خفايا “وثيقة الناتو 2030 .. متحدون لعصر جديد”!!
سمر سامي السمارة
أقنعت الحكومات الغربية من خلال حملاتها الدعائية معظم مواطنيها أن روسيا غزت شبه جزيرة القرم، لكن الحقيقة تقول أن الجزيرة ذات العرق الروسي كانت قد أعلنت انفصالها عن أوكرانيا في آذار 2014 بعد استفتاء شعبي كبير، وحينها طلبت حكومة القرم من منظمة الأمن والتعاون في أوروبا إرسال ممثلين لمراقبة الاستفتاء، لكن المنظمة رفضت القيام بذلك، كما ذهبت الولايات المتحدة لإدانة هذا العملية بشدة.
في الواقع، 90 في المائة من سكان القرم يتكلمون ويتعلمون الروسية، وقد صوتوا من أجل العودة للانضمام إلى روسيا، لهذا من المستغرب ألا يرغب هؤلاء السكان في الانضمام إلى بلد لا يرحب بقربهم وتعاطفهم وولائهم فحسب، بل يقدم لهم الخير من الناحية الاقتصادية فيما يتعلق بمستقبلهم.
ومع ذلك، تستمر موجة الدعاية، حيث كانت ورقة “الناتو 2030 متحدون لعصر جديد” مثيرة للاهتمام، وهي أحدث الموجات التي أنشأها الناتو والتي تركز على أن التحالف العسكري بين الولايات المتحدة والناتو عازم على تعزيز الدور السياسي لحلف الناتو لمواجهة ما يسميه التهديدات الراهنة والمستقبلية القادمة من الشرق لأمن الحلف الناشئة على كافة الاتجاهات الإستراتيجية”
يفتح هذا الهدف الباب أمام الناتو للتدخل بشكل أكبر في شؤون الدول التي لا علاقة لها بحلف شمال الأطلسي ومواصلة مواجهتها لروسيا من خلال تكثيف التعزيزات العسكرية حول حدودها والتصعيد المتواصل للعمليات الاستفزازية براً وبحراً وجواً.
يؤكد الناتو من خلال ورقة “متحدون من أجل عصر جديد” أنه أنجح تحالف في التاريخ,، ويستحق التقدير لكن يتناسى هذا التحالف العسكري الذي يتعثر الآن في طريقه للخروج من أفغانستان التي لم يحقق فيها الاستقرار. وللتذكير في 17 تشرين الثاني حاول الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ، مواجه فوضى الانسحاب المهين لحلف الناتو بأفضل ما لديه، بإعلانه “إننا نواجه الآن قراراً صعباً. إننا في أفغانستان منذ 20 عاماً تقريباً، ولا يريد أي من حلفاء الناتو البقاء لفترة أطول من اللازم. ولكن في الوقت نفسه، قد يكون ثمن المغادرة في وقت مبكر جداً أو بطريقة غير منسقة باهظاً للغاية”. لكن ما لم يقله ستولتنبرغ هو أن ترامب لم يتحدث معه أو مع أي من أعضاء الناتو حول قراره الشروع في انسحاب متعجل للقوات الأمريكية، وأن البلاد، كما أشار مجلس العلاقات الخارجية، في حالة حرب أهلية.
هذا الكلام يدلل على أن المنطقة تقترب من الفوضى، وبحسب صحيفة نيويورك تايمز، أنه في الفترة الممتدة ما بين 22 إلى 26 تشرين الثاني الماضي لقي ما لا يقل عن 19 من القوات الموالية للحكومة، و 33 مدنياً في أفغانستان حتفهم، لكن الهجوم الأكثر دموية وقع في باميان التي تعتبر من أكثر المقاطعات أماناً في أفغانستان و أسفر عن مقتل 18 شخصاً وإصابة 59 آخرين في تفجيرات بالعاصمة الإقليمية. وفي العاصمة كابول لقي 10 مدنيين مصرعهم، وأصيب 51 آخرون جراء إطلاق 23 صاروخاً من شاحنة صغيرة، حيث أصابت الصواريخ مناطق مختلفة في جميع أنحاء المدينة.
للأسف يفتخر ستولتنبرغ بأن الناتو هو “أنجح تحالف في التاريخ يضم ما يقرب من مليار شخص ونصف الناتج المحلي الإجمالي العالمي”، ولكن بعد تواجده لعشرين عاماً في أفغانستان، لم يتمكن من منع مجموعات قليلة من رجال العصابات من إطلاق الصواريخ على عاصمة البلاد.
وفي وثيقة الناتو 2030 المكونة من 67 صفحة تمت الإشارة إلى ليبيا مرة واحدة فقط، حيث ذكرت أن “عدم الاستقرار في ليبيا، والعراق، وسورية، وأفغانستان تسبب في تدفق الهجرة غير الشرعية التي تلتمسها كافة الدول الأوربية وخاصة دول الحلفاء على حدود البحر الأبيض المتوسط”. ورغم أن كل ما تم ذكره كان صحيحاً، إلا أنه تذكر وثيقة الناتو سبب عدم الاستقرار، وما هو الدور الذي لعبه الناتو في تدمير البلاد وبالتالي التسبب بالمعاناة الشديدة التي يتكبدها الآن عدد لا يحصى من الأبرياء في المنطقة.
في 19 آذار لعام 2011، بدأت الولايات المتحدة ودول الناتو الأخرى غاراتها الجوية والصاروخية ضد الحكومة الليبية. وفي الأشهر السبعة التي سبقت مقتل القذافي في 20 تشرين الأول، كان هناك 9658 هجوماً جوياً على البلاد، ثم تحولت إلى حرب أهلية. يمكن أن نتذكر الممثل الدائم للولايات المتحدة في مجلس حلف شمال الأطلسي من 2009 إلى 2013 إيفو دالدر، والقائد الأعلى لقوات حلف شمال الأطلسي في أوربا الأدميرال جيمس جي ستافريديس، اللذان أعلما مجلس حلف شمال الأطلسي والعالم في شباط 2012 أنه تم الترحيب بـ”عملية الناتو في ليبيا باعتبارها تدخلاً نموذجياً”.
وبحسب منظمة” فناك” الالكترونية المستقلة، أصبحت ليبيا في الوقت الحالي بلد متفكك، وأصبحت عبارة عن فسيفساء من مناطق عديمة الجنسية، ودول المدن والمناطق الخاضعة لسيطرة القبائل. كما تعد البلد أيضاً قاعدة لتهريب الأسلحة والبشر وتجار المخدرات وغيرهم من الخارجين عن القانون. وبالنسبة للاتحاد الأوروبي، فإن ليبيا التي كانت ذات يوم جذابة لوفرة مواردها الطبيعية، أصبحت الآن مصدر قلق كبير بسبب احتمال وقوع هجمات على السفن الأوروبية أو المدن الساحلية، ومصدر خطر بسبب احتمال حدوث تدفق لموجات هائلة من اللاجئين العرب والأفارقة الذين يشقون طريقهم عبر ليبيا إلى جنوب أوروبا وما وراءها.
تزعم مهزلة الناتو 2030 أنه بعد انتهاء الحرب الباردة، حاول الناتو بناء شراكة هادفة مع روسيا دون الإشارة إلى أنه في عام 1999 أضاف الناتو بولندا والمجر وجمهورية التشيك للمساعدة في تطويق روسيا. ثم في عام 2004 جاءت بلغاريا وإستونيا ولاتفيا وليتوانيا ورومانيا وسلوفاكيا وسلوفينيا. ولزيادة تطويق حدود روسيا، تمت إضافة ألبانيا وكرواتيا في عام 2009 ، وأخيراً جاء الجبل الأسود في عام 2017 ومقدونيا الشمالية في آذار من هذا العام.
في الماضي تم تحذير العالم من أن التكتل العسكري للولايات المتحدة والناتو هو قوة غير كفوءة ومزعزعة للاستقرار، وهي دائماً تبحث عن تهديدات وتحديات لتبرير وجودها. واليوم لن تجدهم – لأنهم غير موجودين – وبالتالي لن يمنعهم شيء من البحث وخلق المزيد من عدم الاستقرار في جميع أنحاء العالم.