومساندته في تحقيق مطالبه وزيادة رفاهيته- على صورته كمندوب سام، وسامٍ، يحدّد للدولة السورية مسار علاقاتها الخارجية، وتصرفاتها الداخلية، وأكثر من ذلك، شرعية قياداتها وشكل نظامها السياسي وتوجّهاته الاقتصادية.
لكن الرجل المسكون بلعنة أوباما كما يبدو -فهو وإدارته لم يرتكبوا “أخطاء أوباما”- كما قال، وبعد أن أصبح مسؤولاً سابقاً، لم يرد أن يترك الإدارة القادمة “على عماها”، فكانت نصيحته الصادقة لها “الاستمرار بالسياسة التي اتبعتها إدارة ترمب” في سورية، لأنها “ناجحة” كما يقول، ونجاحها كما حدّده جيفري لن يستمر إلا بـ”تصعيد ضغوط الحصار والعزلة على البلاد”، والمحافظة على طول الخط على منع أية مساعدة لإعادة الإعمار التي يحتاجها البلد”. أي الاستمرار بسياسة “التجويع للتركيع” بأبشع صورها وأقساها.
تلك هي إذاً نصائح جيفري السامّة، وهي نصائح دعمتها بلاده عملياً بخطوة جديدة حين اكتفت في تقرير حديث حول الحريات الدينية في العالم، بتصنيف “هيئة تحرير الشام” – الاسم السوري الجديد لتنظيم القاعدة الإرهابي لمن يريد أن ينسى- بأنها ضمن كيانات ذات “مصدر قلق خاص”. إذاً “قلق” فقط!!..، لكن هذا القلق لا يشبه بالطبع القلق الدائم الذي كان ينتاب “بان كي مون”، فالرجل لم يكن سوى موظفاً أممياً كبيراً لا حول له ولا قوة، فيما قلق واشنطن لا يعني سوى أن تبقى “الهيئة” تقاتل أعدائها فقط لا غير، ما يعني، بالمحصلة، أنه ما بين “نصائح” جيفري وقلق بلاده.. الصراع مستمر.. وأننا ما زلنا في دائرة الخطر، وهذا ما يفترض بألا نتلهى بالنقاش حول جنس الملائكة كما فعل، ويفعل، بعضنا مؤخراً، لأننا بحاجة، في هذه المعركة المصيرية، للجميع.. للجميع.. للجميع.