الشراكات الاقتصادية والقرن الآسيوي
عناية ناصر
كثيراً ما يقال إن السياسة في هذه الأيام ترتبط ببعض الإشارات، وإذا كان هذا هو الحال، فقد أعطت الصين مؤخراً إشارات قوية تؤثر على مستقبل التجارة العالمية والعولمة. وفي 15 تشرين الثاني الماضي، وقعت الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة (RCEP) مع 14 دولة بعد ثماني سنوات من المحادثات، والتي تضم 2.2 مليار نسمة، وناتجاً محلياً إجمالياً يشكل نسبة 29 في المائة من الاقتصاد العالمي. هذه الاتفاقية يمكن اعتبارها أكبر صفقة تجارية تم توقيعها على الإطلاق.
قبل ذلك، وتحديداً في قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادي “APEC” الافتراضية في كوالالمبور، أعلن الرئيس شي جين بينغ اهتمام الصين بالانضمام إلى الاتفاقية الشاملة والتقدمية للشراكة عبر المحيط الهادئ (CPTPP)، والتي يشار إليها غالباً باسم اتفاقية الشراكة العابرة للمحيط الهادئ والمعروفة باسم TPP11، والتي تضم ستة أعضاء في” الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة”، بالإضافة إلى عدد من دول الأمريكيتين، وكان هذا المفهوم يشكل من نواح كثيرة الاستجابة البحرية لمبادرة الحزام والطريق التي طرحتها الصين.
لقد سبق للرئيس ترامب أن تخلى عن الشراكة عبر المحيط الهادئ في كانون الثاني 2017، في واحدة من أولى أعمال إدارته. وفي الآونة الأخيرة، تجاهل أيضاً اجتماعات الآسيان الافتراضية (التي يمثل أعضاؤها العشرة جزءاً من اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة الإقليمية) واجتماعات قمة شرق آسيا التي دُعي إليها، في إشارات واضحة جداً أنه بينما تمضي الصين قدماً في التكامل الإقليمي لآسيا، تتخلى الولايات المتحدة عن شراكاتها.
إن انضمام الدول الثلاث ذات الثقل الاقتصادي في شرق آسيا (الصين واليابان وكوريا الجنوبية) إلى مثل هذه المجموعة الاقتصادية، على الرغم من خلافاتها المستمرة، هو حقيقة تاريخية مؤكدة. والشيء نفسه ينطبق على أستراليا ونيوزيلندا ضمن اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة الإقليمية. إذ تمضي آسيا وأستراليا قدماً في التكامل الاقتصادي الإقليمي، في الوقت الذي تواصل فيه دول شمال الأطلسي الانغماس في الحمائية والخلافات الغامضة حول كيفية إنهاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. لقد أخذت عملية الخروج حتى الآن أربع سنوات من اهتمام الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، ولا تظهر أي بوادر على نهايتها قريباً.
على مدى السنوات الثلاث الماضية، راجت فكرة أن فكرة منطقة آسيا والمحيط الهادئ (التي تأسست فيها كيانات مثل APEC منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادي، مع انتهاء الحرب الباردة) قد عفا عليها الزمن، ويجب استبدالها بمفهوم المحيطين الهندي والهادئ. تم تضمين جميع أنواع الأرقام من حيث عبور البضائع عبر المحيط الهندي والوصول إلى المحيط الهادئ كجزء من هذه المبادرة. وبالمقابل كانت هذه الأفكار الجوهرية هي تتويج لكل هذا الحوار الأمني الرباعي (QSD)، المعروف أيضاً باسم (QUAD)، والذي يضم الولايات المتحدة واليابان والهند وأستراليا، التي اجتمع وزراء خارجيتها في 6 تشرين الأول الماضي في طوكيو وسط ضجة كبيرة. هذا التحالف وصفه البعض بأنه “ناتو آسيوي” في طور التكوين، وقد قيم بناء” QUAD” على أنه تحول رئيسي في بنية المنطقة.
وبحكم الواقع، هناك شيء ما في فكرة المحيطين الهندي والهادئ، ولكن سيمر وقت طويل قبل أن تتبلور ككيان جيوسياسي وجيو-اقتصادي. وما تزال في الوقت الحالي، مجرد أمنية.
إننا نشهد عودة منطقة آسيا والمحيط الهادئ، بشكل كامل، إلى مركز الشؤون العالمية. وإذا انضمت الصين إلى اتفاقية الشراكة العابرة للمحيط الهادئ، وفي ظل إمكانية الاندماج بين “الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة”، و”اتفاقية الشراكة العابرة للمحيط الهادئ”، فسيكون ذلك بمثابة تغيير حقيقي. ومن المؤكد أنه سيقود إلى ما وصفه كيشور محبوباني- بروفيسور سنغافوري- بالقرن الآسيوي.
الآن وبينما يقوم الرئيس المنتخب جو بايدن بتجميع فريق السياسة الخارجية والأمن القومي، هناك حديث متصاعد في واشنطن عن إحياء التحالفات والتعددية، فليس هناك شك في أن أهم خطوة فردية يمكن أن يتخذها بايدن في هذا الصدد بعد توليه منصبه ستكون الانضمام إلى الاتفاقية الشاملة والتقدمية للشراكة عبر المحيط الهادئ، التي قضت نسختها السابقة باسم الشراكة عبر المحيط الهادئ TPP ما يقرب من عقد من الزمن في المفاوضات والمباحثات. ومع ذلك، فإن مثل هذه الأحاديث تشير إلى المناخ في واشنطن اليوم.