التأمين الصحي يعاني أمراضاً مزمنة.. و”الإشراف” تكتفي بالردود الجاهزة!
دمشق- فاتن شنان
تعدّ الإشكاليات المتعلّقة بإعادة التأمين أولى أهم القضايا التي تعرقل مسار نهوض القطاع، بالتوازي مع العديد من القضايا الفنية والمخالفات الحاصلة ضمنه، كانخفاض الطاقات الاستيعابية لاتفاقيات الإعادة الحالية، وعدم تمكّن الشركات السورية من تأمين الكثير من الأخطار (المستثناة من الاتفاقيات) بسبب قلّة خيارات إعادة التأمين الاختيارية، إضافة إلى زيادة ظاهرة تكسير الأسعار بشكلها السلبي والخطر جداً، والوصول إلى مستويات سعرية غير فنية، عدا العديد من القضايا التي تمّت مناقشها في الاجتماع الأخير مع وزارة المالية، الأمر الذي يؤكد ضرورة معالجتها وإيجاد الحلول وتطبيق المقترحات اللازمة لإعادة تصويب بوصلة التأمين، ولكن يبدو أن الإصرار على التعتيم حول الإجراءات المتخذة أو الواجب اتخاذها سيد الموقف، حيث حاولنا مراراً استشراف رؤية هيئة الإشراف على التأمين في تصويب الأخطاء ومعالجة الإشكاليات المتجذّرة، إلا أننا لم نحظَ بحديث مباشر مع الإدارة التي رغبت بالعودة إلى نمط الأسئلة المكتوبة والإجابات عبر الورق دون إتاحة الفرصة لتوضيح كل ما يتعلّق بمحاور الموضوع، وبالتالي جاءت الأجوبة بصيغة الردود الرسمية، تحوي القليل من التفاصيل غير المثرية وسبق لها النشر، كرفع تعويضات صندوق تعويض متضرري حوادث السير وتسهيل تراخيص الوكلاء والوسطاء من ذوي الشهداء وإعفائهم من الرسوم وبدلات الترخيص والتسجيل كوكلاء أو وسطاء تأمين، دون الخوض بتفاصيل القرارات المتعلقة بتنظيم عمل سوق التأمين، وآلية معالجة وإنهاء بعض المخالفات فيه.
ردّ كلاسيكي
ولم توضح الهيئة عبر جوابها ماهية الآليات المقترحة لمعالجة الأمور المتعلقة بتنظيم شركات إدارة نفقات التأمين الصحي وما يكتنف عملها من مخالفات، مكتفية بتأكيدها على متابعة أعمالهم بموجب الأنظمة والقوانين، ومتابعة حسن تطبيق هذه الأنظمة بشكل مستمر، منوهةً بأنه تمّ مؤخراً توجيه إنذار لإحدى الشركات –دون ذكر اسم الشركة- كدليل على المتابعة نتيجة قيام الشركة بالترويج لعقود تأمين صحي بما يتعارض مع نطاق الأعمال المسموح لهذه الشركات ممارستها، حيث إن عمل شركات إدارة نفقات التأمين الصحي يقتصر -وفق تعريف شركة الإدارة- على تنظيم إجراءات التأمين الصحي بين شركة التأمين والمؤمّن عليه وتمارس نشاطها بالنيابة عن شركة التأمين، كما يحظر على الشركة الاكتتاب في أي خطر تأميني أو تسويق أي برنامج تأميني مباشر خاص بها أو القيام بدور مؤمّن أو تقديم أية عروض تأمينية للجمهور.
الواقع مختلف
أما فيما يتعلّق بآليات تنظيم عمل سوق التأمين، فلم يخرج الجواب من عباءة التأكيدات المكرّرة على دورها الإشرافي والرقابي ومتابعة تطوير التشريعات الصادرة عنها وحسن تطبيقها، بما ينعكس إيجاباً على المواطن والشركات في الوقت نفسه، ويخدم ويدعم الاقتصاد الوطني، والعمل على تطوير التأمين الصحي ومعالجة سلبياته من خلال العمل على مراعاة تحقيق مصالح أطرافه، من مؤمّن لهم وشركات تأمين وشركات إدارة نفقات صحية ومقدمي خدمات طبية، بما يحقق الوضع الأمثل لواقع الرعاية الصحية المشمولة بالتأمين بشكل خاص. في حين يغصّ سوق التأمين بمخالفات مقدّمي الخدمة من أطباء ومشافٍ ومخابر، والمراوغة في تقديم الخدمة بالرغم من إعلانهم عن التعاقد مع التأمين، بحجة عدم تسديد أو تأخر شركات النفقات الطبية عن تحويل الحسابات المالية حيناً أو التهرّب من المعالجة المطلوبة بذريعة عدم شمولها بالتغطية التأمينية، وترك المؤمّن له في حيرة من أمره بين الشكوى التي تهدر وقته، أو اللجوء إلى المعالجة على حسابه الشخصي، ولكن المهمّ في الأمر تأكيد الهيئة على ثقافة الشكوى من قبل المؤمّن لهم، إذ تواكب كافة الشكاوى المتعلقة بأي خلاف في هذا المجال، وتقوم بمعالجتها بالتعاون مع جميع الأطراف، وتسعى لتدقيق ومراقبة أعمال هذا الفرع التأميني المهمّ، وتقوم بتنظيم لقاءات مستمرة بين جميع أطراف هذه العملية التأمينية والمتابعة المباشرة لأعمال التأمين الصحي من خلال لجنة مراقبة سوء الاستخدام التي تضمّ في عضويتها، إضافة إلى الهيئة، ممثلين عن كافة الأطراف التي تشترك في هذا التأمين.
نمو تضخمي
وفي سياق النتائج المنتظرة بيّنت الهيئة أنه من المبكر الحديث عن التغيير في النتائج المالية، في حين تعوّل اليوم على أن يسبق التغيير في النتائج تغيير في الأداء، كما أكدت أن النمو الذي يشهده القطاع في هذه الفترات تضخمي دون زيادة عدد عقود التأمين، علماً أن القطاع حقّق نمواً في أقساطه نحو 9% خلال النصف الأول من عام 2020، وبالتالي وفق رؤية الهيئة فإن قطاع التأمين أثبت قدرته على مواجهة تحديات الأزمة والاستمرار بتقديم خدماته، وإن كان ذلك بالحدّ الذي لا يلبي طموحاتها.