هل يكون “التعليم الهجين” المنقذ في زمن الكورونا؟
في ظل جائحة كورونا، هناك أخذ وردّ لجهة استمرار التعليم في المدارس والجامعات، وذوو الطلبة يطالبون بإجراء عاجل، وآخر الأخبار بهذا الخصوص جاءت من جامعة تشرين، حيث تمّ في العاشر من الشهر الجاري تخفيف دوام التدريب السريري لطلاب كلية الطب في مشفى تشرين الجامعي، والأمل أن تحذو الجامعات الأخرى حذوها مع تزايد الإصابات، في ظل الموجة الثانية القوية للفيروس. البعض اقترح فكرة “التعليم الهجين” الذي يجمع ما بين التعليم الواقعي والافتراضي الذي يتمّ من البيت بالتواصل مع المنصات التربوية والجامعية كوسيلة للتقليل من الإصابات، ريثما تتمّ السيطرة على الوباء، سؤال يطرح نفسه هنا: هل جامعاتنا ومدارسنا جاهزة لجهة الكادر والبنية التحتية، وكيف السبيل لذلك؟.
التفاوت الثقافي مشكلة
المعلم حسن البكر رئيس دائرة التوجيه والمناهج في تربية القنيطرة، عضو المكتب الفرعي لنقابة المعلمين بالمحافظة، تحدث عن تجربته في العام الدراسي الماضي بما يتعلق بعملية التعليم عن بعد، مشيراً إلى أنها لم تحقّق الجدوى العلمية لعدة أسباب، أهمها عدم وجود مخابر خاصة ومجهزة بالتقنيات الحديثة والمناسبة لإيصال المعلومة بالشكل الأمثل، إضافة إلى عدم توفر الانترنت بجودة عالية، عدا عن انقطاع الكهرباء المستمر، وعدم توفر أجهزة الاتصال التي تخدم العمل بشكل جيد، إضافة إلى قلّة الكوادر المؤهلة والمدرّبة التي يوكل لها هذا العمل من الناحية الفنية والتقنية.
ولفت البكر إلى أن التفاوت الثقافي بين أولياء الأمور يمكن أن يلعب دوراً سلبياً، لجهة الدور في مساعدة الأبناء في تحليل المحتوى وتوجيههم بكيفية ترجمة ما يتلقونه من طريقة التعلّم عن بعد. وبرأيه إن كانت هناك جدوى من التعليم الإلكتروني فهي قد تكون نسبية لا تتجاوز ما يمكّن من الحكم بأن التجربة ناجحة وذات جدوى، مع الأخذ بالاعتبار وجود تفاوت بين مرحلة التعليم الجامعي ومرحلة التعليم ما قبل الجامعي لاختلاف الفئات العمرية والوعي.
أما فيما يتعلق بفكرة التعليم الهجين، فيرى البكر أنه يمكن أن يكون أكثر جدوى من التعليم عن بعد، نظراً لظروف الواقع التي أشار إليها فيما سبق، مضيفاً: المزاوجة بين الفكرتين قد تنجح فيما لو توفر لها المناخ المناسب والإمكانات الجيدة التقنية والفنية والعلمية المؤهلة، وهذا ما يؤكد نجاح تجربة المنصات التربوية التي أطلقتها وزارة التربية والبرامج التربوية العلمية لكافة المراحل والاختصاصات التي تبثها عبر القناة التربوية السورية، وهذا ما يحتاج إلى بيئة تقنية جيدة ليؤتي ثماره على الشكل المطلوب، وإلى ثقافة منزلية مجتمعية تلعب دوراً رديفاً للمؤسسة التعليمية بشكل عام، مما يساعد على تحقيق التباعد وتنظيم عملية اللقاءات العلمية ضمن مناخات جيدة تتوفر فيها الظروف والشروط الصحية الاحترازية للتصدي لجائحة كورونا، ولاسيما أن هذه الموجة، كما يشير المختصون، لها تأثيرات ومنعكسات سلبية بشكل أكبر من السنة الماضية، الأمر الذي يتطلّب ضرورة الإسراع بإيجاد الأساليب الناجعة والمفيدة لتجاوز هذه الفترة بشكل يضمن سلامة أبنائنا ومجتمعنا.
ابتكار حل إسعافي
الحديث في هذا الوقت وبعد مضي أشهر على تفشي وباء كورونا عن اعتماد أسلوب “التعليم الهجين” يبدو شائكاً، برأي الدكتور بشار عيسى (اختصاصي إدارة)، حيث كان من المفترض -حسب وجهة نظره- معالجة ذلك منذ بداية الموجة الأولى من الجائحة، وعدم الانتظار حتى الوصول إلى عنق الزجاجة في هذا الظرف العصيب وجنون أعداد الإصابات والوفيات.
ويؤيد الدكتور عيسى فكرة “التعليم الهجين” كحلّ إسعافي، رغم عدم جهورية مجمل مؤسساتنا التربوية من جامعات ومعاهد ومدارس وحتى الأهل في المنازل لهذه النقلة النوعية لأسباب عديدة، وفي حال اعتماده في مدارسنا وجامعاتنا اقترح الدكتور عيسى أن يتمّ الأخذ بالنقاط التالية:
– ضرورة إنهاء الفصل الدراسي الأول بصورة عاجلة مع تقديم موعد فحص الفصل الأول وإقراره بما تمّ تدريسه.
– إعطاء عطلة لمدة شهر فقط اعتباراً من بداية العام ولغاية أول شهر شباط فقط.
– أن يتمّ استثمار الوقت خلال شهر العطلة للبدء بترويج وتسويق فكرة التدريس والتعليم عن بعد (الافتراضي) عبر الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي المختلفة، بغية تهيئة نفوس الطلاب والأهل لتقبل هذه الفكرة واندماجهم فيها والتدرّب عليها ضمن هذه المدة الزمنية المقبولة.
– مواكبة هذه الخطوة بقرار سريع من وزارة التربية بتوفير فكرة اللوح الدراسي (التاب الإلكتروني) عبر توفيره بكميات كبيرة في صالات السورية للتجارة بأسعار مقبولة وأقساط ميسّرة لعموم الموظفين، أو حتى باقي فئات الشعب وفق آليات مالية تحتاج دراسة سريعة وفعّالة.
– ابتكار حلّ إسعافي من قبل الاتصالات لتوفير آلية وأرضية إنترنت دراسي مقبول بسرعات مناسبة لانطلاق هذا النمط من العملية التربوية.
– إقرار هذا النمط من التعليم وتدريسه لكامل الفصل الثاني من العام الدراسي لعبور هذه الموجة العارمة من المرض إلى برّ الأمان، وبعدها يتمّ تقييم هذا الأسلوب وتلك الخطوات في فصل الصيف على صعيد الحكومة.
مع البقاء في المدارس
مدرّسة اللغة العربية راغدة شفيق درغام تؤيد فكرة التعليم الإلكتروني عن بعد وتراها جيدة في ظل استمرار وباء كورونا وتزايد عدد الإصابات، وتشير إلى أنه في العام الدراسي الماضي كانت هناك أفكار متعدّدة لتجنّب الوباء، منها تشكيل مجموعات “واتس اب” أو دروس تُنشر على مواقع التواصل الاجتماعي، أو التوجّه لبرامج التربوية السورية، ولكنّ المشكلة أن التعليم الإلكتروني المطروح من قبل الوزارة لن يحقق الفائدة المرجوة، وهذا ما وجدناه عند محاولة تعويض الفاقد التعليمي، حيث كانت نسبة المتابعة للتعليم عن بعد ضئيلة، والأسباب كثيرة منها مادية وهي الأهم، بسبب ارتفاع أسعار باقات الإنترنت، وعدم سعي الوزارة الجاد لتوفيرها مجاناً لمواقعها الإلكترونية، إضافة لعدم توفر الكهرباء، حيث الوصل لا يتجاوز أربع ساعات نهاراً لمتابعة برامج التربوية السوريّة، وهذه مشكلة دائمة في ظل الوضع الحالي للكهرباء كون معظم البرامج التفاعلية تحتاج إلى شرح وتوضيح مطول، كما أن البرامج التعليمية تقوم على ندوات وحوارات غالباً لا تراعي مستويات الطلاب المختلفة وتفاعلهم مع المواضيع المطروحة، ولو نظرنا لعدد المواد سنجد أن من الصعوبة تغطية المناهج لمختلف الصفوف وجميع المواد، لذلك أنا مع بقاء التلاميذ والطلبة في المدارس شرط الالتزام بالتباعد المكاني والقواعد الصحية ودعم الطلاب بالمعقمات والكمامات، وتوجيه جهود الحكومة بمختلف وزاراتها لدعم التعليم لأنّه أساس نهوض البلاد.
كلنا أمل
بالمختصر.. إصابات كورونا تتزايد، وعلى وزارتي التربية والتعليم العالي أن تتخذا إجراءات إسعافية لمنع الإصابات في المدارس والجامعات، وأن تفكرا جدياً بحلول إستراتيجية فيما يخصّ التعليم عن بعد، أو اعتماد “التعليم الهجين” الذي يجمع أو يمزج ما بين الواقعي والافتراضي، من خلال تدعيم البنية التحتية اللازمة لهكذا نوع من التعليم، بما يحقّق تقديم الفائدة المرجوة للتلاميذ والطلبة بالإبداع والتفاعل وتعزيز دور المعلم ومكانته، إضافة لكل ذلك فإن التعليم الهجين يقلّل من نفقات التعليم ويوفر الكثير من الوقت والجهد.
غسان فطوم