الخيول.. لماذا تحبها النساء والفتيات كثيراً؟
مثل الكثير من الفتيات الصغيرات، كنت مهووسةً تماماً بالخيول. فقد ربَّى جدي الخيول، وهو مَن وضعني بيديه على حصان لأول مرة عندما كان عمري ثلاث سنوات فقط. ولسنوات عديدة، عندما لم أكن بالقرب من الخيول، كنت أشاهد الرسوم المتحركة للخيول وألعب بتماثيل الخيول وأرسمها حتى كبرت وأصبحت واحدة من النساء المهووسات بالخيل.
وهذا ليس أمراً غريباً تماماً في الآونة الأخيرة. فقبل عقدين كم الزمن، كان الرجال يمتلكون غالبية الخيول ويستخدمونها في المنافسة والسباق، وربما كسب المال، وفي الغابات والمزارع، وفي الفعاليات. ولكن، في مرحلة لاحقة، أصبح الرجال أقلية في كل فعالية للفروسية والخيل. وفي معظم المساحات التي لها علاقة بالخيول، تكون النساء أكثر انتشاراً من الرجال. علاوةً على ذلك، نجد أن نسبة مالكي الخيول في العالم، وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، من النساء أكثر من 90% من إجمالي مالكي الخيل. وثلاثة من كل أربعة طلاب مسجلين في مدارس ركوب الخيل في أوروبا هم من النساء. ولم تعمل امرأة في الطب البيطري للخيول إلا في عام 1957، لكن الآن أصبحت 4 من كل 5 خريجين في الطب البيطري للخيول من النساء.
لذا، ثمة سؤال واحد يطرحه كثيرون: لماذا تحب النساء والفتيات الخيول؟
هل تهتم النساء فقط بوسائل النقل السريعة أو الكبيرة؟ لا. تمثل النساء أقلية وسط سائقي الدراجات النارية (20%) وأصحاب الشاحنات.
هل تحب المرأة الحيوانات بشكل عام؟ نعم، 85% من مدربي الكلاب من النساء. و”تُرجَّح مشاركة النساء في حماية الحيوان والدفاع عنه بنسبة أكبر، وهن أكثر ميلاً لأن يكنّ نباتيات، وأكثر ميلاً لتبني الكثير من الحيوانات، وأقل عرضة للصيد أو الانخراط في الإساءة المباشرة للحيوانات”.
وتشهد قلة من المجالات المهنية الأخرى مثل هذا التحول الدراماتيكي من الرجال إلى النساء، مثلما شهد الطب البيطري ومجالات أخرى تتعلق بالحيوانات. وقد تشير فرضية البناء الاجتماعي، أو التمييز، إلى أن سبب تساوي تمثيل النساء للرجال في الطب البيطري وتدريب الكلاب، أو تفوقه، لا في الهندسة أو قيادة سيارات السباق أو الجراحة، هو أن هذه المجالات أصبحت أقل تمييزاً على أساس الجنس بمرور الوقت. لكن الحقيقة هي أن هناك اختلافات حقيقية بين الجنسين في الاهتمامات الأساسية بين الرجال والنساء، ما يعكس غالباً اختلافات بيولوجية بينهما. وعندما تنهار الحواجز المجتمعية الكبيرة، يجب أن نتوقع أن تكون المرأة ممثلة تمثيلاً أكبر في المجالات التي تجذب المزيد من الاهتمامات الأنثوية.
لماذا تهتم النساء بتربية الخيول والعناية بها أكثر من الرجال؟
تميل النساء غريزياً إلى ممارسة هوايات أو اهتمامات أو ألعاب تساعدهن على ممارسة المهارات التكيفية بطريقة ما. فمع الخيول، تمارس النساء نفس المهارات التي تستخدمنها لتدريب شركائهن وأطفالهن.
لنبدأ بالفتيات والاختلافات الجنسية في اللعب. هناك أسباب تطورية جيدة للعب، فأنت لا يمكنك أن تأتي إلى هذا العالم بكل ما تحتاجه من معرفة. ويساعد اللعب الحيوانات الصغيرة – والبشر – على ممارسة المهارات التي سيستخدمونها حين يصبحون بالغين. وتجتمع متعة اللعب والهوس بالتفكير في كيفية التعامل مع الأشخاص أو الأشياء أو الحيوانات المعنية معاً لتحسين التفكير والمهارات ذات الصلة. ويمارس الأطفال ألعاب القتال، والعلاقات الخاصة بالبالغين، ورعاية الأطفال. ولكن، تختلف اهتمامات الفتيات والفتيان نسبياً في اللعب لأن لديهم نقاط قوة واستراتيجيات مختلفة في ما يخص التأثير على الآخرين.
ويعد الرجال أقوى جسدياً من النساء، ولديهم اختلافات جسدية أخرى قد تشير إلى أنها تكيفات مع العدوان الجسدي. وإحدى الطرق الرئيسية التي يتمتع بها الرجال بالسلطة والتأثير هي القوة البدنية المباشرة. وهذا هو أحد الأسباب التي تجعل الأولاد، وحتى القرود الذكور، أكثر تركيزاً على اللعب الخشن والمتقلب. فهذا اللعب طريقة رائعة للتدرب على القتال. وعندما يهتم الأولاد بالوسائل غير المباشرة من السرعة والقوة، يميلون إلى امتلاك اهتمام أكبر باستخدام إدراكهم المكاني الأفضل نسبياً، وهم أكثر اهتماماً نسبياً بالصواريخ والقطارات والألعاب الميكانيكية الأخرى مقارنةً بالفتيات.
وبالنسبة للنساء، ينبع المصدر الرئيسي للتأثير على الآخرين من الجانب النفسي. ويمكن لكل من الرجال والنساء الاستفادة من وجود حلفاء أقوياء. لكن بالنسبة للنساء، مثَّل الرجال أحد أكبر التهديدات لرفاهيتهن عبر التاريخ التطوري. فلا تستطيع المرأة في كثير من الأحيان الدفاع عن نفسها بشكل مباشر لأنها تميل إلى أن تكون أقل حجماً وقوة من الرجل. فما هو أفضل دفاع ضد الرجال الذين يحتمل أن يكونوا عنيفين؟ رجل!! وحتى الآن، فإن النساء اللواتي يشعرن بالتهديد يجدن تشجيعاً لأن يتخذن أصدقاءً من الذكور الأقوياء وشركاء عاطفيين ضخاماً، وكلاهما يتطلب تأثيراً نفسياً.
وتعتبر الخيول محفزاً قوياً لديناميكية اكتساب القوة من خلال التأثير؛ فهي كبيرة وقوية وسريعة، ولكنها أيضاً متحفظة وصعبة في التدريب. وبحسب القصص المتناقلة، قد يدرب كلٌّ من الرجال والنساء الخيول بشكل مختلف، و”يتعين على النساء التعامل مع الخيول بأدمغتهن لأنهن يدركن بالبديهة أن القوة لن تعمل لصالحهن على الأرجح”. ويسمى ترويض الحصان البري بالصبر والانتباه “التلطيف”، وهو حرفياً تسخير قوة حيوان هائل، لا بقوتك البدنية أو عقابك، بل بمهارات التدريب الأسمى ومهارات كالتواصل غير اللفظي. وفهم طبيعة المكافآت والعقوبات مع الخيول هي نفس المهارات التي تستخدمها النساء للتأثير على شركائهن الرومانسيين وتدريب أطفالهن.
وغالباً ما تروي الخرافات والأساطير والحكايات الشعبية علاقات وثيقة بين الإنسان والحيوان بما توفره من هباتٍ خاصة، وهناك العديد من الأمثلة البارزة لنساء وصلن إلى السلطة من خلال الحيوانات. ومن تلك الأمثلة الحديثة الشائعة هي “دينيرس” التي تتواصل بالتخاطر مع تنين، وهو تنين قوي تعتبره طفلها. وللساحرات ما يشبه ذلك من حيوانات، كالقطط أو الطيور، تساعدهم في السحر.
وفي الأساطير والخرافات، يبدو أن زواج النساء من الحيوانات أكثر شيوعاً من الرجال. ومثل هذه القصص هي امتداد لفكرة أن إحدى نقاط القوة النفسية الرئيسية للمرأة هي فهم وتسخير سيكولوجية الآخرين، وأن لديها الدافع والمهارة لخلق التأثير حتى على عقول مختلفة تماماً عن عقلها.
والخيول ليست كالكلاب أو حتى معظم القطط المنزلية. فمعظم الخيول لا تحب الضم أو تتحمس للتواصل. لكن المرأة تنمي مشاعر محبة وحتى رومانسية تجاه الخيول؛ لأن الارتباط بالخيل هو الطريقة التي تُمكّن بها الموهبة النفسية المرأة من اكتساب الجمال والسحر والسرعة والقوة. \وتصف الروائية جين سمايلي شعور ركوب الخيل بشكل جميل عندما تتحدث عن حصانها، تيك توك: “الشيء الفريد في الركوب هو أن الحصان موجود دائماً، وليس فقط جسدياً: شخصية تيك توك ونواياه واستعداده دائماً ما يكون واضحاً. لقد تعلمت لماذا يمثل مصطلح “ركوب الخيل منفرداً” تناقضاً لفظياً، فالفروسية ليست عملاً فردياً أبداً. بل هي شعور دائم بالكائن الآخر، الكائن الحي الغامض ولكن المفهوم أيضاً: وهو الحصان”.