صدر الباز.. أفكار قديمة ومعالجة سطحية وحلول اخراجية غير مقنعة
عندما تكون البداية خاطئة وغير صحيحة لابد أن تفرز نتائج سلبية بالنهاية، وكما يقول العامة (المكتوب يقرأ منعنوانه) وفي الصحافة يجب أن يعبر العنوان عن جوهر النص. وفي المسلسل الذي انتهى عرضه مؤخراً على إحدى قنواتنا الوطنية (صدر الباز) تأليف رامي المدني وبتول ورد وإخراج تامر اسحق، فهو يدخل تحت عنوان ضبابي وغير مفهوم. ومن المعروف أن أعمال البيئة الشامية التي يندرج في إطارها هذا العمل تأتي لتوثق حياة دمشق أيام الاحتلال العثماني، وبعدها بداية مرحلة الانتداب الفرنسي، ما يعني أن تلك المجتمعات تعتبر منغلقة في نواح كثيرة خاصة فيما يتعارض مع الشرف والعرض الذي طالما تحدثت عنه هذه الأعمال وكان المحور الأساسي للانطلاق نحو محاور أخرى الغاية منها سد نهم القنوات الفضائية الساعية لكسب أكبر عدد من المسلسلات، حتى لو كانت على حساب الشكل والمضمون.
تدور أحداث المسلسل في حي صدر الباز في احدى حارات منطقة المرجة بدمشق في النصف الثاني من القرن 19، حيث يتهم إبراهيم صاحب مقهى الحارة ظلما بقتل زوجته، ويحكم عليه بالسجن لمدة 12 عاما في القلعة العثمانية في جزيرة أرواد، ويقرر أن يتقدم بالطلب ليتم الموافقة علية لتربية ابنته جورية معه في السجن وهنا المفارقة الأولى كيف لسجين متهم بارتكابه لجريمة قتل أن يسمح له بتربية ابنته في الزنزانة وهو في سجن يخضع لقوانين صارمة من قبل الاحتلال العثماني، وتدور الأحداث لتخرج البنت بعد أن بلغت سن الرشد من السجن وتعيش عند زميل والدها سيف الدين (طارق مرعشلي) أما المفارقة الثانية فتتعلق بكيفية قتل نوارة من قبل زوجها أيمن رضا ودفنها ومن ثم استيقاظها وهروبها بعد أن دفنت ويوارى على جسدها التراب حيث لم يتمكن المخرج من تسلسل المشاهد ليقنعنا بأنها على قيد الحياة بعد أن أقنعنا بأنها توفيت على يد زوجها. لتنتهي فترة حكم إبراهيم سلوم حداد ويخرج ويتطلع للانتقام من أيمن رضا رسلان الذي تولى زعامة الحارة بعد وفاة والده أسعد فضة، ويتنكر بزي غريب ويرخي لحيته غير أن المخرج لم يتمكن من تغيير ملامحه فبدت مكشوفة ومعروفة، ناهيك عن اسمه المضحك جحدد حيث لم يجد غير هذا الاسم رغم وجود ألاف الأسماء، ثم كيف لحارة دمشقية أن يسكنها شخص غريب دون أن تستفسر عنه، بعدما منح المخرج لجحدد كامل الحرية في الانتقال والتصرف بالحارة دون أن يقدم المبررات المقنعة له، خاصة أن أذواق المشاهدين نمت وتطورت وباتت تفرق بين الغث والسمين، وبدا أن هناك خطوطا لشخوص أقحمت على المسلسل دون أن تخدم المحور الأساسي للعمل مثل عائلة أبو كاسم (زهير رمضان) فهو لم يقنع بأدائه الارتجالي أحد، خاصة عندما يمارس دور الأب الظالم على ابنتيه، وزواجه من بنت تصغره بأكثر من ثلاثين عاماً، لترفض ابنتها الكبيرة الزواج من ابن الباشا في قصة غير منطقية فيكف لابن الغنج والدلال والجاه أن يتزوج واحدة من فقراء الحارة.
أخيراً مسلسل صدر الباز يضاف لسلسلة من المسلسلات الشامية التي لم تتمكن من نقل تلك الحقبة التي عاشها أهل الشام بحرفية عالية وبحقيقة واضحة لذلك لابد أن نطالب الشركات الخاصة والتابعة للقطاع العام بالتوقف عنتقديم أعمال البيئة الشاميّة، لأن الناس قد كرهتها مع إمكانية تقديم دراما اجتماعية فيها قصص من الواقع والحياة اليوميّة عن هموم الناس والشباب والمستقبل، فذلك أفضل بكثير من تقديم مسلسلات فارغة الشكل والمضمون ولا تقدم شيئا جديدا للمشاهد العربي.
مهند الحسني