رغم الحاجة للتسويق والترويج.. المعارض الداخلية تتحول إلى عبء يثقل كاهل المنتجين..!.
“البعث الأسبوعية” ــ ريم ربيع
لا يوجد حلول وسطى لما يُعقد من معارض داخلية متخصصة أو شاملة، فهي إما تنجح وتشكل حالة دعائية وتسويقية كبيرة ولافتة، وإما تفشل بكل المقاييس ولا تتعدى كونها مصاريف وكُلف لا فائدة منها، وبين الحالتين نرى من يستثمر بالمعارض الناجحة ويركز على ما جعل منها شعبية ليقدم كل ما أمكن لدعم نجاحها، ونرى على الجانب الآخر من يصرون على إعادة تجربة بعض المعارض المتخصصة دون أية دراسة أو محاولة لتلافي الأخطاء السابقة.
المنفذ الوحيد
وبعد أن كان للمنتجات السورية حضور لافت في مختلف المعارض الدولية، يقتصر اليوم عرض الجديد من المنتجات على المعارض المحلية، وقلة قليلة من المعارض في بعض الدول العربية، فأصبح التسويق المحلي المنفذ الوحيد للشركات والمعامل، خاصة في ظل الحصار والتضييق على المنتج السوري والصعوبات التي يعاني منها التصدير للخارج. ومع ذلك، لم يصل الصناعيون والتجار بعد إلى صيغة مناسبة تضمن نجاح هذا التسويق، واقتصرت المعارض الناجحة على المواد الغذائية والاستهلاكية والحاجات الأساسية للعائلة السورية، أي أنها مهرجانات تسوق أكثر مما تكون معارض بمقوماتها العديدة.
معنوية فقط
أما تلك المعارض المتخصصة بالإلكترونيات أو الكهربائيات، أو معارض النفط والطاقة والبناء وإعادة الإعمار، فجميعها كانت ذات رسائل معنوية أكثر منها اقتصادية، ولم تثمر أية عقد؛ ويعود هذا لأسباب كثيرة، لعل أساسها قصور الدراسات التي تسبق هذه المعارض وغياب الشركات المتخصصة والكفوءة للتحضير لها، ومحدودية حضور رجال الأعمال من خارج سورية فيها، إذ يعتبر الخبير الاقتصادي د. سنان ديب أن بعض المعارض يفشل بسبب عدم الدراسة الصحيحة، فهو يأخذ البعد التسويقي فقط ويغفل نقاطاً أساسية أخرى، كما يلعب التوقيت أيضاً دوراً هاماً في إنجاح المعرض، وبصورة عامة لا نجد الفائدة والجدوى المرتجاة بسبب ظروف الحرب والحصار والوضع المعيشي، والركود التضخمي، وقلة الموارد وتقلص الأنواع الممكن تصديرها.
ترف
يرى البعض في المعارض الداخلية ترفاً لا فائدة منه، فهي تشكل أعباء مادية كبيرة على المشاركين دون مردود يذكر، وتكون مشاركتهم فيها من باب المجاملة لا أكثر، إذ يشكو حرفيو المهن التراثية – مثلاً – من التكاليف المترتبة عليهم في كل مرة يشاركون بمعرض، وذلك عدا عن التلف التي تتعرض له بعض القطع أثناء النقل، فهم يدركون أن الوضع المعيشي لأغلب الأسر لا يسمح لها بالتوجه لشراء المنتجات الحرفية، خاصة إن تحدثنا عن الموزاييك أو الرسم العجمي أو الفضيات وغيرها من الحرف التي ليست بحاجة إلى الدعاية، فهي معروفة عالمياً ولطالما كانت السوق الخارجية لها أكثر نشاطاً من المحلية، ذلك عدا عن تركز أغلب المعارض المتخصصة في دمشق، مما يشكل عبئاً على المنتجين في بقية المحافظات يمنع من حضورهم.
بلا هدف.!
الصناعي عصام زمريق يعتبر أن المعارض الداخلية تشكل حالة دعائية فقط أكثر منها فرصة لعقد الصفقات، فنجاح المعرض يقاس بعدد زواره من رجال الأعمال غير السوريين، وما يعقد من صفقات، وكلاهما غير موجود حالياً. والأجدى بغرف الصناعة والتجارة أن تركز على المعارض الخارجية، خاصةً وأن الاستيراد حالياً مقيد بعدة شروط، ولا يسمح باستيراد المواد الغذائية والنسيجية، أي أن السوق مسخّرة فقط للمنتج السوري دون منافس، فما الهدف إذاً من المعارض المحلية؟! فكل ما يوقع من عقود – إن وجدت – عقود داخلية أمام قوة شرائية ضعيفة جداً للمستهلك، فلا فائدة منها إن لم تتجه للخارج، خاصة وأن القدرة التنافسية للمنتج السوري مقارنة بدول الجوار ما زالت جيدة جداً، سواء بأجرة اليد العاملة أو أسعار حوامل الطاقة وغيرها.
ويضيف زمريق أن 90% من المنتجين ليس لديهم القدرة على سبر الأسواق الخارجية، فيفترض أن تكون هذه مسؤولية غرف الصناعة ووزارة الاقتصاد لتقدم خارطة للمنتجين بحيث تحددان الأسواق التي يجب أن يتوجهوا إليها. أما حول تركيز بعض هذه المعارض على إيجاد فرصة للبيع من المنتج إلى المستهلك مباشرة بدون حلقات وسيطة، فيعتبر زمريق أن تجربة جميع الدول الأوروبية في هذا المجال يمكن أن تكون أكثر جدوى، إذ يتم تحديد أسواق بأيام محددة، طيلة العام (سوق الأحد – سوق الجمعة..)، لتكون منصة للبيع من المنتج للمستهلك في جميع المحافظات، وهي – برأيه – طريقة أفضل، وأقل تكلفة من أية معارض.
تسويق
بدوره يوضح د, ديب أن للمعارض على العموم دوراً ترويجياً وتسويقياً، ويتم التوجه للمعارض المتخصصة في الظروف العادية لعرض أحدث ما توصل له العلم من أدوات وتقنيات للاستفادة منها في زيادة الإنتاج، وغالباً ما تشارك به وكالات عديدة؛ ولطالما أقيم بسورية مثلها في معرض دمشق الدولي خاصة، لكن في الظرف الحالي أصبحت الناحية التسويقية الداخلية الجزء الأهم كونها تختصر حلقات عديدة لتبيع للمستهلك بسعر أقل من البيع بالتجزئة، معتبراً أن الوضع الحالي ضيق الإمكانات، وكذلك نوعية المعارض القابلة للنجاح. ومع ذلك، تبقى هذه المعارض حاجة أساسية في مرحلة إعادة الإعمار وعودة المهجرين، مؤكداً أن نجاح المعرض يتطلب نقاط عدة أولها تحديد الهدف والغاية، فالمعرض الداخلي له أولويات استهلاكية وإنتاجية يجب مراعاتها بشكل دقيق.
فرصة
لا يمكن إنكار أهمية المعارض المحلية في تسويق منتجات المشاريع الصغيرة والمتوسطة، لاسيما أنها حتى الآن لم تجد طريقاً سالكاً للانتشار في الأسواق ومنافسة بقية المنتجات، إذ يرى أصحاب هذه المشاريع في المعارض الداخلية فرصة ذهبية لتسويق منتجاتهم والتعريف بها، والتشبيك مع التجار لضمان مستقبل صناعتهم. وقد يكون معرض “منتجين 2020″، الذي عقد مؤخراً في التكية السليمانية بدمشق، خير دليل على ذلك، إذ ضم المعرض حينها مجموعة من الصناعيين الحلبيين العاملين ضمن ورشات صغيرة وبإمكانات متواضعة، وتمكنوا خلال هذا المعرض من توفير فرص عديدة للتسويق في مختلف المحافظات. وهنا يرى ديب أن المشاريع الصغيرة والمتوسطة تشكل أساس عودة الاقتصاد في هذه المرحلة، وللمعارض الداخلية الدور الأساس في تسويق منتجاتهم والترويج لها، لاسيما مع محاولات دعم هذه المشاريع، فهي أولاً وأخيراً من سيحدد مدى نجاحها وقدرتها على المنافسة والانتشار، من عدمه!!