النفايات الايطالية تفضح حجم الفساد في تونس
يطرح التونسيون بشكل واسع سؤالاً حول كيفية وصول كميات كبيرة من النفايات من منطقة في جنوب ايطاليا، الى تونس، التي تواجه مشاكل في التخلص من نفاياتها؟ ويتداول هذا السؤال بشكل واسع في تونس، خصوصاً وأن المئات من الحاويات التي تم حجزها تخفي شبهات بشأن ملف فساد كبير.
ومنذ أن حجزت الجمارك التونسية في مرفأ سوسة (شرق) سبعين حاوية كبيرة، ثم بعد أيام قليلة في بداية صيف 2020، تتبادل وزارة البيئة من جهة والجمارك التونسية من جهة أخرى التهم وتحمّل بعضها البعض المسؤولية، كما ينظر للسلطات الايطالية على أنها تتحمل كذلك جزء من هذا المشكل.
وتحمل الحاويات شحنات من النفايات المنزلية يحظر على تونس توريدها وعلى البلدان الأوروبية تصديرها إلى البلدان الأفريقية، بموجب القانون الدولي والمعاهدات الدولية التي تصنفها “خطيرة”.
وتم توريد النفايات من قبل شركة تونسية تدعى “صوروبلاست” بعد أسابيع قليلة من استئناف نشاطها في أيار الفائت، وأسندت ترخيصاً لاعادة تدوير النفايات الصناعية من مادة البلاستيك المخصصة للتصدير.
وأبلغ قسم الاتصال بوزارة البيئة ان الوزير مصطفى العروي “أكد انه لم يوقع على أي وثيقة” ترخص للشروع في توريد نفايات.
وقد تم الحصول على نسخة من طلب مبدئي من الشركة التونسية. فبالتزامن مع وصول الحاويات، طلبت الترخيص لتستورد “مؤقتاً نفايات من البلاستيك بعد تصنيع غير خطير” من أجل “إجراء عمليات الفرز والتدوير وإعادة التصدير للأراضي الأوروبية”.
ولكن العقد الموقع بين “صوروبلاست” والشركة الايطالية يقر بشكل واضح بأن “الهدف هو الحصول على نفايات واتلافها لاحقاً” في تونس.
ويؤكد مصدر مسؤول من الجمارك التونسية أن هذه الوثائق تكشف أن “صوروبلاست” قدمت معلومات مغلوطة حول طبيعة البضائع التي وردتها.
النفايات غير المشروعة
وتم توقيع العقد مع شركة ايطالية في مدينة نابولي هي “سفيليبو ريسورسي امبينتالي”، المتخصصة في جمع النفايات في مدينة كامبانيا (جنوب).
وتتضمن نسخة من الوثيقة اتفاقاً على اتلاف 120 الف طن في تونس كحد اقصى مقابل 48 يورو للطن الواحد وبمجموع يتجاوز خمسة ملايين يورو.
وفي الثامن من تموز تقرر حجز الحاويات في مدينة سوسة لارجاعها إلى ايطاليا، وفقا للمسؤول الجمركي. ولكن ومنذ ذلك التاريخ لا تزال الحاويات في مكانها.
ويبدو أن هذا الملف يكشف تفرّعات لتجارة النفايات غير المشروعة التي تتزايد في مواجهة تشديد المعايير الأوروبية، وتردد آسيا المتصاعد.
وحذر الانتربول في تقرير صدر في آب من الارتفاع الكبير لشحنات نفايات البلاستيك غير القانونية منذ العام 2018.
ويمثل ملف التصرف في النفايات أحد المشاكل التي تواجه السلطات في تونس. وحسب تقرير للبنك الدولي فإن 61 في المئة من نفايات العاصمة يتم جمعها، أما الكمية الباقية فترمى.
وأسال الملف الكثير من الحبر واهتمت به وسائل الاعلام المحلية وفتح القضاء تحقيقاً، وأقال رئيس الحكومة هشام المشيشي الأحد وزير الشؤون المحلية والبيئة مصطفى العروي دون ذكر أسباب القرار.
لوبيات كبيرة للفساد
ويقول الخبير في تقدير النفايات وعضو ائتلاف منظمات “تونس الخضراء” حمدي شعبان متهماً وزارة البيئة ومسؤولين سياسيين: إن “هذه القضية تكشف ان هناك لوبيات كبيرة للفساد”. وفي تقديره ان الوزارة تعرضت لضغوط كبيرة من رجال أعمال في تونس خلال السنوات الفائتة لتمكينهم من توريد النفايات. ولكن “هذه المرة الأولى” التي يتم الكشف خلالها عن مثل هذا الملف.
من جهته، يتساءل مدير الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات التابعة لوزارة البيئة بشير يحي “كيف للجمارك أن تسمح بدخول النفايات للأراضي التونسية، بينما ليس لها ترخيص رسمي؟”.
كما تستنكر الجمارك بدورها اعطاء الوكالة الضوء الأخضر لإخراج سبعين حاوية من الميناء.
وطلبت الجمارك وثيقة تحدد طبيعة شحنات الحاويات قبل السماح لها بالخروج. ورد مدير الوكالة في بريد الكتروني أنها مواد من البلاستيك وليست نفايات خطيرة.
واطلعت على هذه المراسلة التي بيّن فيها بشير يحي أنه بعد اطلاعه على نتائج العينات لا يرى “أي مانع لتوريد هذه المواد البلاستيكية”، مؤكداً أنها “ليست خطيرة”.
وانطلاقاً من هذه المراسلة سمحت الجمارك باخراج الشحنات الأولى من الميناء، وفقاً لمصدر من الجمارك.
ويؤكد يحيي أن هذه المراسلة بعثت في إطار التشاور وتبادل الآراء بينه وبين إطار في الجمارك، وتمثل “رأياً شخصياً” وليست “وثيقة رسمية”، مشيراً إلى أن الجمارك تدرك ان ذلك غير كاف للترخيص بالتوريد.
ولا تزال 212 حاوية قابعة في ركن من الميناء حيث تم فتح المجال امام الاعلاميين للاطلاع عليها مطلع كانون الاول الحالي.
وزار فريق من الخبراء القضائيين الموقع للاطلاع على محتوى الشحنات، وفقاً لمدير الميناء.
ويتساءل حمدي شعبان “أين كانت سترسل هذه الكميات الهائلة من النفايات التي لا تملك تونس وسائل لردمها؟”، في حال لم يتم الكشف عن هذه القضية.
توقيف وزير البيئة
وفي وقت سابق، أعلنت السلطات التونسية توقيف وزير البيئة والشؤون المحلية مصطفى العروي غداة إقالته من منصبه للتحقيق في قضية توريد شحنات نفايات إيطالية إلى البلاد.
وقال بدر الدين القمودي رئيس لجنة الإصلاح الإداري ومكافحة الفساد “تم توقيف الوزير السابق مصطفى العروي تحفظياً على ذمة التحقيق” في القضية.
وأفاد متحدث قضائي توقيف 12 مسؤولاً بينهم وزير البيئة.
وكانت هذه القضية قد أثارت غضباً واسعاً في تونس وعلى منصات التواصل الاجتماعي واتهامات بتورط مسؤولين كبار في إغراق تونس بالنفايات الايطالية.
وفي تشرين الثاني الماضي أعفى رئيس الحكومة فيصل بالضيافي المدير العام للوكالة الوطنية للتصرف في النفايات، دون أن تذكر رئاسة الحكومة سببب الإعفاء، لكن قرار الإعفاء جاء على إثر الجدل المثار حول ملف النفايات المستوردة من إيطاليا الذي كشف عنه تقرير استقصائي بث على أحد القنوات الخاصة في الثاني من الشهر ذاته أشار فيه إلى أن الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات طرف في القضية.