رهان خاسر
محمد كنايسي
يتوهم بعض الحكام العرب أن بايدن سيعيد المياه إلى مجاريها التي سدّتها قرارات الرئيس ترامب، وكأن السياسة الأمريكية قبله لم تكن معادية للعرب ولقضيتهم المركزية، وداعمة للكيان الصهيوني العنصري. وينسى هؤلاء أو يتناسون أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة، ديموقراطية كانت أم جمهورية، تتفق جوهرياً في عدائها الشديد للعرب وانحيازها المطلق لـ “إسرائيل”، وأن الاختلافات بينهما في هذا الشأن طفيفة وشكلية.
كل ما فعله ترامب هو ممارسة هذين الأمرين بكل وضوح، ودون وضع قناع من أي نوع، مما جعله أكثر الرؤساء الأمريكيين تعبيراً عن عدوانية أمريكا وغطرستها وعنصريتها. ولهذا فإن أي تغيير سياسي قد تقدم عليه إدارة بايدن في الموقف الأمريكي من الصراع العربي الصهيوني لا يمكن إلا أن يبنى على ما حققه سلفه من أهداف صهيونية كانت تبدو قبله صعبة التحقيق.
فاعتراف ترامب بالقدس عاصمة لـ “إسرائيل”، ونقله السفارة الأمريكية إليها، واعترافه بسيادة كيان العدو على الجولان العربي السوري.. وصولاً إلى إعلان صفقة القرن، وعودة حركة التطبيع الرجعي العربي مع الصهاينة.. كل ذلك يشكل إنجازاً للمشروع الأمريكي الصهيوني في المنطقة، ويسهل على بايدن مهمة الاستمرار في محاولة ضرب المقاومة وتصفية القضية الفلسطينية. وهذا لا يتعارض مع عودة الإدارة الأمريكية الجديدة إلى لغة أكثر دبلوماسية في التعامل مع العرب عموماً والفلسطينيين بشكل خاص، وحتى إلى إعادة النظر ببعض بنود الصفقة سيئة الذكر، ما دامت المهمة ثابتة والهدف واحداً.
ومن هنا فإن المراهنة على تغيير دراماتيكي في السياسة الأمريكية، والتعويل على دور متوازن لإدارة بايدن في الصراع التاريخي الذي يمزق المنطقة ويمنع استقرارها هو نوع من العبث الذي يعكس مدى الضعف الذي يعيشه العرب، وفداحة عجزهم عن كسر قيود التبعية الرسمية الكاملة لأمريكا..
إذا كان من تغييرات حقيقية ما ستضطر إدارة بايدن للقيام بها، فهي ستكون في مجال آخر هو مجال السياسة الدولية، وفي مواجهة المعارضة المتصاعدة للهيمنة الأمريكية على العالم، وفي كيفية التعامل مع القوى الصديقة وعلى رأسها أوروبا، ومع القوى “العدوة ” وعلى رأسها الصين وروسيا، علما أن نتيجة الصراع في هذا الميدان هي التي ستحدد هوية النظام الدولي الجديد وموقع أمريكا فيه. ومن المتوقع أيضاً أن يكون التفاوض مع إيران من الموضوعات المطروحة على جدول أعمال إدارة بايدن بعد أن أفشلت طهران، بقدرتها على الصمود وامتصاص العقوبات والاعتماد على الذات، الأهداف التي خطط ترامب لتنفيذها بخروجه من الاتفاق النووي..
ويبقي العرب وحدهم لقمة سائغة لأمريكا أياً كان رئيسها ما لم يتحرروا من أوهامهم الأمريكية، ويدركوا أن لا طريق يعيد لهم الوزن والاعتبار في الاقليم والعالم إلا التصدي للمشروع الأمريكي الصهيوني ومقاومته بلا هوادة.