بايدن بين نارين
علي اليوسف
باكتمال تصويت المجمع الانتخابي على فوز جو بايدن بالانتخابات الرئاسية 2020 بـ 306 أصوات مقابل 232 صوتاً، ستكون مناورة ترامب الوحيدة المتبقية هي إقناع الكونغرس بعدم التصديق على النتيجة التي سترسل إليه للموافقة عليها بصورة رسمية في السادس من كانون الثاني المقبل.
ومع ذلك يبدو أن النتيجة ستحسم لصالح بايدن، وبالتالي ينتظر فريقه أن تنتهي فترة ترامب بسرعة دون أن تأتي مفاجآت جديدة للعلن تحرج الرئيس القادم، لكن صفقات ترامب الأخيرة قد تجعل بايدن يواجه “صداع رأس” بخصوص دور أمريكا في الخارج، حسب ما وصفته وسائل إعلام أمريكية.
صحيح أن ترامب حقق التطبيع بين عدد من الدول العربية والكيان الصهيوني، والذي كان أحد الأهداف التي حاول الرؤساء الأمريكيون تحقيقها طويلاً، بغض النظر عن انتمائهم، جمهوري أم ديمقراطي، إلا أنه دفع لأجل ذلك ضريبة سيكون على إدارة الرئيس الأمريكي الجديد التعامل معها، حيث سيجد بلاده على علاقة وثيقة بأنظمة تطاردها انتقادات حقوقية، كما سيكون عليه أن يجد صيغة للتعامل مع المغرب، وفي الوقت نفسه إعادة التوازن للدور الأمريكي في الخارج، لكنه كذلك لا يريد إلغاء كل القرارات التي اتخذها سلفه حتى لا يظهر أن السياسة الخارجية للبلد تتغير مع كل رئيس.
ومن أهم هذه القرارات أن لدى إدارة بايدن القادمة الآن مثالين على اعتراف إدارة ترامب من جانب واحد بالسيادة على منطقتين غير معترف بهما من المجتمع الدولي، في تعارض مع قرارات الأمم المتحدة، هما الجولان السوري المحتل الذي اعترف ترامب بالسيادة الإسرائيلية عليه، والصحراء الغربية .
وقبل الصفقة مع المغرب، أشرف ترامب على التطبيع بين الإمارات والبحرين من جهة، والكيان الإسرائيلي من جهة أخرى، وإن كان بايدن قد رحب بهذا التطبيع، إلا أنه غير راضٍ تماماً عما قدمه ترامب في المقابل، خاصة مع ارتفاع الأصوات الأمريكية ضد اتفاقيات التسليح التي عقدتها إدارة ترامب مع الإمارات، وقبلها السعودية، حيث من المتوقع أن تزداد هذه الأصوات في عهده.
حتى الآن تشير التصريحات الخاصة بفريق بايدن إلى أن إدارته لن تكون على علاقة مع الإمارات والبحرين كما كانت عليه مع إدارة ترامب، وستكون هناك واقعية سياسية في التعامل مع حلفاء لا يمكن تجاهلهم، مع ضغوط بين الحين والآخر فيما يتعلق بحقوق الإنسان.
عموماً يبقى قرار تطبيع العلاقات بين الكيان الإسرائيلي وبعض الأنظمة العربية جد إيجابي بالنسبة لبايدن، بغض النظر عن ظروفه، ولكن في الوقت ذاته، فريق جو بايدن الخاص بالسياسة الخارجية أكثر خبرة من ترامب فيما يخص العلاقة مع دول الشرق الأوسط، وهو يريد مقاربة أكثر توازناً.
يقول الخبير الألماني دانيال غيرلاخ رئيس تحرير مجلة “زينيت” الألمانية حول الشرق الأوسط، والمدير العام لمجمع الفكر “كانديد فاونديشن” في برلين: “بايدن يتذكر ما قام به بنيامين نتنياهو من إهانة لباراك أوباما، ووزير خارجيته جون كيري خلال نهاية فترتهما، ولذلك فلن يكون، أي بايدن، الصديق المفضل لنتنياهو”، هذا الأمر لا ينسحب فقط على نتنياهو، فكثير من الحكام العرب كانوا يمنّون النفس باستمرار ترامب، لأنهم يدركون أن إدارة بايدن، ومهما تسترت على ملفات تُحرجهم، إلا أنها لن تصل إلى درجة يقول فيها بايدن لحاكم عربي: “أين ديكتاتوري المفضل”!.
يبدو أن المرشّح الديمقراطي المعلن فوزه جو بايدن جاء في الوقت الذي تعيش فيه الولايات المتحدة أزمة سياسة خارجية واقتصادية وثقافية، وانقساماً مجتمعياً، لهذا سيكون بايدن بين سندان الجمهوريين ومطرقة الديمقراطيين التقدميين.