معرض استعادي لفناني السبعينيات في صالة متحف دمر
الفن التشكيلي هو ذاكرة الوطن وصورتها الحضارية والمشرقة وانعكاس لكل ما فيها من تنوع وغنى وثراء فكري وثقافي، وضمن فعاليات أيام الفن التشكيلي “ويستمر الإبداع” أقيم مؤخراً معرض استعادي لفناني السبعينيات في صالة متحف دمر حيث أوضحت د. لبانة مشوح وزيرة الثقافة أن هذا المعرض يندرج ضمن أيام الفن التشكيلي السورية، ويرافقه عدد من النشاطات والملتقيات التي تشمل كل أنحاء سورية وتمنت أن يكون الارتياد كبيراً لأن هدفها نشر الذائقة البصرية وتطويرها، فالثقافة البصرية هي ثقافة مهمّة وأحد مكونات الهوية الثقافية السورية.
إحياء الذاكرة
ولفتت د. مشوح إلى أن السبعينيات كانت زاخرة بالمواهب الطليعية، حيث لم يقتصر الفن التشكيلي السوري على المدن التراثية والتاريخية وتصوير الطبيعة، بل انتقل إلى مرحلة متقدمة جداً في السريالية والتجريد، والحركة التشكيلية كانت بأحسن حال، وأتمنى لها اليوم أن تعاود النهوض والنشاط وسيكون ذلك من دون شك بدعم الوزارة التي تحرص على إقامة المعارض الاستعادية لأنها ذاكرة بصرية فنية مهمة جداً للفن التشكيلي، ومن المهم أن يكون هناك معرض لكل فنان على حده، نستعرض فيه كل ما نمتلكه من لوحات تعبّر عن رحلته الفنية بشكل عام منذ بدايته لكي نشكل فكرة عن تطور أدواته وأسلوبه الفني وتقنياته، موجهة الدعوة للصالات الخاصة لكي تلعب دورها في إعادة تنشيط هذا الفن الجميل.
من جانبه أكد عماد كسحوت مدير الفنون الجميلة أن هذا المعرض يضمّ 44 عملاً من مقتنيات وزارة الثقافة لأهم فناني سورية، وغايته إعادة إحياء الذاكرة للفن التشكيلي، معتبراً أن هذا المعرض هو تكريم لهؤلاء الفنانين الذين أسسوا للفن التشكيلي السوري ويستحقون كل التقدير، فنحن نكرم من خلاله أرواح الراحلين منهم ونكرم موجودين منهم من خلال عرض لوحاتهم الفنية، وفي المستقبل ستكون هناك معارض دورية لمجموعة فنانين من رواد الحركة التشكيلية ليطلع الجمهور السوري على تجربتهم الرائدة التي لعبت دوراً مهماً في الفن التشكيلي، موجهاً الدعوة للجمهور السوري لمتابعة هكذا معارض للتعرف على رواد الفن ورفع الذائقة البصرية، ولأن المجتمعات ترتقي بالفنون.
أطياف مختلفة
وأكدت الفنانة التشكيلية مفيدة ديوب مديرة متحف دمر أن هذا المعرض الذي يضمّ مجموعة أعمال لفنانين نهضوا بالحركة التشكيلية في السبعينيات والثمانينيات هو مبادرة جميلة ليطلع الجمهور على الفن السوري بما فيه من تنوع تعبيري وتجريدي، لأن الفن هو من حق الجميع وليس من حق المقتني فقط.
من جهته أوضح الفنان علي الكفري الذي يمتلك لوحة مشاركة في المعرض منذ عام 1980 أنه كان مشاركاً بمعرض مقتنيات الوزارة في تلك الفترة ولديه في وزارة الثقافة أكثر من 40 لوحة، بينما يتجاوز إنتاجه الفني 3 آلاف لوحة، معتبراً أن اللوحة صديق حقيقي ومخلص ويمكن العودة لها مهما طال الزمان، لكن طبيعته تعتمد على تجديد الأسلوب، لذلك سنجد فرقاً كبيراً بين لوحاته عبر السنين، مستذكراً الجو اللطيف والتفاعلي وكذلك الحماس الذي كان يسود المعارض المشتركة سابقاً، موجهاً الشكر للوزارة على اللفتة الجميلة من خلال جمع هذه اللوحات القيّمة في معرض واحد، فهي مبادرة نادرة في الوطن العربي، متمنياً أن يكون هذا المعرض الاستعادي في كل محافظات سورية.
وفي وقفة مع النقد بيّنالفنان والناقد التشكيلي عمار حسن أن الدلالات في هذا المعرض الاستعادي متعدّدة وذات أبعاد مختلفة ومركبة، فأن تعود بالذاكرة إلى ما اشتغل عليه السوريون في مرحلة ما ستعكس مرآة ذاك الزمن بكل حمولاتها التقنية والجمالية والمعرفية وبكل أطياف القيمة المختلفة كوعي فني ووطني وكرسالة في تلك الفترة، فكل فنان هنا يعكس مرآة ذاته ومجتمعه ورؤاه المختلفة، ويقدّم صورة فنية وفكرية عن توجهاته ومدى ارتباطاته وشكل هواجسه تجاه لوحته وتجاه الوطن، ولا يمكن الحديث عن الفنانين دفعة واحدة فكل فنان تميّز بخصوصية مختلفة لجهة تقنياته والقيمة الفنية والرسالة والروح. ورأى عمار حسن أن هناك لوحات تعود إلى ما قبل الستينيات وواكبت التجريد في تلك الفترة عبر العالم، فقد كان الفنانون في تلك الفترة حريصين على مواكبة التطور الفني عبر العالم، وهذا لا نجده اليوم، إذ لدينا مشكلة في مفهوم المعاصرة الذي ليس موجوداً ونتمنى أن يكون، ثم عاد ليؤكد أن الفنانين كانوا أكثر اتصالاً مع العالم والمدارس الفنية، وكل منهم كان يمتلك طاقة مختلفة وجميعها كانت تصبّ في توجه واحد هو إبراز الوجه الفني المتنوع للفنان السوري، ولا يمكن الحديث عن الفن السوري في قالب واحد، فالسوري على الدوام كان صلة وصل بينه وبين الحضارات فكان ينهل ويصدر الفن والجمال، ولذا هذا المعرض الاستعادي يوضح هذه الصورة ولا يمكن إلا أن نتفاجأ بهذا الغنى والثراء الذي تتضمنه هذه الأعمال.
لوردا فوزي