اتفاق التطبيع بين إسرائيل والمغرب: مقايضات عالية الخطورة.. وثمن باهظ ستدفعه واشنطن وتل أبيب!
“البعث الأسبوعية” ــ تقرير العدد
دونالد ترامب، الذي يبعد مسافة شهر واحد عن رحيله، يخاطر بإشعال التوترات في المغرب العربي.. مقابل تطبيع المغرب لعلاقاته مع إسرائيل، وهو ما أُعلن عنه في 10 كانون الأول الجاري، تعترف واشنطن بالسيادة المملكة المغربية على الصحراء الغربية، المنطقة المتنازع عليها، والتي تدافع الجزائر عن مطالبها بالاستقلال.
ومن المرجح أن تؤدي المقاضة المعيارية الرابعة من نوعها التي تم التوصل إليها، خلال العام 2020، بين “إسرائيل” ونظام عربي – هو المغرب اليوم – وللمرة الأولى، إلى مشاكل على الأرض.. ليس في الشرق الأوسط ولكن في المغرب الكبير.
تم الإعلان عن خبر التطبيع في الأمسية الأولى من عيد حانوكا اليهودي، عبر تغريدة من ترامب، وبيان من ملك الرباط، وآخر لنتنياهو يشعل الشمعة الأولى عند حائط المبكى، برفقة السفير الأمريكي لدى إسرائيل، ديفيد فريدمان.
ولكن لهذه القصة الخرافية جانبها السلبي، إذ لم يقبل بها المغرب إلا مقابل اعتراف الولايات المتحدة بسيادته على الصحراء الغربية، وهي أرض متنازع عليها منذ فترة طويلة، ويدور نقاش حول وضعها في الأمم المتحدة، حيث يطالب الصحراويون باستقلالهم، بدعم من الجزائر. وهكذا تجعل هذه القضية من المغرب قوة استعمارية.
وبعد الإعلان عن هذه “المقايضة”، أعلنت جبهة البوليساريو أنها ستواصل القتال ”لأن ترامب يعطي المغرب ما ليس له”. وتدعو البوليساريو الأمم المتحدة إلى إجراء استفتاء حول تقرير المصير.
“تقول سارة فوير، الباحثة في “المعهد الوطني للدراسات الاستراتيجية” في تل أبيب: إنها حالة معقدة للغاية، لأننا لا نعرف أي شيء عن نوايا جو بايدن اعتباراً من 20 كانون الثاني. وفي الوقت الراهن، رفضت دائرته التعليق. ومن جهة أخرى، ماذا سيكون موقف الأوروبيين؟ المغرب حليف لهم، لكنهم يدعمون القرارات الدولية. وعلى الجانب الإسرائيلي، نرى أن مفردة تطبيع لا تكتب في أي مكان في الإعلان المغربي. إنها عملية مهمة، ولكننا لسنا متأكدين مما ستصبح عليه. بطبيعة الحال، هناك انفعال في إسرائيل، ولكنه انفعال يخفف من حدة المخاوف الأكثر أهمية لدى الرأي العام: أزمة الفيروس التاجي والمأساة الاقتصادية”.
إن “امتنان” إسرائيل تجاه مملكة قدم منها 800 ألف مستوطن يهودي، لهو بالتأكيد شعور مشروع، خاصة وأن اليهود المغاربة كانوا الوحيدين في الدول العربية الذين أمكنهم العودة إلى وطنهم الأصلي؛ كما تميز محمد السادس بالترويج للشعائر اليهودية، وأعاد تأهيل المعابد القديمة، منذ بداية حكمه.. إن سياسة “M6″مثل جده محمد الخامس – فعلت الكثير من أجل تكريس صورة مملكة “معتدلة” تتفهم مصالح و”حساسيات” الأوروبيين.
بذور الصراع طويلة الأمد
تقدم إدارة ترامب المنتهية ولايته الاتفاق باعتباره انتصاراً آخر للسياسة الخارجية. والواقع أن هذا الخطأ سيضاعف الصعوبات التي تواجهها إسرائيل في الحصول على “القبول والاستقرار” الدائمين في المنطقة، كما تدعي ويدعي الاتفاق؛ فمن خلال الموافقة على الاعتراف بالسيادة المغربية على أراضي الصحراء الغربية، تجاوزت إدارة ترامب حتى معاييرها الخاصة بالصفقات. فمثل هكذا اعتراف بـ “احتلال” في خدمة احتلال آخر هو أكثر سخرية من صفقات التطبيع التي توسطت فيها مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان.
لم تعالج أي من هذه المقايضات القضايا التي حالت دون التطبيع في الماضي، بل إن رشوة واشنطن، وتملقها، وضغوطها هي التي أدت إلى التطبيع. وفي حين أن البعض قد يكون راضياً عن النتائج بغض النظر عن كيفية التوصل إليها، إلا أن التكلفة على المدى الطويل كبيرة بالنسبة لكل من إسرائيل والولايات المتحدة، والأهم من ذلك للفلسطينيين.
لقد اتفقت كل من الإمارات والبحرين على التطبيع مع إسرائيل وسط توقعات بأن يمنحهما إمكانية الحصول على أسلحة أكثر تطوراً مما كان مسموحاً لهما بالشراء من قبل. وفي رده على غضب خصومه السياسيين، الذين ظلوا بمعزل عن المفاوضات، نفى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بداية، موافقته على بيع مقاتلات من طراز إف-35، والطائرات بدون طيار، إلى الإمارات، لكنه أوضح في نهاية المطاف أنه يؤيد عملية البيع، كما فعل منافسه الرئيسي وشريكه بيني غانتس.
في حالة السودان، دمّر تصنيف الولايات المتحدة لهذا البلد كدولة راعية للإرهاب اقتصاده. وعليه، فقد عرضت إدارة ترامب رفع السودان عن لائحة الإرهاب الأمريكية مقابل دفع مبلغ نقدي لـ “تهدئة” بعض عائلات ضحايا هجمات 11 أيلول، والموافقة على التطبيع مع إسرائيل. ولكن السودان يتحرك بحذر شديد، وقد طلب من إسرائيل مساعدته في الضغط من أجل تشريع في الكونغرس الأمريكي يحميه من الدعاوى القضائية في المستقبل، الأمر الذي يضع الولايات المتحدة الأمريكية في موقف سياسي محرج يفتح الباب أمام عائلات ضحايا 11 أيلول للحصول على تعويض من بلد كان قد آوى تنظيم القاعدة وأسامة بن لادن في منتصف التسعينيات، إلا أنه طردهم قبل سنوات من التفجيرات، إلا إنهم يقولون لهذه العائلات إنها لن تعود قادرة على متابعة هذا الطريق لأن التطبيع المحتمل للسودان مع إسرائيل هو الثمن الآن. ولكن إذا كان لا يزال من الممكن مقاضاة السودان، فمن غير المنطقي أن يمضي قادته “الجدد” قدماً في الاتفاق الذي توسط فيه ترامب. وفي هذه الحالة، من غير الواضح ما إذا كانت الصفقة سوف يتم إتمامها على الإطلاق.
ثمن التطبيع
وعليه، يعني التطبيع مع إسرائيل حقيقة أن نوعية الأسلحة في منطقة الخليج العربي سوف تقطع قفزة هائلة. وكما أورد السناتور الديمقراطي كريس مورفي، حين شرح سبب تقديمه مشروع قانون لمنع بيع الأسلحة إلى الإمارات المتحدة، فإن “تأجيج سباق التسلح في الشرق الأوسط هو مجرد سياسة سيئة، فإيران سترد بتصعيدها الخاص، وكل دولة خليجية أخرى سترغب في الحصول على أسلحة مماثلة لمواكبة الإمارات المتحدة”.. تمت هزيمة مشروع قانون ميرفي وصفقة البيع تمضي قدماً!!
كما يعني التطبيع الضغط على حكومة يائسة ذات اقتصاد منهار يكافح على الطريق من أجل التغيير، ولطالما أبدى السودان تضامنه القوي مع القضية الفلسطينية، لكن الولايات المتحدة استغلت موقفه الضعيف لإجباره على القيام بهذه الخطوة المثيرة للجدل في وقت كان آخر ما يحتاجه شعبه هو قضية خارجية لتقسيمه. وهذا لن يجعل لا إسرائيل ولا الولايات المتحدة عزيزتين على قلب السودان، بغض النظر عما توافق عليه حكومته.
ويجمع الاتفاق مع المغرب بين أسوأ اتفاقات أبراهام مع الإمارات والبحرين والاتفاق مع السودان. كما أنه يدوس على القانون الدولي، ويقدم مثالاً آخر على أن إدارة ترامب تدفع ثمناً باهظاً لتحقيق مكاسب هزيلة.
وفي حين أن الاتصالات عبر القنوات الخلفية بين الإمارات وإسرائيل كانت مستمرة منذ سنوات، فقد كانت هناك بالفعل اتصالات مفتوحة إلى حد كبير بين المغرب وإسرائيل. وفي حين كان الشعب العربي في المغرب يرفض أي علاقات مع إسرائيل، كان الحسن الثاني، الذي حكم المغرب من العام 1961 إلى عام 1999، على علاقة عمل مع إسرائيل التي كانت مفيدة في الحفاظ على حكمه. وقد استمرت هذه العلاقة في عهد العاهل الحالي الملك محمد السادس، حتى أن المغرب أنشأ “مكتب اتصال” في إسرائيل بعد توقيع اتفاقات أوسلو، على الرغم من إغلاقه بعد اندلاع الانتفاضة الثانية.
وبطبيعة الحال، لا يزال التطبيع الرسمي مرغوباً جداً بالنسبة لإسرائيل ومؤيديها، ولكن من المؤكد أنه كان من الممكن أن يأتي أرخص ثمناً مما دفعته الولايات المتحدة؛ ففي مقابل اتفاق التطبيع، اعترفت الولايات المتحدة بالسيادة المغربية على منطقة الصحراء الغربية، وهي الدولة الغربية الوحيدة التي فعلت ذلك. وهذا تحول كبير في السياسة الأمريكية. وكانت إدارة جورج دبليو بوش فضّلت خطة الحكم الذاتي المغربية، لكن باراك أوباما عاد إلى السياسة الأمريكية السابقة، ودعم القرارات الدولية ذات الصلة، في وقت منع مجلس الأمن من الضغط على المغرب للامتثال لتلك القرارات نفسها، لكن أي إدارة لم تقترب من الاعتراف بسيادة المغرب على المنطقة.
ولكن مهما كانت علاقة المغرب فاترة مع إسرائيل، فإنها تعني أن الاعتراف بسيادته على الصحراء الغربية لم يكن ضرورياً للتطبيع. وفي الواقع، فإن إدارة ترامب لديها بالفعل محادثات لبيع المزيد من الأسلحة المتقدمة إلى الرباط، كما هناك مشروع لتشكيل “ناتو عربي” يضم المغرب، الأمر الذي كان حافزاً كافياً أكبر للمملكة لتحقيق قفزة أكثر خطورة في دفع التطبيع مع إسرائيل.
زرع بذور الصراع باسم التطبيع
إن الرسالة التي يبعث بها ترامب إلى المنطقة خطيرة للغاية بالنسبة لكل من الولايات المتحدة وإسرائيل. فإبرام الصفقات حول الحقوق الوطنية للشعب العربي لن تجدي نفعاً. ومن أجل إسرائيل ستجعل الولايات المتحدة الصراع في المنطقة أكثر تدميراً ودموية؛ ومن أجل إسرائيل سوف تحتجز الولايات المتحدة اقتصاد بلاد بأكملها رهينة لها، وسوف تحرم شعباً آخر، كما هو الحال مع الفلسطينيين، من حقوقه.
إن ترامب يقول للعالم أنه إذا كنت ترغب في الحصول على شيء ما من واشنطن، وإذا كنت تريد لطموحاتك أن تتحقق، فما عليك إلا أن تلبي رغبات ومطامع إسرائيل. ومن المؤكد أن ذلك سيزيد من العداء لإسرائيل في جميع أنحاء العالم، وستظهر الولايات المتحدة أن عداءها للقضية الفلسطينية سيطبق على الآخرين، مثل الصحراويين في الصحراء الغربية. وستكون إسرائيل قد أثبتت أن التطبيع معها هو طريق للحكومات الاستبدادية لكسب قبول متزايد، وأنها مستعدة لسباق تسلح جديد لمجرد تسجيل نقاط سياسية لخدمة مصالح نتنياهو الانتخابية.