“الثقافة بين الفنان والمتلقي” في أيام الفن التشكيلي السوري
لا تزال العلاقة بين الفنان والمتلقي هي الأهم والأقوى، فهما شريكان في الفن، وبغياب المتلقي الحقيقي الذي يفهم العمل الفني لن يؤدي الفنان رسالته النبيلة ودوره في المجتمع وسيبقى الفن غير مكتمل. في هذا المضمار جاءت ندوة “الثقافة بين الفنان والمتلقي” والتي قدّمها رسام الكاريكاتير الفنان عبد الهادي شماع ضمن أيام الفن التشكيلي التي أقيمت مؤخراً في كلية الفنون الجميلة.
مشكلة حقيقية
أوضح شماع في بداية حديثه أننا نركز اليوم على مشكلة قديمة موغلة في التاريخ عمرها أكثر من ألف عام، فهذا الفن قائم على ثلاثة عناصر تؤثر فيه، وهي تشكّل عماد العملية الفنية، أولها الفنان الذي هو منتج اللوحة، وثانيها المتلقي الذي يقصد الصالات الفنية لرؤية العمل الفني، وثالثها الناقد الذي غايته من ارتياد الصالات أن يعطي رأيه في اللوحة ويشرحها ويوضح ما إذا كانت فكرتها قد وصلت إليه أم لا، ثم يعطي نصائح ويوجّه النقد إلى الفنان بما عليه أن يقوم به في المراحل القادمة، مبيناً أن كلاً من هؤلاء العناصر الثلاثة لديه أزماته الخاصة في الفن والتي تشكل بمجملها الأزمة العامة والتي هي علاقة الفن بالملتقي، حيث نلاحظ أن المتلقي يرى أعمالاً فنية لا يفهمها، أما الفنان فهو ابن الواقع الذي وصلت إليه مجموعة معلومات ثقافية بصرية منقوصة نتيجة الانقطاع الطويل والكبير، لذلك أصبح غير متوازن ولا يملك الأجوبة الشافية والنهائية حول القضايا والمواضيع مما خلق مشكلة حقيقية. ولفت شماع إلى أننا اليوم نطرح الأسئلة، أما الأجوبة فمن أجل تقديمها والحصول عليها نحن بحاجة إلى مؤسّسات كبيرة ذات سطوة وقادرة على تحويل القول إلى فعل، لكي تدعو الجميع وكذلك الفنانين للعودة إلى الفن الحقيقي والأصيل الذي يفهمه المتلقي والناس، مع ضرورة تغيير المناهج وإعادة الاعتبار للموسيقى والرسم وتفعيل دور الثقافة بشكلها الفني والتشكيلي وإعطائها قيمتها الحقيقية، مع دعم الناس الفاعلة في هذا المجال، ويمكن القول إن هذه هي التوصية العامة في ظل واقع اليوم الذي هو واقع مأزوم يعاني الفن فيه من مشكلات خطيرة ويتجه نحو “اللا حل” دون تدخل تلك المؤسسات.
معايير الفن
وطرح شماع إشكالية مهمّة في ظل كلّ ما يتعرض له الفن وهي: كيف أستطيع أن أحدّد إذا كان ما أراه فناً أم لا؟ لأن الليبرالية الجديدة ورداً على كل ما سبقها تريد أن تجعل الفن متاحاً للكل، حيث أصبح لأي أحد مطلق الحرية والحق في أن يعبّر عما يريد وكيفما يريد، فالليبرالية أخرجت الفن من المكان المغلق إلى العام وألغت وحدة المكان فأصبح هناك فنون تقام على الجدران والأبنية، كما أنها ألغت عامل الزمن في اللوحات، وأصبح العمل الفني يحمل فناءه ذاتياً في طياته، مبيناً أنه نتيجة هذه التغييرات لم نعد نستطيع ملاحقة ما يتمّ إنتاجه يومياً تحت مسمّى الفن، ولذلك نجد أنفسنا اليوم أمام سبعة مليارات فنان محتمل وكل إنسان هو مشروع فنان، فالليبرالية الجديدة تحوّلنا إلى أناس نشبه بعضنا البعض ونتبع “اللاوعي” الذي بداخلنا فقط، وعندما يتشابه الناس يفقدون التميّز والفرادة، مما يضعني أنا كمتلقٍ في ظل كل هذا الفن المنطلق من “اللاوعي” أمام إشكالية كبيرة وهي معرفة إن كان ما أراه يمكن اعتباره فناً أم لا. وأشار شماع إلى أننا نقع اليوم تحت تأثير سياسات هي السبب وراء هذا الواقع المأزوم، فكل ما يحدث ليس محض مصادفة، لأنه من الواضح أن هناك من يريد إنهاء الفنان وإنهاء تميّزه وفرادته وتحويله إلى شخص عادي في المجتمع ويشبه الأغلبية، لأنه كما نعلم جميعاً أن الفنان قيادي وقادر على التأثير، وهناك من لا يريد أن يكون الفنان له هذا الشأن العظيم من خلال إطلاق العبارات التي تبدو نبيلة في ظاهرها من خلال دعوتها إلى حرية الفنان، وإنما الغاية الحقيقية منها غير نبيلة لأنها تسعى إلى اعتبار أي شيء حتى إن لم يكن متميزاً فناً، وبذلك يصبح الفنان فارغاً من المعنى ومتشابهاً مع الجميع، مشدداً على أن هناك سؤالاً يتمّ تجاهله والتقليل من أهميته، وهو ما الغرض من الفن؟ ولماذا يتمّ تقديمه؟ لأن الفن يجب أن يكون نبيلاً وحقيقياً وأصيلاً.
وفي النهاية أكد شماع أن الفنّ هو شيء آخر وشيء مختلف عما يتمّ تقديمه مؤخراً تحت مسمّى الفن، لأن الفنان له هدف وغاية ويؤدي وظيفة ويقدّم مجموعة من المهام المطلوبة منه نحو المجتمع، فهو عمل تنويري ومتقدم ويجعل الحياة أجمل وطريقة عيش الناس أفضل.
لوردا فوزي