حلب.. الانتصار الذي غيّر وجه المنطقة
علي اليوسف
معركة حلب التي شُبّهت بمعركة ستالينغراد، كان لتداعيات الانتصار فيها، والذي حصل في 21 كانون الأول 2017، تداعيات الانتصار نفسها في ستالينغراد، ففي ستالينغراد أُسقطت أحلام النازية، بينما أسقط انتصار حلب أوهام أردوغان والحلف الصهيوغربي.
شكّلت معركة حلب المفصل الأساسي الذي كان الجميع يعرف أهميته لجهة التحولات التي ستنتج عن السيطرة على حلب، وقد أدركت الدولة الوطنية مبكراً ما يُخطّط لحلب وما تمثله من قيمة إستراتيجية، لأنه بسقوطها كان يمكن للحرب ونتائجها في سورية والمنطقة أن تسلك مساراً مختلفاً عمّا حصل. لعلّ الانتصار في معركة حلب قد حسم شكل حل الأزمة في سورية، ودفن بيان جنيف الأول 2012، ودفن معه أوهام ما يُسمّى “هيئة الحكم الانتقالي”، لأن هذا الانتصار شكل تحولاً استراتيجياً ومنعطفاً مهماً في الحرب على الإرهاب من جهة، وضربة قاصمة للمشروع الإرهابي وداعميه من جهة أخرى، كما أكد قدرة الجيش العربي السوري وحلفائه على حسم المعركة مع التنظيمات الإرهابية، وأسّس لانطلاق مرحلة جديدة لدحر الإرهاب من جميع أراضي الجمهورية العربية السورية.
فداحة الخسارة في حلب بالنسبة لواشنطن والغرب والكيان الصهيوني فضحتها ردود الفعل الهستيرية لهؤلاء قبيل استكمال الجيش العربي السوري والحلفاء تطهير المدينة، فالانتصار لا يقتصر على عودة هذه المدينة التاريخية والعاصمة الاقتصادية لسورية إلى ربوع الوطن مجدداً، بل يتخطاها إلى أبعاد أعمق وأكثر تطوراً على المستويات العالمية والإقليمية.
البعد الدولي
إن حسم الجيش العربي السوري معركة حلب يعدّ تجميداً للتفرد الأمريكي وسياسة القطب الواحد في المنطقة العربية، خاصة وأن واشنطن لم تكن ترغب أبداً بأن يتمكّن الجيش العربي السوري من تحرير المدينة، والأدلة كثيرة، فمبعوث الأمم المتحدة لسورية ستيفان دي مستورا، حاول جاهداً، وبرعاية من أمريكا وفرنسا وبريطانيا، إنقاذ الإرهابيين الموجودين في حلب، والذين ينتمون إلى فصائل إرهابية مثل “فتح الشام”، من خلال مبادرات عدة لخروجهم بأسلحتهم إلى مناطق آمنة، كما طلب في آخر مبادرة له بإعطاء الإرهابيين، الذين كانوا يسيطرون على أحياء حلب الشرقية، ميزة الحكم الذاتي لهذه المناطق، الأمر الذي لم تقبله الحكومة السورية.
كما لوّحت الولايات المتحدة برفع الحظر على بعض الأسلحة، مثل مضادات الطيران التي تُحمل على الكتف ومنحها للفصائل الإرهابية قبل معركة حلب، وهو ما حدث فعلاً، لكن بعدما تمكّن الجيش السوري من إطباق سيطرته على كامل المدينة، بدأت واشنطن تتذرع وحلفاؤها بالأوضاع الإنسانية في حلب، رغم أنها لم تفتح الملف ذاته عندما سيطرت “داعش” على مدينة تدمر الأثرية، ولم تفتحه أيضاً في غارات التحالف الدولي على الموصل العراقية في مواجهتها لـ”داعش”، كما لم تفتحه في اليمن، رغم أنه في كل 10 دقائق يموت طفل هناك بسبب العدوان وحصار النظام السعودي المبارك من قبل أمريكا.
ولا يمكن هنا إغفال سيطرة “داعش” على تدمر كردّة فعل تعبّر عن غضب أمريكا من عودة حلب لكنف الدولة السورية، فمن المفترض أن “داعش” محاصر من قبل الولايات المتحدة في الرقة ودير الزور، وبالتالي سيطرة التنظيم الإرهابي على تدمر جاءت بتسهيلات أمريكية كنوع من التعويض ولو كان بسيطاً لخسارتها حلب.
البعد الإقليمي
أما في البعد الإقليمي، فقد أعطى انتصار حلب مؤشراً مهماً على فشل المشروع الصهيوني في المنطقة العربية، وكشف وحدة المسار بين بعض أنظمة الخليج والكيان الصهيوني، فبالتزامن مع دعوة مشيخة قطر لعقد اجتماع طارئ فيما يسمّى جامعة الدول العربية حول حلب، طالب وزير داخلية الكيان الإسرائيلي بعقد اجتماع أممي عاجل بشأن أوضاع حلب، ما يعكس مخاوف الكيان الصهيوني من انتصار الجيش السوري في حلب.
البعد الإعلامي
وفي البعد الإعلامي، أثبت الانتصار في معركة حلب زيف الادعاءات الإنسانية التي سوّقت لها القنوات الناطقة بالعربية، مثل الجزيرة، بعدم وجود مواد غذائية للأهالي في حلب، فبعد زوال غبار المعركة تبيّن وجود العديد من مخازن السلع الغذائية والأماكن المزوّدة بالأجهزة الطبية، كانت ما يُسمّى “المعارضة السورية” تحتكرها، إضافة إلى سيطرة الجيش العربي السوري على عدد من الأسلحة والذخائر التي قُدّمت للمعارضة من أمريكا ودول خليجية عبر الحدود التركية.
التزييف الإعلامي الذي قدّمته القنوات القطرية والسعودية لتجميل المعارضة في سورية وإضفاء الصبغة الإسلاموية عليها سقط في معركة حلب أيضاً، فالجامع الأموي في حلب تمّ تدمير مئذنته التي طالما صدحت بصوت الأذان منذ 1400 عام، وتوقفت فقط في زمن التتار، كما توقفت عن العمل أيضاً بسبب قصف العصابات الإرهابية لها، والتي أيضاً استولت على منبر صلاح الدين في الجامع الأموي وسرقته وهربته إلى راعيها أردوغان، كما سرقت 750 ألف مخطوطة أثرية من الجامع ونقلتها إلى متحف أزمير في تركيا، كما أنها حوّلت الجامع لثكنة عسكرية.
ويرى مراقبون أن جميع أبعاد انتصار حلب لم تتكشّف بعد، فله أبعاد عالمية جديدة قد تتكشّف ملامحها لاحقاً، كما أن لها أبعاداً إقليمية في ظل تقارب القاهرة مع موسكو وإعلانها صراحةً دعم الجيش السوري والحفاظ على مؤسّسات الدولة السورية.
سنوات من الإمعان في ممارسة الإرهاب والحصار، لم تستطع أن تقسم ظهر حلب -عاصمة الشمال السوري- وقلبه النابض، وذات الأهمية الإستراتيجية والديموغرافية. وبفعل الملايين الستة من سكانها والمصانع الكبرى فيها، قصمت ظهر التكفيريين ورعاتهم الخارجيين، بضربة قاضية وجّهها الجيش العربي السوري وحلفاؤه لمشروع تقسيم سورية. انتصار أرسى تحولاً في كل المقاييس الجيوسياسية والعسكرية، حتى باتت المعادلة أن ما قبل انتصار حلب، ليس كما بعده.
إن نتائج معارك الجيش العربي السوري والحلفاء في حلب قلبت الموازين والمعادلات في المنطقة ورهانات بعض الدول التي تستثمر في الإرهاب لأهداف سياسية، ليس فقط في حلب وحسب، بل وصولاً إلى الموصل العراقية، لأنهما امتداد لمعركة ذات بعد متكامل، ترسم معاني تكاملية لما يحصل في هذا الحيّز الجغرافي من تحولات. من هنا فإن أهم مفاعيل انتصار حلب تتحدّد بالمسائل التالية:
– إعادة إطلاق العجلة الاقتصادية في سورية، في ظل الظروف الصعبة التي تمرّ بها البلاد بفعل الحرب عليها، والحصار الاقتصادي الجائر.
– تعديل ميزان القوى على صعيد العديد البشري المتراجع للإرهابيين، الأمر الذي يسمح للجيش والحلفاء بالتأثير في جبهات ما بعد حلب.
– الوجهة ستكون لاستعادة الأراضي الغنيّة بالنفط شرق سورية من حمص ودير الزور وغيرها، بعد تأمين محيط حلب بالكامل، بدءاً بالشمال في الليرمون وصولاً إلى حريتان، وغرباً بهدف استكمال السيطرة على الامتداد الإداري للمدينة بدءاً بخان العسل.
صحيح أن الحرب على سورية لم تنتهِ بعد، مع إدراك الجيش العربي السوري وحلفائه صعوبة المهام التي تنتظرهم على جبهات ما بعد حلب، لكن لا شك أن مفاعيل هذا الانتصار وصلت إلى أروقة واشنطن والدول الأوروبية والخليجية، وكذلك إلى النظام التركي، بأن السوريين لن يقبلوا ببقاء أي إرهابي على أرضهم.