الجعفري: دول غربية تحوّل مجلس الأمن أداة لخدمة أجنداتها السياسية
أكد نائب وزير الخارجية والمغتربين مندوب سورية الدائم لدى الأمم المتحدة الدكتور بشار الجعفري أن دولاً غربية تواصل عرقلة عمل مجلس الأمن وتحويله أداة خدمة لأجنداتها السياسية ولاستعداء دول بعينها، مشيراً إلى أن هذه الدول عملت على مدى السنوات العشر الماضية على تأجيج الأزمة في سورية وإطالة أمدها وعرقلة جهود تسويتها، وهو ما فعلته أيضاً بالنسبة لقضايا أخرى لا يزال بعضها مدرجاً على جدول أعمال المجلس منذ عقود.
وقال الجعفري خلال جلسة لمجلس الأمن اليوم عبر الفيديو حول الوضع في سورية: إن هذه الجلسة ربما ستكون الأخيرة لعدد من الدول غير دائمة العضوية التي ستغادر المجلس بعد أيام، وحيث إن بياني قد يكون أيضاً الأخير حول الشأن السياسي والإنساني قبل التحاقي بمهمتي الجديدة كنائب لوزير الخارجية والمغتربين في بلادي، فإنني أود أن أتناول الدور الذي قام به المجلس خلال السنوات الماضية ومنذ أن زجت به بعض الحكومات الغربية والعربية وأقحمته في التعامل مع الوضع في بلادي، ومحاولة تكرار سيناريوهات كارثية تم تطبيقها في دول أخرى تحت عناوين ومصطلحات خادعة أثبتت الأحداث مدى تأثيرها المدمّر.
أخطاء جسيمة ارتكبها الغرب بحق سورية والمنطقة
وأضاف الجعفري: مع اقتراب نهاية العام وإطلالة الأعياد فإن الدولة والشعب في سورية كانا يتمنيان أن نسمع اليوم قراءة سياسية ودبلوماسية أكثر نضجاً من الزملاء الغربيين في المجلس، فبعد عشرة أعوام من اعتماد لغة خشبية في جلسات مجلس الأمن حول الوضعين السياسي والإنساني في بلادي ربما حان الوقت للاعتراف بالأخطاء الجسيمة التي ارتكبتها السياسات الغربية ليس بحق سورية فقط بل بحق كامل منطقتنا، وهي أخطاء مسؤولة مباشرة عن الكثير من سفك الدماء وكثير من الآلام والإحباط، مشيراً إلى أن السياسة يجب أن تكون علماً خاضعاً للتقييم من حين لآخر، وليست مغامرات دونكيشوتية عبثية لمحاربة طواحين الهواء جلسة بعد جلسة.
مجلس الأمن.. عقود طويلة من الإخفاقات
وأشار الجعفري إلى أن سورية عضو مؤسس للأمم المتحدة، وكانت من بين الدول الخمسين التي وقعت على الميثاق المنشئ للمنظمة الدولية في مؤتمر سان فرانسيسكو، وشغلت مقعداً غير دائم في مجلس الأمن أربع مرات آخرها بين عامي 2002 و 2003، وتدرك تماماً آليات عمل المجلس ومجريات الأمور فيه، وهي ليست ممن يتخيّلون أنه جزء من مدينة أفلاطون الفاضلة، حيث عايشت على مدى عقود طويلة إخفاقاته في التعامل مع الكثير من المسائل المهددة للسلم والأمن الدوليين في منطقتنا والعالم، وفي مقدمتها المسائل المرتبطة بالاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية المحتلة في فلسطين وسورية ولبنان وحروب البلقان وتقسيم يوغسلافيا ومذابح رواندا والقضايا الإفريقية والغزو الأمريكي البريطاني للعراق وتدمير حلف الناتو لليبيا وغيرها.
محاولات مستميتة لخلق مبررات التدخل والعدوان
وأشار الجعفري إلى أنه لهذه الأسباب عارضت سورية، منذ بدايات ما اصطلح على تسميته بالأزمة فيها، محاولات بعض الدول الغربية وأدواتها في المنطقة لتدويل الأزمة ومحاولات توظيف مجلس الأمن المستميتة لاستعداء الدولة السورية وخلق مبررات التدخل والعدوان الخارجيين، لافتاً إلى أنه رغم إدراك الجميع الجهود الحثيثة التي بذلتها سورية لحل الأزمة وتسويتها ضمن البيت الداخلي، إلا أن ذلك لم يرض أهواء الدول المعادية لها، التي فبركت في مخابر دولها العميقة ما اصطلح على تسميته “الربيع العربي” ووجدت فيه ضالتها المنشودة لزعزعة استقرار سورية وأمنها وتقويض منجزاتها الحضارية والتنموية والنيل من خياراتها الوطنية، حيث قامت بدعم الإرهاب وتجنيد وتمويل وتسليح الإرهابيين العابرين للحدود وشن أعمال العدوان الأحادية تارة والثلاثية تارة أخرى، وشكّلت تحالفات غير شرعية خارج مظلة الأمم المتحدة، ومارست الاحتلال والقتل والتدمير والتهجير ونهب الآثار والنفط والغاز والمحاصيل الزراعية وسرقة مقدرات الدولة السورية وأملاك السوريين.
تكريس شريعة الغاب وتغليب قانون القوة
وأضاف الجعفري: أدليت خلال سنوات الأزمة العشر، وخلال سنوات عملي الـ 14 مندوبا دائماً لبلادي في نيويورك، بنحو ألف بيان ومداخلة أمام مختلف هيئات واجتماعات وفعاليات الأمم المتحدة، وحرصنا في هذه البيانات والمداخلات على التنبيه مما تشهده الساحة الدولية من تجاوزات للقانون الدولي ومبادئ ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة، ومحاولات تكريس شريعة الغاب وتغليب قانون القوة على مبدأ قوة القانون، مبيناً أنه مع شروع المجلس بمناقشة الوضع في سورية قبل تسع سنوات طالبنا بإعلاء مبادئ القانون الدولي وأحكام الميثاق واحترام سيادة سورية ووحدة وسلامة أراضيها، ودعم جهود الحل القائم على الحوار الوطني السوري- السوري والمصالحات المحلية، والتطبيق الحازم والجاد لقرارات مكافحة الإرهاب، وتشكيل تحالف دولي تحت مظلة الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، ودعم جهود الدولة وحلفائها في هذا المجال، إلا أن البعض شحن أدواته السياسية والاقتصادية والإعلامية للترويج لمزاعمه والتغطية على جرائمه وتلفيق الاتهامات والتعتيم على دعوات سورية ومطالباتها.
دعم أمريكي لكيانات إرهابية وميليشيات انفصالية
وبين الجعفري أن الجميع يذكر أن تصريحات البعض في مجلس الأمن أنكرت على مدى سنوات وجود إرهاب عابر للحدود في سورية، بل ذهب البعض إلى ما هو أبعد من ذلك فأنكر وجود إرهاب لـ “داعش” في سورية، وأطلق على الإرهابيين الأجانب مصطلح “معارضة سورية مسلحة معتدلة”، واليوم وبعد نحو عشر سنوات على تدخل مجلس الأمن لمناقشة الوضع في سورية نجد احتلالاً أمريكياً لمناطق في شمال شرقها، ودعماً منه لكيانات إرهابية وميليشيات انفصالية وهيئات غير شرعية، كما نجد احتلالاً أمريكياً لمنطقة التنف ومخيم الركبان قرب الحدود مع الأردن والعراق، ودعماً من القوات الأمريكية لتنظيمي “داعش” و”مغاوير الثورة” الإرهابيين وغيرهما هناك.
دول الناتو تدعم إجرام أردوغان وتتنكر لشعاراتها
ولفت الجعفري إلى وجود احتلال تركي في الشمال والشمال الغربي من سورية، ودعم نظام أردوغان “الواهم بإحياء السلطنة العثمانية” الإرهاب وتجنيده المرتزقة والاتجار بهم في أسواق الحروب الدولية، كما نشهد جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وممارسات التتريك والقتل والتهجير والتغيير الديمغرافي والنهب وسرقة المحاصيل وحرقها، والحرمان من مياه الشرب التي يرتكبها النظام التركي وأدواته بحق السوريين، وأشار إلى ما يعانيه مليون مواطن من أهلنا في الحسكة للمرة الـ 17 من استخدام نظام أردوغان المياه سلاح حرب، وقطعه إمدادات المياه من محطة علوك لأكثر من عشرين يوماً ما تسبب بمعاناة إنسانية هائلة، سبق للأمين العام للأمم المتحدة بذل جهود للتخفيف منها قبل نحو شهرين، وكذلك قيام نظام أردوغان ومرتزقته بتفكيك وسرقة أعمدة الكهرباء في عدد من قرى محافظة الحسكة ونقلها إلى مستودعات تابعة للاحتلال التركي تمهيداً لبيعها لسماسرة أتراك، فيما تتنكر دول الناتو، الداعمة لإجرام أردوغان، لشعاراتها ومزاعمها الإنسانية وتصمت أمام مثل هذه الجرائم والسرقات الموصوفة.
الجولان أرض محتلة ستعود إلى سورية طال الزمان أم قصر
وأضاف الجعفري: في جنوب سورية يتواصل الاحتلال الإسرائيلي للجولان السوري وتتواصل جرائم الاحتلال الممنهجة بحق أهلنا هناك، وآخرها ما شهدناه خلال الأيام القليلة الماضية من قيام قوات الاحتلال الإسرائيلي بإغلاق عدد من المداخل الرئيسة لقرى الجولان السوري المحتل والاعتداء على الأهالي ومنعهم من الوصول إلى أراضيهم الزراعية، التي يسعى الاحتلال للاستيلاء عليها وإقامة مخطط التوربينات الهوائية فيها، علاوة على الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الأراضي السورية، وهي أمور تتم بغطاء من الإدارة الامريكية، التي تتنصل من التزاماتها الدولية وقرارات مجلس الأمن والشرعية الدولية، وتحاول تغيير الوضع السياسي والقانوني والجغرافي للجولان بوصفه أرضاً سورية محتلة ستعود إلى سورية طال الزمان أم قصر.
لا شيء.. صفر
وتساءل الجعفري: ماذا فعلت الدول الغربية الأعضاء في مجلس الأمن لتمكين المجلس من الوفاء بالتزاماته والمهام التي أنطناها به لإنهاء الاحتلال الأمريكي والتركي والإسرائيلي لأراض في بلادي؟.. وماذا فعلت تلك الدول للتعبير عن تمّسك المجلس القوي بسيادة سورية ووحدة وسلامة أراضيها، وهي العبارة التي استهلت بها كل قرارات المجلس ذات الصلة بالوضع في سورية؟.. وكم هو عدد القرارات والبيانات الرئاسية والبيانات الصحفية والعناصر للصحافة التي تقدّمت بها وفود الدول الغربية للمجلس تحقيقاً لهذه الغاية؟.. الجواب: لا شيء.. صفر، وأضاف: ماذا فعلت الدول الغربية الأعضاء في مجلس الأمن لتمكينه من الاضطلاع بدور فاعل في مكافحة الإرهاب المتمثّل بتنظيمي “داعش” و”جبهة النصرة” والكيانات والمجموعات الإرهابية المرتبطة بهما، التي ترتكب أبشع أشكال الجرائم في بلادي، وتتخذ المدنيين دروعاً بشرية، وتنهب ممتلكاتهم وموارد رزقهم، وحتى المساعدات الإنسانية التي نوصلها لهم؟.. وماذا فعلت هذه الدول لإعلاء قرارات المجلس المتعلقة بمكافحة الإرهاب ومساءلة الدول المعروفة الراعية للإرهاب؟.. وماذا فعلت أيضا لضمان تحرّك المجلس لمنع الإرهابيين من استخدام أسلحة كيميائية وتلفيق المسرحيات واتهام الدولة السورية؟!.. الجواب أيضاً: لا شيء.. صفر.. اللهم باستثناء إبقاء الملف مفتوحاً لممارسة الابتزاز السياسي بحق الدولة السورية!.
إبقاء المعاناة مستمرة لممارسة الابتزاز السياسي
وأردف الجعفري: ماذا فعلت الدول الغربية الأعضاء في مجلس الأمن لتمكينه من تحسين الوضع الإنساني وإصلاح نتائج أفعالها هي ذاتها عبر التصدي لسياسات الإرهاب الاقتصادي والعقاب الجماعي للشعوب المتمثّلة بالإجراءات الاقتصادية القسرية أحادية الجانب المفروضة على بلادي وعلى دول أخرى مثل كوبا وفنزويلا وإيران وبيلاروس وكوريا الديمقراطية وزيمبابوي، وهي إجراءات تلقي بآثارها الكارثية على المدنيين السوريين وتحرمهم الغذاء والدواء والوقود والكهرباء وأبسط احتياجاتهم المعيشية ومستلزماتهم الطبية الأساسية؟.. أيضا الجواب: لا شيء.. صفر.. اللهم باستثناء إبقاء المعاناة مستمرة لممارسة الابتزاز السياسي.
وشدد الجعفري على حرص سورية على دور الأمم المتحدة ومجلس الامن في الحفاظ على السلم والامن الدوليين، لكن يؤسفها ما تشهده من عرقلة بعض الدول الغربية لعمل المجلس وسعيها لحرفه عن ولايته المرسومة بموجب الميثاق، وتحويله إلى أداة لخدمة أجنداتها السياسية ومنصة أخرى لحلف الناتو لاستعداء دول بعينها ومحاولة استهدافها وعزلها وتشويه صورتها، مشيراً إلى أن الأمر الوحيد الذي فعلته وفود هذه الدول الدائمة والمتعاقبة هو تأجيج الأزمة في سورية وتعقيدها وإطالة أمدها وعرقلة الجهود الرامية لتسويتها، وهو ما فعلته أيضاً بالنسبة لعدد من القضايا التي لا يزال بعضها مدرجاً على جدول أعمال مجلس الأمن منذ عقود طويلة.
الكف عن محاولات تقويض الأمم المتحدة
وجدّد الجعفري مطالبة سورية الدول الغربية الست دائمة العضوية وغير دائمة العضوية في مجلس الأمن بالعدول عن هذا النهج والحفاظ على ولاية مجلس الأمن المستندة إلى مبادئ ومقاصد الأمم المتحدة والكف عن محاولات تقويض الأمم المتحدة كما قوّضت من قبلها عصبة الأمم.
وأضاف الجعفري: إن الوفد الوطني السوري في اللجنة المصغرة للجنة مناقشة الدستور قام بدور إيجابي في تيسير اجتماعات الجولة الرابعة التي عقدت قبل أيام، وكان الأمل أن يقوم الطرف الآخر بالدور ذاته إلا أن هيمنة بعض القوى المعروفة عليه حالت دون تحقيق هذا الهدف، ويجري التحضير حاليا لعقد الجولة الخامسة الشهر القادم، مجدداً في هذا الصدد التأكيد على الملكية والقيادة السورية للعملية السياسية التي تيسّرها الأمم المتحدة، وأن إنجاح عمل اللجنة يستلزم احترام قواعد إجراءاتها التي تم التوافق عليها، ورفض أي تدخلات خارجية في عملها، وأي محاولات لبعض الدول لفرض جداول زمنية مصطنعة.. فاللجنة سيدة نفسها والشعب السوري صاحب الحق الحصري في صنع مستقبله.