الخط العربي والخزف والتصوير الضوئي… في معرض سنوي
لوحات مهمة ومستويات متباينة وتلاقٍ وحوار بين ثلاثة فنون تطبيقية تباين حضورها بين القوي واللافت والخجول أحياناً في المعرض السنوي للخط العربي والخزف والتصوير الضوئي الذي احتضنته صالة الشعب ضمن احتفالية أيام الفن التشكيلي السوري “ويستمر الإبداع” الذي تقيمه وزارة الثقافة- مديرية الفنون الجميلة، وقد أوضح عماد كسحوت مدير الفنون الجميلة بأن هذا المعرض يقام سنوياً منذ فترة الستينيات لكنه تزامن هذا العام والعام الفائت مع تظاهرة أيام الفن التشكيلي، ويضم مجموعة من لوحات الخط العربي التي قدمها فنانون مخضرمون ومهمون، وكذلك لوحات تصوير ضوئي توثق معالم مختلفة من سورية لفنانين وهواة، بالإضافة إلى أعمال خزف نأمل أن تكون أفضل، ولكن مع مراعاة الظروف وطبيعة عمل الخزف الخاصة والمكلفة فقد تم تقديم أعمال خزف على مستوى جيد.
تظاهرة مهمة
وبيّن كسحوت أن هناك لجان مختصة على مستوى عالٍ تقوم باختيار الأعمال المشاركة بشكل دقيق كما ونحاول قبول أعمال ذات إمكانيات متوسطة لنفسح المجال لأكبر عدد من المشاركين، لكن بالطبع لا نقبل بأي حال من الأحوال عمل دون المستوى، مشيراً إلى أن وزارة الثقافة تقدم دعمها المستمر للفن التشكيلي والتطبيقي في كل المجالات والنشاطات فهي تقدم مكان العرض وتقتني اللوحات وتحاول بكل السبل دعم الفنان، وأحببنا من خلال أيام الفن التشكيلي أن نقيم تظاهرة غايتها لفت النظر إلى الفن التشكيلي والقول بأنه موجود ومهم وبذلك نجذب الجمهور السوري إلى فعالياتنا ويرى التجارب التشكيلية ولتعميم ثقافة الفن والجمال على المجتمع.
من جانبه أشار الخطاط عدنان شيخ عثمان بأنه شارك بلوحة تعتمد على الخط الفارسي عنوانها أحجية شعرية تعتمد على تكرار حرفي الميم والنون، ولكن كل كلمة لها معنى مختلفاً ورمزت فيه إلى العلم السوري بألوانه الثلاثة وهي لوحة تحتاج إلى الشرح مما يخلق تواصلاً بين الجمهور والخطاط، ورأى عدنان أن المعرض هو الملتقى السنوي الوحيد للخطاطين السوريين من مختلف المحافظات السورية وهو فرصة للتواصل الفكري فيما بينهم والإطلاع على التجارب وتبادل الخبرات في التقنيات والأحبار والموضوعات، ولا يعتبر عدنان بأن التقدم التكنولوجي نقمة على الخطاط بل يراه من فضل العلم عليه فهو فرغه من الموضوعات المرهقة ولم يجعله ناسخاً فحسب، واقتصر دوره مع هذا التقدم على اللمسات الفنية الأخيرة فأعاد له مهمته كفنان.
خط ودلالات
كما أكد أدهم فادي الجعفري مدرس الخط في معهد الفنون التطبيقية، والمشارك في المعرض بلوحة خط ثلث بأنه أعلى أنواع الخطوط وأقدمها التي نشأت في دمشق ومازالت تتطور، معتبراً أن هذا المعرض تظاهرة سنوية جميلة يلتقي فيها الخطاطون وفرصة للأجيال الجديدة للإطلاع على هذا الفن الذي يمثل ثقافتنا وتاريخنا ويحمل معنى جمالياً وثقافياً، وتبرز أهمية المعرض أولاً للطلاب لكي يروا أعمال الأساتذة ويطلعوا على خبراتهم العالية، مطالباً بضرورة أن يتم الإعلان عن المعرض والتسويق له ليطلع الجميع على هذا الفن ويعرف أنه مازال حياً ومتطوراَ، مؤكداً أن التقنيات الحديثة لم تستطع أن تواكب روح الخط فمازالت حروف الكمبيوتر جامدة وآلية بينما كتابة الخط تملك حياة وروحاً وأبعاداً جمالية عالية ومختلفة، كما يعود الخطاط ماهر فهد المنجد إلى دمشق بعد غياب طويل ليشارك في المعرض بلوحة كتب فيها “دمشق يا جبهة المجد” وهي قصيدة للجواهري جمع فيها عدة أنواع للخطوط (الثلث، الديواني، الرقعة) بالإضافة إلى التذهيب والزخرفة، وعنها يقول: غايتي أن أكتب اسم دمشق بالذهب وأقول فيها أننا نشارك الشام ما تلاقيه من آلام، معتبراً أن الخط لا يموت ويبقى له جمهوره الخاص، كما شاركت ناريمان الحمامي بلوحة خط كوفي كتبت فيها “الشام مرآة روحي” معتبرة أن اختيار الألوان والحجم والكلمات يلعب دوراً هاماً في اللوحة وتكوينها لتكون لوحة مميزة وفريدة، ولذلك جعلت التقاء “الألفات” مع بعضها شبيه بالسيف الأموي الذي هو رمز لدمشق ومناسبة للعبارة التي اخترتها، لافتة إلى أنها تلاحظ عودة إلى الخط العربي الذي بات يجذب بتكويناته وليونته حتى الأجانب الذين لا يفهمونه.
خزف وتصوير
وكان للأعمال الخزفية حضور خجول في المعرض مع استثناءات قليلة، وقد أوضحت الفنانة كنار استبانيان بأنها حريصة على المشاركة في المعرض لتوصل أعمالها إلى الجمهور كما أنها لا تحب أن يكون العمل مجرد شكل بل يجب أن يعبر عن فكرة ولذا فعملها الذي شاركت به يتحدث عن الاختلاف، مشيرة إلى أن هذا المعرض يعبر عن الاختلاف المتوازن والجميل لأنه ينتمي إلى مكون واحد ويخلق هدوءاً وراحة. كذلك شاركت الفنانة آمنة النعسان بعمل خزفي مكتوب عليه شعر للمعري مبينة أن هذا العمل يمزج بين فنين هما الخزف والخط العربي، وأن عمل الخزف لا يحقق جدوى اقتصادية وهو مكلف مادياً لذا أنا أمارس شغفي فقط معبرة عن عدم وجود دعم حقيقي لهذا الفن، وفيما يخص قسم التصوير الضوئي كان للفئة الشابة حضور لافت ومميز حيث شارك الشاب يعرب معروف بلوحة أسماها “باب الأسرار” تعبر كما يقول عن الحكايات والقصص وراء كل بيت في مدينة عربية وهي لوحة تصوير ضوئي فيها تفاصيل بنظرة فنية ليست توثيقية، مؤكداً أن أهم شيء في التصوير هو الحرص على المصداقية وعدم التلاعب في الصورة بل الاهتمام بحسن الطباعة فنحن نملك رسالة ثقافية وفنية، كما شاركت هبة ابراهيم بلوحة السفينة صورت فيها الانعكاس في بركة ماء للدلالة على الرحلة والتعب الذي نواجهه، واختارت له اللونين الأسود والأبيض لكي تصل الفكرة أكثر، لافتة إلى أنه رغم الاستسهال الكبير لمهنة التصوير إلا أنه فن يحتاج إلى مهارة، كذلك شارك الشاب خالد القطان في لوحة ركز فيها على النحاسيات والتراث يقول من خلالها أن الشرقيات في تراجع وانحدار معتمداً على الأبيض والأسود والتباين والتضاد لتبدو كأنها لوحة من الفحم، معتبراً أن مشاركته الأولى في هذا المعرض تجربة جميلة تستحق أن تعاد، وشارك الشاب أسبيد أموغليان بصورة من خان أسعد باشا ركز فيها على القبة وتداخلات الأقواس، معتبراً أن دمشق هي أكثر الأماكن جمالاً وعراقة ووحدها تستحق التصوير.
لوردا فوزي