التحديات التي تواجهها اللغة العربية في مكتبة الأسد
بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية، أقامت مكتبة الأسد بالتعاون مع وزارة الثقافة ندوة بعنوان “التحديات العربية المعاصرة” وأدارها د. ثائر زين الدين. فالترجمة نشاط إنساني مركّب مفتاحه معرفة لغتين فأكثر، معرفة المتمكن الحاذق، وهو متعدّد الغايات والأهداف والموضوعات، وله آثار جمّة، هكذا بدأ د. عبد الناصر عساف محاضرته “أثر ترجمة الألفاظ والأساليب في العربية المعاصرة“، متابعاً: تركت هذه الترجمة الدؤوب من اللغات الأخرى ولاسيما الأوروبية إلى اللغة العربية آثاراً واسعة تغلغلت في اللغة العربية المعاصرة، ومن تلك الآثار ضربان: الأول يسهم في تنمية اللغة وإمدادها بما تحتاجه من ألفاظ ومصطلحات وتراكيب، من أمثلتها الكثير والتي يدلّ عليها واقع الاستعمال اللغوي مثل “المدرسة” بمعنى المذهب الفكري أو النقدي أو الأدبي أو الفني وهو ترجمة لكلمة “school” ومنه “الجامعة” للمؤسسة العلمية المعروفة، وغيرها الكثير من الأمثلة التي تعتبر وليدة للترجمة، وأن العربية بسماحتها ولينها وطواعيتها استوعبتها، ولم تتنكر لها فقبلتها، وهذا بدوره أدى إلى إغناء اللغة العربية بمفاهيم وألفاظ ومصطلحات جديدة، تسمح لها بالتعبير بطواعية عمّا جدّ في حياة الناس وما استحدث في مختلف مجالات المعرفة، وهذا بالتالي يعطي دليلاً صحيحاً يدفع الشك عن مساهمة الترجمة في تنمية اللغة العربية وتطويرها، وهو ما لا يكاد ينكره إلا مكابر.
أما الضرب الثاني فلا يناسب قواعد اللغة العربية، ومن صور هذا النمط ترجمة بعض الألفاظ والمصطلحات بألفاظها، على ما في ذلك من ثقل في نطقها وتوقف في فهم المقصود، وهناك الترجمة الهجينة القائمة على المزج بين لفظ عربي وأعجمي، أو بين لفظ عربي ومكوّن من مكونات اللفظ الأعجمي، أو سابقة أو لاحقة أو جزء من كلمة يونانية أو لاتينية قديمة، وهذه صورة واضحة من صور التغريب التي لا تلائم نظام اللغة العربية الصرفي أو المقطعي، وفيها تجاهل لإمكانات اللغة العربية الحقيقية وتضليل للمستخدمين.
وختم د. عساف قائلاً: إذا كان من مسؤوليات المترجم الجسام أن يحافظ على اللغة سليمة من الشوائب، وعمله لايكاد في ذلك أن يلامس عمل اللغوي في جانب منه، يسعى إلى نقل المعاني وصوغ الألفاظ والمصطلحات المناسبة ويطور مخزونها ويوسع آفاقها، فإن على اللغويين مسؤولية رصد الآثار اللغوية للترجمة والتدقيق فيها، وتنقيتها من شوائبها وإثبات مآثرها بما يحصّن اللغة ويحميها من الضياع في عولمة ثقافية وفكرية ولغوية طاغية.
المحتوى العربي الرقمي
جاء احتفال وزارة الثقافة هذا العام تحت عنوان تحديات اللغة العربية المعاصرة، فأراد د. موفق دعبول أن يكون موضوع حديثه عن “المحتوى الرقمي العربي في الشابكة” إذ قال: المحتوى العربي هو جميع المعارف المكتوبة باللغة العربية والمعدّة للنشر على الشابكة، وهو يشمل المواقع والخدمات الإلكترونية والمحتوى السمعي والفيديو والكتب باللغة العربية والبرمجيات وغيرها الكثير، ويشترط في المادة كي تكون محتوى رقمياً أن تكون منشورة للعموم وموثقة ومفهرسة بشكل يسهل التعامل معها.
وتجدر الملاحظة أن ليس كل معلومة معرفة، وليس جميع المعطيات معلومات، فالمعطيات لا تصبح معلومات إلا إذا أضيف لها معنى، ويرى الباحثون أن إقامة مجتمع المعرفة في البلدان العربية يتطلّب أموراً كثيرة من أهمها: إطلاق حريات الرأي والتعبير، والتعليم الراقي، وتوطين العلم، والنهوض باللغة العربية عن طريق إطلاق نشاط بحثي ومعلوماتي جاد، يقف أمام هذه التوجهات والتحديات الجسام في مقدمتها الاضطراب السياسي، والاحتلال الصهيوني والفقر وما ينتج عنه، ووضع المرأة الذي كرسته التصورات الخاطئة لدورها في المجتمع.
ولا يشغل المحتوى العربي على الشابكة حيزاً ضعيفاً، مقارنة مع ما تشغله بعض اللغات الأخرى، ومن المواقع الشهيرة في الشابكة مكتبة الترجمة العربية، الموسوعة العربية العالمية، موسوعة الشعر العربي، المكتبة الوقفية، الوراق. أما أسباب ضعف المحتوى العربي فلأن معظمه يتجه نحو الترفيه ويركز البعض الآخر على الألعاب، وعدم أصالة الكثير من البحوث والكتابات، ومعظم المحتوى الموجود مكرور أو منسوخ.
وعن دور سورية في تمكين اللغة، ذكر د. دعبول عدداً من الخطوات المهمّة والتي كانت سباقة في رفع شأن المحتوى العربي وغيرها من الأمور المتعلقة باللغة العربية، مثل أن التعليم في سورية باللغة العربية في جميع مراحل التعليم، وهناك مساهمات لمؤسسات وأشخاص في المشاركة بالمحتوى العربي، وإصدار السيد الرئيس قراراً بتشكيل لجنة تمكين اللغة العربية.
تحديات عديدة
وقد واجهت لغتنا العربية تحديات في الماضي مثل حرق الكتب، وهجمات المغول والتتار، وحملة نابليون على مصر ونشر الفرنسية، وهنالك أشهر تحدٍّ وهو حملة التتريك التي أرادت أن تبعد اللغة العربية عن الحياة، ومازالت تواجه تحديات جديدة، هذه التحديات كانت محور محاضرة د. محمود السيد “التحديات التي تواجه لغتنا العربية“. ويتابع نائب رئيس مجمع اللغة العربية: التحديات المعاصرة التي تواجهها اللغة هي التلكؤ في فرض اللغة العربية في كل مجالات الحياة وخاصة في العملية التعليمية، وفي مواكبة مستجدات العصر الذي يتسم بالتدفق المعرفي، وتلكؤ من الجامعات والمجامع في مواكبة هذه المصطلحات التي تتدفق علينا، فينتشر المصطلح الأجنبي وبعد ذلك نقوم بوضع البديل العربي، لكن المصطلح الأجنبي ينتشر على الألسنة والأقلام ويصبح من الصعوبة محو هذا المصطلح.
هناك تهمٌ واجهتها اللغة العربية في ظل العولمة، منها وصم اللغة بالتخلف وعدم مواكبة العصر والصعوبة والتعقيد في نحوها وصرفها، وإحياء لغات الأقليات وتقديم الدعم لها تحت ستار حقوق الإنسان، والسعي إلى استبعاد اللغة العربية من الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها، وفي ظلال العولمة ظهرت مصطلحات ضد اللغة العربية مثل الشرق الأوسط بدلاً من الوطن العربي والأمة العربية، وضعف المحتوى الرقمي العربي على الشابكة، والقصور في التنسيق اللغوي من حيث الرموز العلمية والمصطلحات، والجمود اللغوي والتحجّر في مقاومة التطور والتسهيل وهذه ثغرة، وضعف ما يترجم إلى العربية، إضافة إلى العزوف عن القراءة، وفتور الانتماء وعدم الافتخار والاعتزاز بهذه اللغة، واعتماد اللغات الأجنبية مكان العربية في الجامعات.
عُلا أحمد