مخبر البصمة الوراثية.. أعباء كبيرة وتحقيقات حول رأس ليزري لم يتمّ توريده واستلامه وفق الأصول!
أرخت الحربُ الإرهابية بظلالها على سورية، وكان تـأثيرها مباشراً على مختلف مفاصل حياة السوريين من دون استثناء. وعلى الرغم من كلّ الضغوط الاقتصادية والاجتماعية والمعاناة اليومية للمواطنين، تبقى قضية الشهداء والمفقودين القضية الأبرز، لما تحمله من جوانب أخلاقية وإنسانية كبيرة ومؤثرة، ولأنها تعتبر حقاً من حقوق ذوي الشهداء وأسرهم. وقد أولت الجهات المعنية هذه القضية كل الاهتمام والرعاية، ويعتبر “مخبر البصمة الوراثية” أحد أهم المخابر التي تُعنى بهذه القضية الكبيرة، حيث لا يخفى على أحد أهمية العمل المنظم والمتواصل الذي يقوم به، وكذلك ضخامته ودقته، وما يحتاجه من كوادر كثيرة مؤهلة وخبيرة، ودعم معنويّ ومادي ولوجستي وإمكانيات هائلة.
البصمة الوراثية
وتعدّ البصمة الوراثية أهم تقدّم للبشرية ضمن مجال البحث الجنائي من أجل محاربة الجريمة، إما لتحديد المشتبه بهم، أو اختبارات النسب للأبوة والأمومة وصلات القربى الأخرى، وكل ما يحتاج إليه المحقّقون لتحديد البصمة الوراثية هو العثور على دليل بشري “خصلات من الشعر، نقطة دم، وبعض المتعلقات الشخصية”، فكل ما يلمسه المرء ومهما بلغت بساطة اللمسة سيترك أثراً لبصمة وراثية فريدة، حيث يمكن تحديد هوية الجاني، كما أنها تفيد في تحديد هوية الشخص، سواء أكان غريقاً أو تعرض للحرق أو مفقوداً، ومن هنا تأتي أهمية مخبر البصمة الوراثية، وخاصةً في الدول التي تعرّضت لحروب وكوارث، لذلك لها دور كبير في وقتنا الحالي، وخاصةً بعد تعرضنا لحربٍ إرهابيةٍ حدثت خلالها عشرات المجازر والجرائم بحق السوريين من قبل الجماعات الإرهابية والتكفيرية.
سير عمل المخبر
و”تختلف البصمة الوراثية – كبصمة الأصابع – من شخص لآخر، لذلك فإن مخبر البصمة الوراثية الذي هو أساساً مخبر جنائي، وأحُدث على هذا الأساس، يقوم بعددٍ من المهام كتحليل العينات التي ترفعها الوحدات والجهات العامة، والكشف عن هوية الأثر. وخلال سنوات الحرب تحمّل المخبر ضغوطاً كبيرة، من حيث التعرف إلى رفات الشهداء والمفقودين”،
وفي هذا الصدد، فإن معلومات خاصة وصلت “البعث” تضمنت استخدام مواد منتهية الصلاحية في الأعمال المخبرية، إضافة إلى الاشتباه بوجود توريدات غير أصولية، أي غير منسجمة مع القوانين والتعليمات الناظمة لآليات شراء مستلزمات القطاع العام، وتدور هذه الشبهات بالتحديد حول الرأس الليزري الذي يتردّد أنه لم يتمّ توريده واستلامه وفق الأصول المتّبعة، مع العلم أن التحقيقات جارية في الملف للوصول إلى الحقيقة، وفي الفترة الماضية كان هناك اعتماد كلي في معرفة الـ DNA للمفقودين والشهداء في المجازر المرتكبة من قبل الجماعات الإرهابية على دراسات تقارير مخبر البصمة الوراثية، حيث كان من المتعذّر أحياناً معرفة نتائج اختبار الحمض النووي لتلف العينة، فيما يتمّ إعطاء نتائج إيجابية لعينات أخرى، كما لدى إدارة التفتيش والقضايا في وزارة الداخلية العديد من الملفات التي سبق ونظرت بها، غير الملف المنظور فيه قضائياً بالوقت الحالي، والمتعلق بالرأس الليزري، لجهة توريدات أخرى.
وفي معرض ردّه على أسئلة “البعث” حول عمل وزارة الداخلية في مجال التعريف بسير العمل في “مخبر البصمة الوراثية”، وتسليط الضوء على السلبيات والإيجابيات التي تتخلّل هذا العمل الشديد الدقة والحساسية والعقبات التي تواجهه، أوضح العقيد زياد علي عبد الله رئيس فرع الأدلة الجنائية أن الفرع يضمّ أربعة أقسام: قسم الأثر، وقسم التحقيق الفني، وقسم البصمات، وأخيراً قسم المخبر الجنائي المؤلف – بدوره – من أربعة مخابر هي محور العمل الكيميائي الفني لكشف الجريمة، والتي من بينها مخبر البصمة الوراثية، الذي تأسّس عام 2005، وكان علامة مميزة على مستوى الشرق الأوسط من حيث تطوره وحداثته، كما كان سباقاً لجهة تأديته خدمات قيّمة في مجال اكتشاف الجريمة.
وأشار العقيد عبد الله إلى أن عمل المخابر في الظروف الراهنة مكلف للغاية، فمواد التحليل مرتفعة الثمن، وعمليات الإصلاح والصيانة للأجهزة المستوردة باهظة التكلفة، علاوة على أن هناك معاناة وصعوبات كثيرة لتأمينها، مع العلم أن الخدمات التي يقدّمها المخبر مجانية، والجهات المعنية حريصة بشكل كامل على تقديم الدعم والمتابعة لتأمين المواد، حسب المتوفر- كما قال.
وفي معرض ردّه على ما يُشاع أحياناً حول استخدام مواد منتهية الصلاحية، فأكد العقيد عبد الله أن المخبر “لا يعمل أبداً بمواد منتهية الصلاحية”، ولكن “بعض المواد لديها صلاحية مفتوحة غير محدّدة بتاريخ معين” على حدّ قوله، متابعاً: “لقد خاطبنا الجهات العلمية المعنية، علمياً وقانونياً” بهذا الصدد، فالمخبر مؤسّسة حكومية، وليس مخبراً خاصاً، وهو يعمل “ضمن الأصول وبالمقاييس العالمية وبإشراف هيئة الطاقة الذرية ووزارة الصحة وكل الجهات العلمية”.
وبخصوص هذه النقطة لا بد أن نشير بدورنا إلى رد هيئة الطاقة الذرية (حصلت “البعث” على نسخة) على استفسار علمي مُرسَل من إدارة الأمن الجنائي حول صلاحية استخدام كيتات تضخيم الـ د ن أ PCR المستعملة في مخابر الإدارة لفترة طويلة تتجاوز السنوات بعد انتهاء صلاحيتها، وهو الرد لذي جاء بالإيجاب بشرط حفظ هذه الكيتات بالتبريد بين 2 – 8 درجة مئوية، وفي البرادات…”.
أعباء إضافية
وأكد العقيد عبد الله أن الفترة الممتدة ما بين 2011 إلى 2019، شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في عدد الشهداء والمفقودين، وكانت كل العينات تصل إلى المخبر لأنه الوحيد في سورية، ما سبب تراكماً كبيراً في العمل، حيث تمّ حفظ العينات بشكل جيد، ضمن مجمدات مؤمنة، والعمل عليها يجري بشكل تدريجي. بعد ذلك أُحدث مخبر آخر للاستعراف في مشفى تشرين بدمشق، ومخبر آخر في هيئة الطب الشرعي الذي استفسرنا من العقيد عبد الله عما إذا كان هناك تعاون معه؟ نافياً وجود تعاون، مضيفاً أنه وخلال المؤتمر الذي عُقد مؤخراً كان هناك كلام عن تعاون قد يحدث مستقبلاً.
أما بالنسبة للعينات الجنائية المتراكمة – يتابع العقيد عبد الله – فقد رجعنا إلى العام 2014، والمشكلة عادة ما تكون في صعوبة تأمين مادة معينة تشكل عائقاً أمام استكمال العمل على عينة ما، ولأن العمل والضغط كبيران على المخبر فنحن نعمل على حلّ هذه العقبات والمشكلات، لنتمكن من تجاوزها، وقطعنا شوطاً كبيراً في هذا المجال. مضيفاً أن بعض العينات قد تحتاج إلى إعادة في بعض المراحل حسب ضآلة الأثر أو قِدم العينة، ونحن ننجز العينات الشهرية التي تصلنا إضافة إلى العينات المتراكمة، حيث تمكّن المخبر من إنجاز كل ما يتعلق بالعامين 2019 و2020، باستثناء العينات العظمية، مشدداً على أن هذا العمل يحتاج إلى تكاتف مختلف الجهات المعنية وخبرات وكوادر متنوعة ومساعدات، لأنه مكلف جداً من ناحية المواد والأجهزة وطاقة العمل الكبيرة لاستيعاب كل العمل، ليتمكن المواطن من الحصول على حقوقه.
أما ما يتعلق بموضوع مراجعة الأهالي، فأكد العقيد عبد الله عدم مراجعة أحد منهم لأن المرسوم الأخير يعتبر المفقود بعد أربع سنوات شهيداً، مع العلم أن المخبر يحتفظ بكل العينات الموجودة لديه، سواء كان هناك استفسارات من قبل الأهالي أو لا. مضيفاً: هذا واجبنا تجاه الشهداء والمفقودين والمواطنين أن نقوم بعملنا على أتمّ وجه وحق، وهذا من حقوق المواطن، والشهداء أولويات لدينا.
التوسع في العمل
كان من الممكن التوسّع في رصد عمل المخابر والخدمات التي تقدّمها للمواطنين وقضايا البصمة الوراثية عامة، لما للموضوع من أهمية خاصة في الفترة الراهنة، ورغم تجاوب وتعاون وزارة الداخلية في التحقيق الذي بين أيدينا، إلا أنها فضّلت عدم التطرق إلى أمور أخرى وقضايا تتعلق بملفات تدور حولها إشارات استفهام، لأنها – من وجهة نظر الوزارة – شأن داخلي وليست مسألة خدمية تهمّ المواطنين، وفضّلت الاكتفاء بالإجابة عن نقاط محدّدة بعينها، وعامة، من دون تقديم إجابات عن أسئلة أخرى كانت الإجابة عنها مهمّة وضرورية تتعلق أيضاً بسير عمل المخبر.
لينا عدرة